عرض مشاركة واحدة
قديم 05-26-2012, 05:48 PM
المشاركة 700
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد البساطي: جيلي كان نقدياً ورفع الصوت عالياً في وجه عبد الناصر
أغزر كتاب الستينات في مصر ما زال قادراً على الإدهاش

القاهرة: عبد النبي فرج

يكاد يكون حصار الإنسان وعزلته هو الفضاء الروائي الذي تدور فيه أعمال محمد البساطي، فهو مغرم بهذه التقنية، لأنها، على حد قوله، تجعله يرى شخوصه من الداخل. البساطي الذي يعد أغزر كتاب الستينات في مصر إنتاجا، ما زال قادرا على إثارة الدهشة والتساؤل في كتاباته. أسلوبه السلس الممتع، مسكون دائماً برائحة شفيفة للمكان. وهي رائحة خاصة لم تراكمها الجغرافيا، بل راكمتها خبرة الكتابة والحياة والسنين. هذا حوار مع محمد البساطي حول عالمه الروائي وعلاقته بجيله، وأبطاله ونظرته للروايات الجديدة.

>ما العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي؟
- رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة.
بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم، كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة. والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
>منطقة الجزر هذه كانت موضوع روايتك «صخب البحيرة» كيف ترى هذا العالم الآن كما صورته في هذه الرواية؟
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.
المؤثر الآخر في هذه الرواية هو الحروب التي عاشتها مصر، وكانت بلدنا الخط الثاني في الصدام مع إسرائيل بعد الخط الأول وهو بورسعيد والسويس والاسماعيلية؛ ولذلك كان الخط الثاني هو الملجأ لنزوح أهالي مدن القناة.
> المهجرون أيضاً كانوا موضوعاً لرواية «بيوت وراء الأشجار»، وهذا يثير سؤالاً حول دور الواقع المباشر في أعمال البساطي؟
- بالنسبة لي الواقع هو المثير الأول في الكتابة الروائية، وأنا ما زلت أحمل داخلي خزينا من التجارب الإنسانية المتنوعة.
> الايروتيكا تمثل هاجسا ملحاً لشخوص رواياتك الأخيرة. هل توافقني على هذا الرأي؟
- «الإيروتيكا» ليست مقحمة في الرواية وهذا هو المهم. فرواية «فردوس» تحكي عن شخصية حقيقية عايشتها في البلد عن قرب. أما «ليال أخرى» فهي عن شخصية أعرفها، أصور من خلالها تداعيات فترة سلبية في تاريخ مصر. وهي فترة «السادات» لأنني كرهت هذا العصر أشد الكراهية. «الإيروتيكا» هنا ليست لذاتها ولكنها حالة، تضيف للنص ـ وتمنحه مجالات إدراك جديدة. وأنا أعتبر عندما تكتب «الإيروتيكا» معزولة لذاتها يتحول الأدب إلى أدب تافه، وهناك نماذج كثيرة على ذلك. كما هناك روايات من الأدب العالمي كانت بها «الإيروتيكا» عالية وكثيفة، وتشعر بأنها ضرورية للعمل الأدبي.
> المرأة تمثل محوراً للصراع في رواية محمد البساطي الأخيرة، لماذا؟
- كان أول من تناول المرأة هو نجيب محفوظ في رواياته، ولكن لدى نجيب محفوظ كان الرمز واضحاً وصريحاً، واستمر النقاد ينبشون هذه الرموز في أي عمل له. ومن ثم لم تعد المرأة واقعاً ملموساً من لحم ودم، بل مجرد رمز تجريدي. ومن السهل أن تكون «حميدة» في زقاق المدق هي مصر، لكن المرأة عندي هي واقع حي مقهور، وهي في حالة شديدة السوء، ثم إنها عادة ما تظهر في أعمالي برغم انني لا أكون واعيا بذلك.
> الحوار يمثل قيمة جوهرية في أعمالك منذ رواية «التاجر والنقاش»، فيما تتراجع أحيانا مقومات حديثة للسرد.. كيف ترى ذلك؟
- الحوار قادر على تكثيف الجوانب الشخصية أكثر من السرد، خاصة أن الحوار أكثر حيوية وحياداً، كما إنه يعبر عن الأفكار التي يراد لها أن تصل مباشرة إلى القارئ.
