عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2012, 07:39 AM
المشاركة 710
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
92- 1952 جميل عطية إبراهيم مصر

ثلاثية جميل عطية إبراهيم تأريخ بلغة الرواية

صاغ المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم جزءًا من تاريخ مصر بلغة الفن في ثلاثيته (1952) ، (أوراق 1954) ، (1981) الصفحات الأولي في الجزء الأول تمهيد لحركة الجيش. ولأنه يعي أهمية التراث الشعبي ، لذا بدأ بصاحب صندوق الدنيا الذي يغني (اللي بني مصركان في الأصل حلواني) ولكن بعد أنْ ألغي مصطفي النحاس معاهدة 36 قال (اللي بني مصركان في الأصل فدائي) وعندما سأله المارد ماذا يريد قال (آتني بأسلحة لمحاربة الإنجليز) وتنتهي الحكاية بأنْ طلب مصطفي النحاس من فؤاد سراج الدين (وزيرالداخلية) توزيع السلاح علي الفدائيين. تصاعد الكفاح المسلح ضد الإنجليز لذا قال اللواء عويس إنّ (الإطاحة بحكومة الوفد أصبحت ضرورية) في عزبة هذا اللواء نتعرف علي عباس الفلاح الذي جمع وعيه بين الصراع الطبقي واستقلال الوطن، فانضم إلي أحد التنظيمات الشيوعية. وبعد نجاح حركة الضباط تم القبض عليه فاندهشتْ زوجته وقالت (قضي سنوات عمره في معارضة الملك والتنديد بسياسة الباشوات وفضحهم) وبعد أنْ أفرج عنه تم اعتقاله مجددًا وكان قائد الحملة اليوزباشي أنور عرفه (وكانتْ هذه آخرمهمة يؤديها لضباط يوليو قبل سفره لأمريكا في بعثة في فنون القبض والتفتيش وتسجيل الاعترافات) وما ذكره المبدع حقيقة أكدها كثيرون مثل د. فخري لبيب في كتابه (الشيوعيون وعبدالناصر) وهكذا ضفر جميل عطيه الفن الروائي بالوقائع التاريخية. وإذا كان اللواء عويس أحد رموز الاقطاع المتعاونين مع الإنجليز، فإنّ المبدع المؤمن بتعدد الأصوات، قدّم شخصية د. السيد أحمد باشا الذي لم يتدخل في حياة ابنته (أوديت) المنضمة لأحد التنظيمات الشيوعية لمقاومة الإنجليز والسراي. وعندما كان البوليس يبحث عنها لاعتقالها اختبأتْ في أحضان الفلاحين وقالت عنهم (هؤلاء القوم الذين يتظاهرون بالبلاهة لهم آفاق واسعة) إذْ حفظ الفلاحون سرها ولم يتقدم أحد ليشي بها. ومن أبناء عزبة عويس (عكاشة) المغنواتي ، فلاح ليست له أية علاقة بالسياسة. ذهب إلي الإسماعيلية للعمل. صارت بينه وبين الجندي الإنجليزي (جون) صداقة بسبب حبهما للغناء. اقتنع عكاشة بالعمل مع الفدائيين لنسف معسكر للإنجليز. لمح صديقه (جون) فكيف يتركه للموت ؟ صاح يحذره. في هذا المشهد المكتوب ببراعة فائقة لم يمت (جون) كباقي زملائه بينما مات عكاشة. وفي التحقيقات الصحفية قال الجندي جون إنه مدين بحياته لعكاشة الذي حسبه اللواء عويس من الشيوعيين. وكانت صدمته عندما قال له أحد الضباط (إنه من أتباعك ياباشا) فقال مستنكرًا (الواد المغنواتي) وتحوّل عكاشة إلي أسطورة بين الفلاحين وإلي شيوعي بين الشيوعيين وإخواني في نظرالإخوان المسلمين. في عزبة عويس نتعرف علي كرامة سرحان الطالب بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية المولع بالشاعرإليوت الذي قال (نحن الرجال الجوف. بالقش حُشيتْ رؤوسنا) كرامة ابن السقا الذي يبيع الماء يقع في