عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2010, 09:25 PM
المشاركة 10
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
- منتصف القرن التاسع عشر (الواقعيّة):

يعتبر منتصف القرن التاسع عشر التاريخ التقريبي لنهاية الرومانسيّة في أوربا، على أنّ هذا التاريخ يختلف من قطر لقطر، ويختلف كذلك من فنّ لفنّ أدبي، فخلفتها الواقعيّة بأشكال مختلفة ومتباينة، وعمومًا فإنّ الاتجاه الرومانسي يعدّ آخر الاتجاهات الواسعة التي شملت أقطار أوربا، وبعده فإنّ كل قطر بدأ يفرض نفسه باتجاه خاصٍ به، أو على الأقلّ بطابعٍ معيّن يميّز ذلك الاتجاه فيه.

عوامل انتشار الواقعيّة:
· استقلال الأدباء خصوصًا في موارد معيشهم: مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها القرن التاسع عشر، أصبحت موارد الكتّاب ميسورة أكثر من ذي قبل، لا سيّما مع انتشار الصحافة والمسارح والجوائز التشجيعيّة، وكلّ ذلك يوفّر دخلاً جيّدًا للكاتب، وهذا الاستقلال المعيشي أدّى إلى استقلال فكري، فالتفت الكاتب إلى الجمهور والشعب يعبّر عن قضاياه ويحللها، فأصبح بذلك دور الكاتب أساسيًّا في المجتمعات الأوربيّة.

· اشتداد الصراع الطبقي نتيجة تطور الرأسماليّة التي تستغل الطبقة العاملة، وهذا الاستغلال بدأ –كماسبق- بالثورة الرومانسيّة، لكنّ الكتّاب ما لبثوا أن أدركوا أنّ الظلم الرأسمالي أعمق وأخطر من تواجهه ثورة انفعاليّة، ومن هنا ازداد الميول للاتجاه الواقعي.

· التقدّم العملي كان له دور فعّال في نشوء الواقعيّة، ذلك أنّ عدوى التجربة والتحليل والنظرة الموضوعيّة انتقلت إلى الأدب.

· انتشار الفلسفات الماديّة والوضعيّة، والانحسار النسبي للأفكار المثاليّة والروحانيّة، وكان للأفكار الشيوعيّة دور بارز في دفع الكتّاب ضدّ الظلم يتبنّي الاتجاه الواقعي، لاسيّما الواقعيّة الاشتراكيّة.

· وللوهلة الأولى قد يبدو غريبًا أن تتمخّض الرومانسيّة المتّصفة بالحلم والهرب والانفعال عن الاتجاه الواقعي، ولكن-كما ذكر- فإنّ كلا الاتجاهين نابعان من فكرة الرفض والنقد والاحتجاج؛ كما أنّ الموجة الرومانسيّة تمثّل طفولة الاحتجاج المتمثّل في العواطف والمشاعر، ثمّ ما لبث ذلك الاحتجاج أن تحول إلى وعي وموضوعيّة ومنطق.

ومفهوم الواقعيّة مفهوم غامض ومطّاط، فأحيانًا تعرض على أنّها موقف، أي: الاعتراف بالواقع الموضوعي، وتارة تعرض على أنّها منهج وأسلوب، وكثيرًا ما يتلاشى الفارق بين التعريفين.

وإذا اعتبرنا ميزة الواقعيّة في التعبير عن واقع، فإنّ الواقع ليس ذلك العالم الخارجي المنفصل عنّا، فذلك الشيء هو المادة، أما الواقع فهو مجموع العلاقات بين الذات والموضوع، فهو يعني الجدليّة القائمة بين الذاتيّة والموضوعيّة، وهذه الجدليّة هي التي تبرّر لنا اختلاف المذاهب الواقعيّة، ولولاها لكانت متقاربة أو متطابقة.

وأشهر الاتجاهات الواقعيّة هي:
· الواقعيّة الانتقاديّة: وهي التي يكون فيها الأديب انتقاديًّا من حيث الموقف، واقعيًّا من حيث الأسلوب، ويكون الموقف الانتقادي هذا اجتهاديًّا يعبّر عن وجهته الفرديّة تجاه المجتمع، وليس للواقعيّة شكلٌ محدّد، وإنّما هي خاضعة للتجريبيّة المستمرة، ومن أدبائها: فلوبير وديكنز وتولوستوي ودوستوفسكي، وغيرهم.

· الواقعيّة الطبيعيّة: وهي شكلٌ حاد من أشكال الواقعيّة تلتصق بالمادي والملموس التصاقًا مبالغًا فيه، وتحاول أن تطبّق المناهج العلميّة في التشريح والتحليل بمنتهى التفصيل والدقّة، ومن أشهر أدبائها: إميل زولا، الذي أطلق على هذا الاتجاه اسم الطبيعيّة ليميّزها عن ذلك الحشد من الحمقى ذو النوايا الطيّبة الذين يصفون كتاباتهم بالواقعيّة.

· الواقعيّة الاشتراكيّة: سمّاها بهذا الاسم مكسيم غوركي، وهذا المصطلح لاقى قبولاً واسعًا إلا أنّ دلالاته ظلّت مضطربة، وأطلقت على أعمال أدبيّة تتفاوت فيما بينها تفاوتًا شديدًا.

وأبرز آثار الواقعيّة:
· الرواية الواقعيّة: ظهرت الواقعيّة بأقوى صورها في الراوية التي حاولت أن تعكس الواقع بكل تفاصيله بموضوعيّة غير مشخّصة وبدقّة متناهية في التفاصيل، بخلاف الرواية الرومانسية الحالمة، وأهم كتّابها: بلزاك، وأشهر ما كتب (الكوميديا الإنسانيّة)، وفوبلير صاحب رواية (مدام بوفاري).

· القصّة القصيرة: درج الكتّاب فيها على إعطاء العناصر الأساسيّة للشخصيّة والموقف والحركة، والجمع بين المنطق والبساطة، وأشهرهم: دوموباسان، ومن قصصه: العقد، وصديق حميم، والخوف، وصديقان.