الموضوع: التهويدة
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-30-2017, 03:30 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...
قراءة معمقة في قصة التهويدة

...فمن عتبة النص يسخر القاص احد اكثر الأساليب تأثيرا في دماغ المتلقي وهو تسخير التضاد . فحينما يسرد علينا احداث جرت في الطفولة فهو انما يأتي بها من الذاكرة ولكنه بدا السرد بقوله انه لم يعد يتذكر. وهذا ما ينبه المتلقي الى اهمية الاحداث في القصة ويشده لمتابعة السرد.

ولا ننسى انه باستخدام كلمة الهامسة في وصف تهويدة الام انما يوقظ حاسة السمع في المتلقي ويجعله اكثر انجذابا للقراءة والتفاعل مع النص.

وفي السطر الاول نجده يحشد عنصرين آخرين من عناصر التأثير وهما عنصر الحركة والانسنة حيث يؤنسن التهويدة ويخبرنا انها رحلت! ويزيد على الحركة بذكر الفراشة التي يشبه التهويدة بها ، وليس هناك ما يمنح النص السردي حياة وحيوية اكثر من تضمين النص كلمات توحي بالحركة فكيف اذا كان الحديث عن رحيل على شكل فراشه؟!

وهو بحديثه عن رحيل التهويدة يوحي للمتلقي بموت الام مصدر تلك التهويدة ويتعزز هذا الشعور من خلال استخدامه لكلمة الرحيل والتي يرتبط بها عادة الرحيل الى الدار الآخرة ، والفراشة والتي يعتقد كثير من الناس انها ارواح تأتي وتذهب الى العالم الاخر حيث يمتنع البعض عن طرد الفراشة من البيت خشية ان تكون روح انسان قريب وهذا مؤشر ان الاستاذ القاص حشد أسطورة شعبية في نصه ليزيد من حجم التأثير في المتلقي نظرا لما يرتبط بهذه الأسطورة من مشاعر وعواطف.

وما يلبث ان يعود لتسخير التضاد من جديد فيعود ليكرر انه لا يتذكر رغم انه يروي لنا جزاء من ذكرياته ، وبعد ذكره للنوم في نهاية السطر الاول نجده يتعمد ذكر كلمة الاستيقاظ مباشرة في بداية السطر الثاني وكما قلنا يعتبر تسخير التضاد من اكثر الأساليب تأثير على الدماغ.

وما يلبث القاص ان يلون حديثه باللون الأزرق ويذكر سماء زجاجية وهذا تصوير وتشخيص للمشهد الموصووف وكأنه يرسم لوحة او يصور منظرا عجيبا فتترتسم الصورة في ذهن المتلقي بقوة مهولة وتنطبع بسحريتها البالغة والصورة ابلغ من الف كلمة كما قالوا .

وايضا نجده يتحدث عن صباح ازرق رغم ان عملاق النسمات الليلة يقف الى جانبه وهذا يوحي بان الوقت ليل، وهو بذلك انما يقصد الاستفادة القصوى من اسلوب التضاد لإيقاع اقصى حد من التأثير على المتلقي. والليل يذكرنا باللون الاسود.

وها هو يعود بشخصنة النسمات هذه المرة وليس ذلك فقط بل يجعلها عملاقا فاي خيال جامح هذا الذي يصور النسمات الليلية الرقيقة على صورة عملاق ويجعله يقف الى جانبه في فناء البيت وباب البيت خلفه مغلق ، وهو ينظر الى سماء زجاجية الا ان نورا يشع منها اقرب الى نور الفجر.

ولا يكتفي القاص بصناعة شخصية العملاق من النسمات وهذا لوحده خارج عن المألوف وتعبير بكر لا أظن احد سبقه عليه ، بل يمنحة ايضا صفات وملامح انسانية فهو يقف بوجوم الى جانبه، ويحمل مصباح لكنه مطفأ، وهنا محاولة اخرى للاستفادة من التضاد ، ولا نعرف لماذا جعله ، اي المصباح ، مطفأ فهل بسبب ذلك النور المنبعث من السماء الزجاجية ؟ ام ان الغرض هو لتجسيد المشهد في ذهن المتلقي والاستفادة من التضاد كأسلوب سحري التأثير ؟

كما ونجده يجعل العملاق يحمل حقيبة وهذا يوحي بانه مسافر أيضاً ، وهذا ما جعل بطل النص يدرك ان عليه ان يتبعه والحديث عن السفر والسير في طريق يعني مزيد من الحركة والحيوية والحياة للنص
.

يتبع ..