حب جويدان بنت اللواء عويس فيجلده. ثم ينتقل بنا المبدع إلي زهيه الفلاحة الفقيرة التي ضمّدتْ جراح كرامة وأطعمته ومنحته جسدها. ولكنه لم يعترف بهذا الحب الفطري ، فأدركتْ أنه لايهتم بها رغم أنّ جنينًا يدب في أحشائها. ثم يكون لقاء هذا الثلاثي- كرامة وزهيه والأميرة جويدان في الجزء الأخير ومعهم ابن زهيه التي اختارت له اسم (محمد نجيب) ينتهي الجزء الأول بالمذبحة التي دبّرها الضباط ضد عمال كفرالدواربعد عشرين يومًا من سيطرتهم علي الحكم. لذا قالت أوديت بعد اعتقال عباس (الجيش طرد الملك. وأحزان القرية كما هي). **** يبدأ الجزء الثاني علي لسان د. يونس الأستاذ الجامعي الممرور لاعتقال زملائه. استخدم المبدع الكثيرمن الأسماء الحقيقية، فيتذكرد. يونس رفيقه (محمود أمين العالم) ثم ينضم إلي جلسته د. شلبي المفصول من الجامعة. والواقعة كما ذكرها المبدع حقيقية ، إذْ في يوم 23/9/54أصدر الضباط قرارًا بفصل44أستاذًا جامعيا لميولهم الليبرالية كان من بينهم عبدالعظيم أنيس، عبدالمنعم الشرقاوي، لويس عوض وفوزي منصورإلخ. في هذا اللقاء يسأل د. شلبي صديقه عن أخبار د. أوديت وهكذا يلتحم الجزء الثاني بالجزء الأول. كان بين السيد أحمد باشا وعبدالناصرمعرفة أقرب إلي الصداقة. بعد يوليو بدأ الحذرمن جانب الباشا (فهاهي شوكة عبدالناصرقويت. ولم تعد في البلد سوي المؤسسة العسكرية. طرْدْ الملك جملة اعترضية. أما سنة 53 فقد تم تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة ديكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور) ويتحوّل الحذرإلي نوع من التوجس فقال (ماىُدهشني عدم اعتقال ابنتي بعد القبض علي رفاقها الماركسيين. هل صداقتي لسليمان حافظ وزير الداخلية وفرتْ لها الحماية؟ أم هي معرفتي بعبدالناصرالتي منعتْ عنها البلاء؟) وسيتطورالحذر والتوجس إلي فاجعة بعد اغتيال ابنته إذْ صدمتها سيارة جيش بطريقة متعمدة، فقال الأب (شممتُ في الأمر رائحة التدبير. هذه جريمة وخيوطها الرئيسية ليست بعيدة عن عبدالناصر. لايقوي أحد في البلد علي مس ابنتي بسوء دون إذن منه. وهم يعرفون تردده علي قصري) ترتب علي إصابة أوديت نزف في الدماغ فقال أحد الأطباء (منذ حركة الجيش والبلد كلها دماغها ينزف) توجُسْ الباشا لم يكن خيالا، فعندما زاره عبدالناصرفي قصره سنة53 اعتقد عم محمد الطباخ أنه محمد نجيب فرحب به (سيادة اللواء محمد نجيب) فرماه عبدالناصربنظرة نارية وقال (والله لوناداني أحد في الطريق بمحمد نجيب ربما قتلته) هنا أبدع الروائي مشهدًا جمع فيه بين سيكولوجية عبدالناصروالموقف من محمد نجيب الذي سيتم التخلص منه. في هذا الجزء صورة درامية لوقائع الصراع علي السلطة بين الضباط وصل لدرجة فصل واعتقال كثيرين بل وتعذيب بعضهم تعذيبًا وحشيا كما حدث مع المقدم حسني الدمنهوري وآخرين وهي وقائع اعترف بها كثيرون مثل أ. أحمد حمروش وأ. طارق البشري وآخرين. مزج المبدع هذه الوقائع بحياة شخصيات الرواية فحقق إنجازًا مهمًا في تاريخ الرواية المصرية والعالمية. ولأنّ المبدع مزج الواقعي بالروائي ، لذا جاءتْ شخصية عبدالناصر في الرواية مطابقة لشخصيته الحقيقية من خلال تصرفاته وأقواله مثل