عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2010, 05:58 PM
المشاركة 7
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
- القرن السابع عشر والثامن عشر (الكلاسيكية الجديدة):

شهد هذا العصر تطوّرات فكريّة عديدة كان لها كبير تأثير على الحركة الأدبيّة، ومنها:

· انقسام المسيحيّة إلى طوائف مختلفة أهمّها البرونستانتيّة، وكانت هذه ذات مفهوم ديني مرن اعترف بحريّة العقل.

· ارتفاع النزعة الإنسانيّة وانتشارها بين أوساط الفنانين والمثقفين، واتّخذت شعارًا: "أنا إنسان، وكلّ ما يتّصل بالإنسان ليس غريبًا عنّي"، وهذه النزعة بادرت إلى التحرر والانطلاق من أسر العرف والتقاليد، وبشّرت بحقّ الفرد في الاستقلال والاختيار، وإن كانت وقعت في تناقض مردّه أنّها التفّت حول التاريخ اليوناني والروماني وأضفت عليه هالة من المجد.

· استحواذ العقلانيّة على أفكار الطليعة المثقّفة نتيجة لتقدّم العلوم لا سيما الرياضيات والفيزياء، وقد رفضت العقلانيّة الإيمان بالخوارق والغيبيات، ووضعت الإنسان ضمن إطاره الطبيعي المحسوس، وأنّه هو المسؤول عن معايير الصواب والخطأ والخير والشر، فليست هذه المعايير منزّلة ولا ثابتة، وكانت تسير وفق مبدأ: الكون يكتشف بالتجربة لا بالتأمّل، ومن فلاسفة هذا العصر: ديكارت، صاحب المقولة المشهورة: أنا أفكّر.. إذن أنا موجود.

· ظهور اللبراليّة على يد جون لوك، التي أسهمت بآراء مهمّة في السياسة والتربية والفلسفة، وهي تقوم على أنّ أساس الدول: تعاقد اجتماعي بين الأفراد، وأنّ السلطة الأساسيّة من اختصاص ممثّلي الشعب.

· ظهور الفلسفة الوضعيّة وهي تطوّر للعقلانيّة، وهي تقوم على ما هو موضوع، ولا تتجاوزه إلى البحث عمّا يرافقه من حالات نفسيّة أو مشاعر، فأكدّت على التجربة الحسيّة في سبيل اكتشاف العالم وفهم ظواهره، ورائدها: دافيد هيوم.



وهذه التغيرات البارزة وغيرها ولّدت تغيرات وملامح أدبية عامة عرف بها هذا العصر، ومنها:
· سادت موجة من الكلاسيكية الجديدة خلال القرن السابع عشر، والجزء الأكبر من القرن الثامن عشر، وكانت الأقطار الأوربيّة كلها تسعى إلى بلوغ الروائع السلفيّة، ولم يكن هذا الانبعاث تقليدًا محضًا، وإنّما استوحى الطابع القديم وبثّ الروح التجديديّة فيه، ثمّ ما لبث أن انتهى به الأمر إلى التجمّد في تلك القوالب التي أصبحت غاية في ذاتها بعد أن كانت وسيلة.

· بدأ هذا العصر بالثورة الفرديّة، غيرها أنّها تدريجيًّا بدأت تحني هامتها للتوافق الفكري والاجتماعي العام، ففي المجال الأدبي مثلاً أخذت تلك الملاحظات الفكرية والنقديّة المتفرّقة تتحول إلى ما يشبه القواعد العامة للكتابة، ثمّ أصبحت هذه القواعد العامة إلزاميّة يراعيها الأدباء وإن تبرّم بعضهم منها.

· كانت اللغة في بداية هذا العصر متحرّرة من القواعد الصارمة، فكانت مرتعًا خصبًا للأدباء، ثمّ تقيّدت بنشوء المجامع اللغوية التي أخذت تحدد الصواب والخطأ في الاستعمال، وبدأت تظهر معها سلسلة الوصايا: قل.. ولا تقل!.

· من أهمّ التطورات الأدبيّة ظهور الرواية –لا سيما في بريطانيا- حيث ظهر روّاد الرواية الحديثة مثل: دانييل دوفو مؤلّف: (روبنسون كروزو)، ومع ظهور الرواية أخذ النثر يفرض نفسه على الساحة الأدبيّة.

· كانت فرنسا إبّان هذا العصر مركزًا للإشعاع الفكري والحضاري، وكان يطلق فيها على القسم الأوّل من هذا العصر اسم عصر (لويس الرابع عشر) ويعتبر من أعظم العصور التي شهدها التاريخ الفرنسي، وفي هذا العصر توفّر لفرنسا الحكم الملكي بعد القضاء على النظام الإقطاعي، فجرى توحيد الثقافة وتنظيمها تحت سيطرة القصر الملكي، وهكذا نشأت الكلاسيكية الجديدة في فرنسا في ظلّ الطبقة الحاكمة، وتوجّه إليها، وفرض الذوق الأرستقراطي نفسه على مختلف مجالات الأدب، وتمّ ذلك طبعًا على حساب الطبقات الكادحة.

· ظهر في هذا العصر طبقة من الأدباء الكبار الذين حاكوا النماذج السلفيّة بذكاء واصطفاء، مثل: راسين، وموليير، ولافونتين، وباسكال... وغيرهم

· كان الهدفان الرئيسان في فرنسا في عصر لويس الرابع الإيهام بالواقع، والصنعة الفنيّة، كما أصبحت الدعوة المباشرة للأخلاق سمة الإنتاج الفنّي المقبول اجتماعيًّا، فإن كان كتّاب القرن السابع عشر اكتفوا بالتوجيه غير المباشر، فإن كتّاب القرن الثامن عشر لبسوا ثياب الوعّاظ والمعلمين.

· شيئًا فشيئًا تطوّر مذهب الإيهام بالواقع، وارتفعت الدعوة تدريجيًّا إلى وجوب ملاءمة اللغة والأسلوب طابع العصر، فبدأت تنشأ جذور المذهب الواقعي.

· أخذت تدريجيًّا أيضًا تبرز مأساة الطبقة الوسطى، وبدأت تثور على افتراض أنّ الملوك والعظماء وحدهم أهل الأدب، وبرزت هذه التطورات في بريطانيا على وجه الخصوص.

· كذلك بدأ النقّاد في آخر هذا العصر ينتقدون الصرامة التي غلبت على الإنتاج الأدبي، ونادوا بأنّ الأدب الحقيقي ما يخرج من القلب لا العقل، فكان تمهيدًا لنشوء المذهب الرومانسي.