عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2012, 03:47 PM
المشاركة 2
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-color:black;border:3px double red;"]
رغم التجاهل والسخرية... للمبالغة ما يبررها

وعلى الطرف الآخر أثارت هذه المقولة ردود فعل سلبية اتسمت بنوع من السخرية خصوصا في السنوات الأخيرة حين لم ترافق الشعر الموريتاني نهضة نشر تسوقه في العالم العربي، فضاع أغلب قديمه تحت وطأة عاديات الزمن وظروف الجفاف والتصحر وقسوة النقلة من البداوة الى التحضر ومن أنساق التعليم الأصلي الى التعليم الحديث. كما تقوقع غالبا في جذاذات أصحابه ولم ينشر منه إلا دواوين قليلة لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وهو ما عبر عنه أحدهم بالقول «إن هذا الأدب يظلمه أبناءه إذ لم يجاهدوا في التعريف به ويظلمه العرب إذ أعرضوا عن التعرف عليه».
وهذا هو وجه المفارقة الحادة بين لفظة المليون شاعر من جهة، وحجم الحضور الموريتاني في الساحة الأدبية من جهة ثانية، فكأن القارئ العربي شعر بخيبة أمل في كون العطاء الشعري المعروف للبلد لا ينسجم مع حجم مقولة المليون شاعر ذات الزخم الاعلامي الكبير ومن هنا ظهرت بوادر السخرية من هذه المقولة تتجلى هنا وهناك شفهيا وكتابيا.
واللافت للنظر أن هذه المقولة لم تؤخذ مأخذ الجد من طرف الكتاب الأكاديميين في موريتانيا حيث لم يعرض لها الدكتور محمد المختار ولد أباه في كتابه «الشعر والشعراء»، ولا الدكتور أحمد ولد الحسن في أطروحته عن «الشعر الشنقيطي في القرن 13 هـ» وخصوصا حين توقف عند تسميات موريتانيا القديمة مثل: شنقيط وبلاد السيبة وبلاد التكرور وصحراء الملثمين، ولم يتطرق لاسم «بلاد المليون شاعر». وهذا التجاهل يوحي بعدم النظر لهذه المقولة بعين الجدية، على الرغم من أن أطروحته أعدت في نهاية الثمانينات بعد اطلاق هذه المقولة بحوالي عقدين من الزمن. والأمر ذاته ينطبق على الأديب الخليل النحوي في كتاب «بلاد شنقيط المنارة والرباط». ربما تجاهل أدباء موريتانيا لهذا اللقب هو اعتراف ضمني بعدم استحقاقه، وبالتالي التخلي عنه حتى لا يعلق بالذاكرة ويظل محل جدل دائم.
ومهما كان تنازع الأسطورة والحقيقة داخل فضاء المقولة حتى لو رجحنا جانب الأسطورة، فان مصداقية هذه المقولة تبقى حاضرة بشكل أو بآخر، إذ الأسطورة لا تنبثق إلا من نواة حقيقية فلو لم يكن واقع الشعر في موريتانيا قابلا للبوس الأسطورة لما أطلق عليه هذا التعميم الكبير.
وإذا كانت مرتكزات التشكيك في مصداقية هذه المقولة تنبني على ضياع الكثير من الشعر الموريتاني خارج الذاكرة والتدوين، بالاضافة الى شح المدَوَّن منه وضآلة المنشور منه قديما وحديثا وإذا كان هذا يعزز جهل الموريتانيين أنفسهم بهذا الشعر أحرى غيرهم. فان المرتكزات المدعمة لمصداقية هذه المقولة تنبني هي الأخرى على تفشي تداول الشعر بين ساكنة بلاد موريتانيا انتاجا ورواية وتمثلا واستشهادا.
بالاضافة إلى أن ذلك التعميم واجد مسوغه في كون مفهوم الشعر يتسع للشعر الفصيح والشعبي وحتى النظم أحيانا وإذا أخذنا بهذه السعة فإنك قلما تجد موريتانيا إلا وهو يتعاطاه بهذا الشكل أو ذاك. فالشعراء المبدعون يتعاطونه على مستواهم والعلماء ينظمون به معارفهم المختلفة نحوا وصرف وفقها وعقيدة، والشعراء الأميون يتعاطون الشعر الشعبي تعبيرا وابداع وينظمون به معارفهم الشعبية البسيطة. وأما على مستوى تعاطيه رواية فهو شائع لدرجة تتداخل فيها مختلف المستويات المثقفة وغير المثقفة. حتى ان أحد تقارير المستعمرين الفرنسيين عام 1937 اكد انه «لا يوجد أي مجتمع بدوي بلغ مبلغ البيظان (وهم الموريتانيون) في العلم بالعقيدة والتاريخ والأدب والفقه وعلوم العربية...انهم يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة ويسر افضل مما يتحدث بها سكان تونس والقاهرة ولا ينذر ان تجد بينهم راعي ابل من ابسط الرعاة يتغنى بالشعر الجاهلي».
وان مجتمعا يتغنى أبسط رعاته بالشعر الجاهلي، أصعب أنواع الشعر وأعرقه لجدير بلقب المليون شاعر مهما كانت المحاذير المحيطة باطلاق الحكام على عواهنها. وما دمنا في السياق الكمي لمصداقية بلاد المليون شاعر فاننا واجدون ان الشعراء الموريتانيون المحدثين لا يقلون من حيث الكم على الاقل عن اضرابهم في الدول العربية الاخرى. ويكفي لتأكيد هذه الدعوى ان نعود لـ«معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» الذي أعدته ونشرته مؤسسة عبد العزيز سنة 1995 والذي جاء فيه ان عدد شعراء موريتانيا المعاصرين يبلغ 60 شاعرا متفوقا على مصر وبلاد الخليج.
اما على مستوى مصداقية هذه المقولة من حيث الكيف فان ذلك يعتبر هو التحدي الأصعب، ومع ذلك فان الكاتب العراقي عبد اللطيف الدليشي يعزز القيمة الكمية والكيفية للشعر الموريتاني القديم، حيث يسجل اعجابه لكثرة ما يجده الباحث من الأعداد المتزايدة من هؤلاء الشعراء الفحول المجددين العريقين في الجزالة اللغوية والصور الشعرية الجميلة الرائعة المبتكرة في شتى الأغراض. وهو يقول ان الشعراء الشناقطة «شعراء فحول لا يقلون مستو عن أمثال المتنبي والبحتري وشوقي والرصافي». ومهما يكن فمقولة «بلاد المليون شاعر» ورغم أنها مبالغة إعلامية محظة فهي جديرة بالدراسة والتمحيص وبوقفات اخرى ترصد أبعادها حتى لا تظل في الهواء تتجاذبها أفواه المادحين او القادحين بدون تبصر.



كاتبة المقال صحافية وكاتبة موريتانية
[/tabletext]