قوله (جيشي هو برلماني) وأنه استخدم المحيطين به للقيام (بالمهام القذرة) وكان يعادي الوفديين والشيوعيين ويرسم الخطط للتخلص منهم. وعندما خاطب عبدالناصرشعبنا قائلا(علمتكم العزة. علمتكم الكرامة) فإنّ أصحاب العقول الحرة شعروا بالإهانة، لذلك انطلقت الهتافات المعادية لحكومة العسكر. وقال د. يونس إنّ عبدالناصر(يري أنّ المثقفين الليبراليين هم أكبرمعضلة). شمل الجزء الثاني التطورالدرامي لزهيه حيث أخذتها أوديت للعمل كخادمة في قصرأبيها. تعلق الباشا بابنها الرضيع ثم بأمه التي أصبحتْ المشرفة الحقيقية علي كل شئون القصر. وقبل وفاة أوديت أوصتْ والدها بأنْ تمنح ثروتها لزهية وابنها. ونفذ الأب وصية ابنته. **** تدورأحداث الجزء الثالث في سويسرا. كرامة تزوج الأميرة جويدان وصارمستشارالسفارة المصرية. ذهب إلي مطار جنيف ليستقبل السيد أحمد باشا وزوجته. كرامة في الجزء الثاني استجاب لأوامرأحد ضباط عبدالناصرالذي استكتبه بلاغًا ضد أوديت ووالدها. في المطاركرامة يتذكر زهيه مندهشًا (عاملة الترحيلة تضع الفراء علي جسدها وتتحدث إلي مضيفة سويسرية وتُفتح لها قاعة كبارالزوار) زهيه الفلاحة الفقيرة أصبحتْ زهية هانم زوجة السيد أحمد باشا الذي شجّعها علي التعليم واتقنتْ عدة لغات وتعلمت أصول الغناء الأوبرالي. تذكركرامة قول السفيرأنّ محمد نجيب ابن زهيه من رجل آخرفقال لنفسه (أنا هذا الآخر) وتظل هذه الجملة ملازمة له ، فيقتله التردد بين الاعتراف بابنه أوالتضحية باستقراره العائلي والوظيفي ، بينما الباشا الذي تولي تربية محمد نجيب منذ أنْ كان رضيعًا حتي صارشابًا ، تعمّد أنْ تكون زيارته لجينيف من أجل (لم شمل الأسرة) وأنْ يتعرف الابن علي أبيه. هذا الموقف الإنساني من الباشا يتسق مع موقفه الفكري، فرغم أنه ليس شيوعيا فقد احترم آراء وكفاح ابنته الشيوعية. لذلك كان الهدف الثاني من زيارته لجنيف لقاء عباس الذي صارممثلا لمصرفي منظمة العمل الدولية، وتسليمه مذكرات ابنته التي دوّنتْ فيها رأيها عن الحركة الشيوعية بكل ايجابياتها وسلبياتها لنشرها. هذا الباشا الليبرالي لايعرف الأحادية الفكرية، لذا يأخذ عباس للجلوس علي المقهي الذي كان (لينين) يجلس عليه أثناء إقامته في جينيف. ويعشق الفن التشكيلي فيشتري لوحة الفنان ديلفو. وعندما تأمل عباس اللوحة قال إنّ المرأة فيها تُشبه ستهم ابنة عمي. وأنّ زهيه تحب أعمال هذا الفنان البلجيكي. وكما بدأ الجزء الأول بأحوال الفلاحين في عزبة عويس قبل يوليو 1952 انتهي الجزء الأخير بأنّ أحوالهم بعد30سنة عادتْ كما كانتْ ، إذْ في عهد السادات الذي عينه عبدالناصرنائبًا له وبالتالي كان هوالمرشح لرئاسة الدولة، أقام (الاقطاعيون) دعاوي قضائية لاسترداد أراضيهم. وبعد موت اللواء عويس أقامتْ أسرته دعوي وصدرالحكم لصالحها. أراد السيد أحمد باشا شراءالقصر ليهديه إلي وزارة التعليم ليستمر كمعهد فني لتخريج الطلبة الزراعيين. وكان هذا هوالهدف الثالث من زيارته لجينيف، ولكن الأميرة جويدان رفضتْ البيع. وحصل عمها علي موافقات السلطات الإدارية لتحويل العزبة بأكملها إلي مشروع استثماري عقاري. وعندما علم الفلاحون بذلك تذكروا أنّ اللواء عويس كان يستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، فشعروا بالحسرة وترحموا علي اللواء عويس وأيامه. وإذا كان البعض أثارفي عام 2009موضوع بيع الغاز لإسرائيل ، فإنّ المبدع في الجزء الثالث المنشورفي يناير1995 جعل كرامة يتذكرأنه أجري اتصالات مع الإسرائيليين (لعقد صفقات بيع البترول بواسطة شركة وهمية مصرية في جينيف من خلف رؤسائي بتعليمات من الرئيس السادات) فقال الباشا الليبرالي (كم من المنتصرين في حلبة التاريخ، كانتْ المشانق أحق بهم من أقواس النصر) وعن جماليات اللغة فإنّ الزمن في الصفحة الأولي من الجزء الأخير(صفارشمس العصاري المزيف الفالصو) وفي ص 8 يربطه بأحلام الفلاحين الذين كفروا بالزراعة واهتموا بتجارة العملة والسفر إلي السعودية، ولكنها (أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري). وجميل عطية لديه ولع بالموروث الشعبي مثل قول المصريين أنّ (يوم الجمعة فيه ساعة نحس) و(إذا كان صباعك عسكري اقطعه) وقبل تغلغل الأصولية الدينية كان المصريون علي وعي بخطورة توظيف الدين لأغراض السياسة أو لتحقيق مصالح شخصية، لذا عندما دافع الشيخ لهيطة في خطبة الجمعة عن اللواء عويس وأمرالفلاحين بإطاعة أولي الأمر والدعاء لهم، قال الفلاحون عنه (هذا الملعون لايعبد الله لكنه يعبد الباشا) كما أنّ هؤلاء الفلاحين يطبّقون قانون النسبية رغم أميتهم، وبالتالي مزجوا مفهومهم عن (الحرام) بالشفقة، فنجد أنّ زهيه عندما حملتْ دون زواج، قالتْ للست نفوسه أنْ تسترها، فضربتْ الأخيرة صدرها وقالت (ياحبة عيني.. بيتك) وبعد طغيان اللغة الدينية في السبعينات، فإنّ ابنة عباس المناضل الشيوعي، تنضم إلي الجماعات الإسلامية التي تُكفرالحاكم والمحكومين وتُشارك في عمليات اغتيال الأبرياء. وجميل عطية لديه شجاعة استخدام الكلمات المصرية التي يأنف كثيرون من استخدامها مثل (خرجتْ الكلمة من الفم مدغمسه) ومن السياق نفهم أنّ المقصود بكلمة (مدغمسه) أنها خرجتْ مضغمة غيرمفهومة. وكلمة (غتاته) المقصود بها الشخص ثقيل الدم. و(نن العين) إذْ هي في اللغة العربية (بؤبؤالعين) وتعبير أنّ الوعاء امتلأ (لتمة عينه) فكلمة (تمة) نحت مصري لكلمة (تمام) العربية. ويستخدم تعبير(دحلبته لمعرفة سره) بمعني استدرجته العربية. وتعبير(فركة كعب) كناية عن المشوار قصيرالمسافة. ووصَفَ شقاء الفلاحين بتعبير(طافحين الكوته) أي الشقاء الفادح في العربية. وتعبير(الدنيا قلابه) أي الغادرة بالعربي. وتعبيرأنّ فلانًا (وقع في الخيه) أي وقع في شرك أو خطأ فظيع. ويستخدم أداة الاستفهام المصرية (ليه) كبديل عن العربية (لماذا) وهكذا. المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم له أكثر من مجموعة قصصية وأكثرمن رواية ، وكل رواياته زاخرة بالشخصيات الحية والأحداث الدرامية، ناهيك عن الثلاثية التي هي معزوفة تاريخية بلغة فن الرواية. ورغم ذلك تتجاهله الثقافة السائدة ، فلم تُفكر أية جهة في ترشيحه لجائزة من جوائز الدولة. وتجاهل كتاب السيناريو والمخرجون إبداعه. فهل الجماليات الفنية والعمق الفكري ، والتوثيق الأمين المحايد ، أحد أسباب العزوف عن هذا الانتاج الأدبي البديع ؟
بقلم : طلعت رضوان