الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2019, 10:41 PM
المشاركة 108
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
الخروف والجزرة
للأديب والإعلامي السعودي
علي بن حسن الزهراني

لم أعلم علاقة بين الخروف والجزرة منذ وقعت عيناي على أول خروف من حلال والدي الذي عشق تربية الضأن والغنم، وبقرة وحيدة كانت تدر لنا اللبن الذي تستخرج منه والدتي زبدة بيضاء نقية تصنع منها السمن والعسل!!..كنت أحب ذلك الخروف ووالدته وجميع أفراد عائلته، وكان والدي يستفيض في شرح أنساب حلاله الذي هو حلالنا، حتى خلت أن شجرة النسب هذه ستعلّق على أستار جدار منزلنا البسيط في تلك القرية الجميلة نهارا، الكئيبة ليلا، وكأنها معلقة طرفة ابن العبد، والتي جعل جلّ أبياتها في مدح ناقته، حتى خلتُ أنه سيوصي بدفن ناقته في مقابر آل بيته..وأظنه فعل!!
كبرت معه ومعي حلم المقام في قريتي، جميلتي، مرعبتي عندما يحل الظلام ضيفا ظريفا على مأوى خراف والدي وحلاله، أما البقرة فقد بيعت بسبب أزمة اقتصادية طارئة..! بيعت وخلّفت وراءها دموع والدتي، وفرحة شقيقاتي اللاتي ارتحن من هم الحلب والمخض واستخراج الزبدة..ذهبت أبحث عن جزرة أطعم بها خروفي وبعض خراف والدي، حتى قيل لي إن الجزر طعام الملوك، وأن الخراف طعامها بقايا طعامنا الذي لا يبقى، والتبن والشعير، حتى أن الشعير كان بقدر، حبات معدودات بسبب غلائه الفاحش، ولكن حب والدي لها لم يمنعه من الحفاظ عليها جميعها وكاد يبيع أحدنا (لستُ أنا طبعا!) ليشتري ذلك التبن والشعير، بل أن اللقمة كانت تؤخذ غصبا من أفواهنا لتطعم بها أفواه الخراف التي ترعى وترتعي على بقايا جسدنا الغض..هي تنعم بالراحة والنعيم و(الجزر)، ونحن عكس ذلك..أما ما كان يهوّن علينا ضيقنا وحنقنا هو أن والدنا كان يقول لنا عندما يغضب:"كلوا تبن"!! وكبرنا نقدّس ذلك التبن، ونقدره، ونوقره كتقديرنا وتوقيرنا لأعظم العظماء، وهو أخونا الكبير طبعا!
تربينا على الفقر وربما نموت عليه، بل أن تربيتنا الفاضلة لا تريد أن نكون سوى فقراء، والويل والثبور لمن يفكر في غير ذلك، حتى لو بيع لحم خرافنا منا بأضعاف مضاعفة..وجعلت جلودنا أحذية لأقدام العظماء من الأغنياء، وهي أقدام نروم تقبيلها قبل أن تدوس تلك الجلود المدبوغة بمنتهى الحرفنة والجمال!!
كنت أحلم بفردة حذاء من جلدي، أو جلد شقيقي، بل من جلد خرافنا وحلالنا الذي مات قبل أن يلعق الجزرة فضلا عن أكلها..ولكنه الحلم المستحيل، كاستحالة إيجاد علاقة بين الخروف والجزرة !!
والله من وراء القصد.
أبو أسامة

رابط الموضوع
http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1304