عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2016, 06:04 PM
المشاركة 218
سارهـ عبدالغني
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله

بمناسبة حلول شهر ذي الحجة المبارك. ولقرب موقعي من المشاعر المقدسة أحببت أن تكون قصتي الاولى حول أجواء هذه الفريضة العظيمة. الحج. أتمنى أن تنال القصة إعجابكم



-1-


تلّـفت رامي برأسه مندهشاَ من كثرة البشر اللذين يسيرون أمامه وخلفه وعلى جانبيه.

رأى أن أحدا منهم لا ينعطف في طريقه يمنة أويسرة. بل الجميع يسير في خط مستقيم إلى الامام. وإلى الامام فقط.

بدا المنظر وكأن سيلا من الناس قد قرر الرحيل.. من نقطة ما إلى نهاية العالم مشيا على الأقدام.

يمسك بعضهم بأيدي بعض.. يسيرون في شكل أحزاب كبيرة أو صغيرة. متجمعة تارة ومتناثرة تارة أخرى.

يلبس الحشد كله ذات الرداء. بذات الشكل واللون الأبيض الناصع.

سمع رامي بضع أناس يصدحون منشدين " لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة

لك والملك.. لا شريك لك" يرددونها مراراً بإخلاص عميق.

أحس بيد تربت بحنان على رأسه. التفت فرأى والده ينظر ويبتسم إليه قائلا:

- أرى أنك سعيد بالسير هكذا. لم تعد متذمرا كما كنت بالأمس. ولست تخشى التيه وسط الزحام الآن. أليس كذلك؟

زفّر رامي بارتياح مجيباً:

- بلى يا أبي. لو كنت أعلم أن الامر سهل وممتع هكذا لما أبيت المجيء معك لأداء فريضة الحج.

ولكني كنت أفضل البقاء مع سلمى وأمي في البيت لأني أخاف مشقة السير الطويل. ولكن ما دمنا

نستريح بين الفينة والأخرى. ومادام طعامي وشرابي محفوظ في حقيبتي فمم أخاف.

- أنت محق بالطبع يا رامي. الان انظر. المكان هنا جميل ورحب. وعلى الرغم من كثافة المشاة

واستمرار الحركة إلا أن السلام والأمان يعم الأجواء. هل تشعر بهذا؟ّ

أومأ رامي برأسه ايجاباً. وتذكر بفخر أنه سيعود ويخبر أصدقاءه عن رحلته هذه.. وبذلك يكون أول تلميذ

في المدرسة يؤدي مناسك الحج من الصف الثاني الابتدائي.

واصل الأب والابن المسير في مشعر مزدلفة المقدس. كانت القمر قد ظهر جليا في السماء ونضّر بنوره

الهاديء وجوه السائرين.

شعر رامي فجأة بقدميه تنبضان بألم داخل صندله البني.

لقد كان النفير من عرفات إلى مزدلفة أطول مما توقع.

وهاهو يشعر الان بآلام تكتسح جسده الصغير حتى يكاد أن يقع أرضا ويستسلم لنوم عميق.

طلب من أبيه التوقف فاستجاب له وقعدا يستريحان على رصيف جانبي..

جلس الاب يتبادل أطراف الحديث مع رجل الامن القابع بجوارهم.

كان يراقب حركة الحجيج ويعين من يحتاج منهم إلى مساعدة فورية.

أما رامي.. فعلى بعد بضعة أمتار من ذلك الرصيف، شاهد امرأة عجوزا تمشي الهوينة مستندة على عكاز ذو مقبض ذهبي.

كان الاعياء باديا على وجهها وكانت تسعل بين الحين والآخر بقوة.

أشفق عليها وهي تحاول عبثا مجاراة حركة الحجيج السريعة.

وسرعان ما ظهر رجل في منتصف العمر يلحق بالعجوز من الخلف ليقف أمامها محاولا منعها من

السير. انحنى الرجل الضخم عليها يحدثها بصوت خافت.

أنصتت له ثم أومأت برأسها رافضة ما يقول. حاولت إزاحته جانبا وإكمال المسير.

ولكنه ظل واقفا كالصخرة لا يتزحزح. ومضى يحدثها ثانية. بدت حركاتها تزداد توترا وهي تعترض بحدة.

ولما بدا أن الرجل قد يأس من إقناعها مده يده فسحب العكاز منها وهو ما جعلها تزعق غاضبة وتنهره.