>باعتبارك متابعا لحركة الكتابة الروائية والقصصية، برأيك هل توجد ملامح كتابة جديدة في مصر؟
- يوجد صوت جديد ولكن ملامحه تحتاج إلى قليل من الصبر، فأغلب المنشور هو الرواية الأولى للكاتب فلننتظر الرواية الثانية والثالثة. إنما في كل الأحوال تختلف الروايات الحالية بالتأكيد عن رواية الستينات التي كانت مهجوسة بالهم السياسي والاجتماعي وهو ما تبتعد عنه الأعمال الجديدة بقصدية واعية.
>هل توافق على قول جابر عصفور إننا نعيش زمن الرواية؟
- لا، فالشعر موجود بقوة ويوجد شعراء كبار، ولكن الذي خفتت قوته هو القصة القصيرة، ليس عندنا وحسب، ولكن في كل البلدان، نادرا ما نقرأ الآن قصة قصيرة متميزة مثل قصص هيمنغواي وتشيكوف، أو ماركيز أو يوسف إدريس. فالقول أن هذا الزمن زمن الرواية فيه مبالغة.
> كيف تقيم برأيك سيل الروايات التي تتخذ نفايات المدينة، من فساد سياسي وأخلاقي، محورا للسرد وتسمى عادة بالواقعية القذرة؟
- قرأت الكثير من هذه الأعمال ومعجب بها، وأنظر إليها كنوع من الاحتجاج والرفض لما هو قائم، ولكل السلبيات التي نعيشها وقد أصبحت رهيبة. فلو تعاملنا مع هذه الروايات من هذا المنظور ستجدها روايات جيدة ولكن عندما يستقر الأمر ستختفي تلك الأعمال.
> البعض أشار إلى رواية «صخب البحيرة» باعتبارها رواية غامضة هل تتفق مع هذا الأمر؟
- البعض أشار بأنها غامضة والبعض الآخر لم يعتبرها كذلك، فلكل رواية خصوصية، كما أن الشرح يضر أحيانا بالعمل الأدبي.
> روايتك الأخيرة «جوع» هل هي تعبير عن الوضع القائم؟
- نحن نعيش حالة انهيار يتجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة، هو الجوع الذي تعيشه أسرة مصرية، وكم البؤس الانساني الذي يغلف حياتها.
> أنت محظوظ نقديا، تابع أعمالك كبار النقاد المصريين وغيرهم، وترجم معظمها إلى عدة لغات. هل تتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن المكان هو الفاعل الأول والذي يحدد ويحرك مصائر الشخوص في معظم الأحيان. ألا تشعر أن هذه التقنية أصبحت مجرد نمط قالبي يجب كسره والتمرد عليه؟
- نعم أنا محظوظ نقدياً، وراض تماما عن ذلك. وأتفق معك ان الشخصيات في أعمالي تطبع بطابع المكان وتتشربه، فأناس، مثلا، يعيشون في جزر منفصلة، ولم تتح لهم الحياة الاختلاط بالمدن والحياة المعاصرة، كيف يفلتون من حصار المكان؟ الجغرافيا تصنع البشر، ولذلك رواية «صخب البحيرة» هي رواية المكان بامتياز، وانعكس ذلك على حياة الشخوص التي وسمت بالعزلة. وما زلت أشعر أن المكان لم يستنفد مخزونه الإنساني، وأنا لا أتعامل معه كمجرد إناء، بل كحامل دائم لخبرة ومسيرة بشر في الحياة والتاريخ. ومن هنا يفرض المكان تطوره، بل روحه الخاصة من عمل إلى آخر.
> من الملاحظ أنك مغرم بحصار الشخوص في أماكن نائية.
- بالفعل أنا مغرم بحصار الشخصية في بعض الروايات، بسبب رغبتي في معرفة كيف تكتشف العالم حولها وتواجه مصيرها ومأزقها الإنساني في حيز بسيط ومحدود. أحب أن أنوه بأن الغرام بهذا الحصار ليس محض حالة سيكولوجية وإنما هو نتاج طبيعي لعلاقة الشخصية بواقعها. وهذا ما تلاحظه مثلا في رواية «فردوس». فالقصة مستمدة من الواقع، ناهيك عن أن العزلة تكشف عن المخزون الروحي للشخصية، فصراعها أساسا يبدو مع ذاتها.

