عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2012, 10:31 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من رواية رامة والتنين
لم يقل لها: علمني حسي بفقدانك أننا نحب وحدنا. ونموت وحدنا. واستشرفت أنّه ليس حتى في الموت برء من الوحدة. بعد حياة الوحشة المحكوم بها علينا, نحن نموت. ولا نجد في الموت نجدة. ولا نلتقي فيه بأحد. الموت يطوي الكتاب و يغلقه و يكرس ختمه.
و الحب؟
الحب كذبة. هو الشهوة العارمة للخلاص من الوحدة, الاندفاعة التي لا توقف نحو الانصهار الكامل والاندماج والاشتعال المزدهر لكنه يدور أيضا في الوحدة. وينتهي بتكريسها, أكثرُ علقماً من الموت. نحن نحب وحدنا، الحب أيضا وحدة لا شفاء منها.
***

عندما يمتزج الحب كعاطفة صادقة بوجع الحياة، تضحي الحياة أجمل حتى بعذاباتها فهي تحمل في ثنايا تواترات ساعاتها وأيامها لحظات ساحرة، وومضات آثرة من ذاك الحنين الذي يترك داخل القلب، واعدا بآمال محققة.
***
قال لها دون أن يتكلم : يا حبيبتي ، نحطم بأيدينا كل بنايات عمرنا ، هذه الجدران التي أقمناها ، كل منا على حده ، طول السنين ، بتضحيات لا أحد يعرف ثمنها ، هذه السجون التي نرتطم بأبوابها الموصدة كل يوم . حبنا نافذة في الشمس ، قطعة ممزقة من سماء الليل الفسيحة . العلاقات التي تبتر ، نظم الحياة التي تتقوض وتنهار . متاع خفيف وجوهري من الحب والكتب . قطع أخرى أيضاً من القلوب تمزق وتترك وراءنا . موسيقى التوقع والتشوف .
- قالت: الجزائر تذكرني بالإسكندرية . هل تعرف ، سآخذك معي إلى الإسكندرية ، أليست بلدة حبيبتك ؟ وأغرقك بالبحر ؟
ماذا تقول لحبيبتك التي سوف تغرقك في البحر ؟ تقول : أغرقيني ... بالطبع هذه الأمواج التي نريد جميعاً أن نغرق فيها ، دون أن تغص حلوقنا بالماء المالح ، غرقاً ناعماً هادئ النبرة . أو غرقاً عاصفاً متقلباً يفقد به المرء نفسه وتطيش عيناه . تقول لا لن أغرق أبداً ؟ وأنت منذ الآن قد خبطت القاع الرملي بالفعل ، واستقر جدثك واعي العينين تحت ثقل أطباق من الموج لا تطاق .
قالت : أنا كالعنقاء التي يحكون عنها ، تجدد ذاتها في مياة البحر .
قال لنفسه : في مياة البحر ، في معمودية النار .
قالت : في ملح البحر ، وصمته وشمسه المحرقة ، ونعومة قمره .
قال لها : دائمة الشباب ، تخرجين من المياة المحرقة كل مرة في غضاضة الصبا الجديد .
وقال لنفسه : هذه المرأة باقية لا تزول ، هي بنفسها تضع أرقام الزمن ، وفق ما تمليه حاجاتها الداخلية ، بِرْكة الحب المشتعلة هي الينبوع
الذي ترى فيه الزهرة وجهها القمحية مترقرقة أبداً قريباً من سطح الماء .وقال في نفسه : هي لا تعود أبدأً لشيء مضى ، ولا تذكر أبداً ، لا تقول إن شيئاً قد حدث وانقضى ، كل شيء عندها الحاضر ، كل لحظة تبدأ عندها من جديد ، كأن الماضي لم يحدث أبداً ، وبالتالي لم ينسى ولم يذكر لأنه لم يكن هناك أصلاً . كل حكاياتها في الحقيقة تجري بالفعل المضارع ، ولا تعرف المستقبل أيضاً ، لا تراه يوجد .