وقد انعكس ذلك على قصصي القصيرة، فالكثير منها غارق في تهاويم شعرية ويغيب الموضوع ، ونحن نجد الكثير من القصص العالمية الممتازة بلا مضمون، وتكتفي بلمسة حزن، أو مودة. وأعتقد أن الكثير من قصص تشيكوف هي كذلك.
> أيضا أنت مغرم بأن تدور القصص والروايات في الليل حتى انه لديك أعمال بعناوين: «أصوات الليل» و«ساعة مغرب» و«ضوء خفيف»؟
- لليل إيقاع خاص في نفسي، وهو يساعدني في أن أضفي لمسة من السحر والشعر على الواقع المباشر، والتخفيف كثيراً من تجهمه وقسوته.
>هل تتفق معي أن جيل الستينات هو أول من انفصل عن القارئ العام، وشجع على ذلك النخبة السياسية، بل فتحت لكم مؤسساتها للنشر والعمل؟
- لا أنا أختلف معك في ذلك. جيل الستينات في بداية المد الثوري الذي قاده عبد الناصر، كان ناقدا بشدة للتجاوزات الثورية من إجهاض للديمقراطية واستبداد الدكتاتورية. كان جيل الستينات صاحب الصوت العالي، ولذلك لفت الانتباه بشدة. سنجد ذلك مجسداً بقوة، في كتابات صنع الله إبراهيم والغيطانى وأصلان ويحيي الطاهر، وعبد الحكيم قاسم، وهم فرسان هذا الجيل مما أجبر المؤسسة أن تنشر لنا، وتفيد من خبراتنا.
> لكن ذلك النشر كان في طبعات محدودة، وتم حصاره في أماكن مغلقة؟
- محدودية التوزيع لم تكن قاصرة على جيل الستينات، فنجيب محفوظ كان يحكى في جلساته بمقهى ريش عن ضآلة توزيع أعمالة التي لا تطبع سوى 300 نسخة، ويوزع منها القليل. واللذان كانا يوزعان جيداً، في ذلك الوقت، هما إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. أي أن الكتابات الرومانسية هي التي كانت تشد القارئ كثيراً، وليست الكتابات المهمة الممتلئة بالهموم.
> لكن البعض يرى أن السبب هو تأثر جيل الستينات بالأدب الأوروبى، خاصة تيار الاغتراب والتشظي والعدمية. هذا كان له ما يبرره في دول فقدت ملايين القتلى في الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم استيراد هذا النموذج الغربي، الذي لم تخرجنا منه سوى الواقعية السحرية الآتية من أمريكا اللاتينية.
- بالعكس... الميزة الأساسية لجيل الستينات، انه ابتعد عن التأثر بالغرب، ولكنة استفاد من تقنيات الكتابة لدى كبار كتابهم، وهذه مسألة مشروعة لأن الفن كوني. بل إن جيل الستينات كان ملتصقا بالشارع وهموم الوطن. فحينما كتب صنع الله روايته «تلك الرائحة» كان يكتب عذابات الإنسان في المعتقلات التي كانت مفتوحة على اتساعها في عهد عبد الناصر، برغم انجازاته الكبيرة. وستجد قصة لي اسمها «المقشرة» تدور حول تعذيب المساجين داخل المعتقلات. مات المناضل شهدي عطية الشافعي داخل السجن في أيام عبد الناصر، وكذلك في أعمال يحيي الطاهر تجد الهم الفلسطيني، مجسداً في واقع يومي شديد الصعوبة.
> كيف ترى رواية السيرة الذاتية التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟
- بعض النقاد قالوا إن هذا الجيل مستغرق في ذاته، ولكنه كلام عام وفضفاض. حتى لو كانت الرواية سيرة ذاتية، فالمهم ما تطرحه من قضايا الكتابة. الشاعر المصري أسامة الديناصوري كتب سيرة ذاتية اسمها «كلبي الهرم» جاءت غاية في الجمال، وكشفت الصعوبات التي يعيشها الإنسان المصري. ولا ننسى لطيفة الزيات وعملها «أوراق شخصية»، وهي سيرة ذاتية من أجمل ما كتب، وقد قرأتها كرواية كاملة لا كسيرة ذاتية.