عرض مشاركة واحدة
قديم 05-27-2012, 04:03 PM
المشاركة 705
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
صورةمصر في السرد الروائي المعاصر-دراسة في نماذج مختارة -د محمد عبد الحليمغنيم

\6- السائرون نياما ( عزة ) بدأ سعد مكاوي (1985-1916) نشر رواية السائرون نياما فييناير 1963 في جريدة الجمهورية لسان حال الثورة في ذلك الوقت ، في عز المجدالاشتراكي بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية وكتاب الميثاق ، ثم ظهرت الرواية فيكتاب لأول مرة في مايو عام 1965 والعجيب ألا يتعرض أحد للرواية بالنقد أو المدح أوالذم كما هو الحال عندما يظهر عمل جديد ,ويبدو أن الكاتب أصيب بإحباط شديد من جراءذلك , فلم يعد إلي كتابة الرواية إلا بعد ما يقرب من خمسة عشر عاما , إذ بدأ نشررواية تاريخية أيضا بعنوان الكرباج في الأهرام عام 1979 , ثم ظهرت في كتاب عن دارشهدي عام 1984 , ثم رواية \" لا تسقني وحدي\" وهي تعتمد علي التاريخ أيضا , لكنالروايتين لم تكونا في مستوي رواية السائرون نياما . ظهرت بعد السائرون نياماروايات تاريخية أخري للغيطاني ونجيب محفوظ ومجيد طوبيا وفتحي إمبابي وغيرهم وكلهاروايات متميزة إلا أنه تبقي رواية السائرون نياما علامة بارزة في تاريخ الروايةالمصرية عامة وتاريخ إبداع سعد مكاوي خاصة , وقد بدأ التنبه إلى أهمية الرواية فيالسنوات الأخيرة فأعيد طبعها عدة مرات ، كان آخرها العام الماضي عن المجلس الأعلىللثقافة . وقد حدد لنا الكاتب الفترة التاريخية التي اعتمد عليها في بناء روايتهفكتب في صدر الرواية يقول : \"الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لاتكاد تتجاوز ثلاثين سنة (1468 – 1499) من عصر سلطنة المماليك التي حكمت تاريخ مصروالشرق 267 سنة \"(44) ويبرز السؤال : لماذا التاريخ المملوكي بالذات ؟ ولماذاالاعتماد على الفترات المضطربة منه ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ذي الشقين أشيرفقط إلى عبارة \"جون بويون\" المشهورة ؛ إذ تمثل وحدها نصف الإجابة ، يقول \" الشعوب السعيدة لا تاريخ لها\"(45) ، رجع سعد مكاوي إلى التاريخ المملوكي– حيثالقهر والظلم والاستبداد الواقع على الشعب من جانب الحكام ومن ثم أعوانهم ، وحيثالانفصال الحاد بين السلطان والرعية فالحكام أجانب لا يتكلمون لغة الشعب فلم \"يتعلموا قط اللغة العربية واستمروا طبقة متميزة تماماً عن السكان المحليين \"(46) . ومفروضون عليهم ، لم يأتوا باختيارهم ولعل الرجوع إلى المصادر التاريخية وبالذاتالتي تناولت هذه الفترة يغنينا عن عرض مساوئ الحكم المملوكي ، والمعاناة والظلموالقهر الذي تكبده الشعب المصري تحت ظلال هذا الحكم ونعود إلى السؤال الذي طرحناهمرة أخرى بشكل أساسي لنجد ذلك التشابه بين الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداثالرواية وبين الواقع المعيشي الذي يكتب فيه الكاتب روايته . إن الرسالة واضحة في \"السائرون نياما\" فهذا الشعب السائر كالنائم محكوم بالقهر والظلم والاستبداد منقبل سلطة العسكر المستبدة ولذلك لابد من مقاومة هذا الظلم والقهر ولابد أيضا من خلعهذه السلطة المستبدة التي لا تمت للشعب بصلة ، فهي في حكم الأجنبي الذي لا يتحدثلغة الشعب صاحب الأرض والتاريخ ، إن مثل هذه الرسالة الجادة لا يمكن أن تقال بشكلمباشر ، من هنا كان اللجوء إلى التاريخ والرمز ، ومع ذلك فُهمت الرسالة جيدا ،ومنهنا يمكن تفسير التعتيم الذي ران على الرواية ، فكاد يدفعها إلى قاع الظلمات . والواقع أن قيمة رواية \" السائرون نياما \" لا تنبع من رسالتها المشار إليها فحسب، ولكن قيمتها الحقيقية في إحكام بنائها السردي وتشكيلها الجمالي ، فقد حشد المؤلففي هذه الرواية جُل طاقته الفنية لتخرج لنا رواية كاملة الأوصاف على حد قول أستاذناالمرحوم على الراعي اعتمد الكاتب في بناء الرواية على ما يسمى بالبناء المتوازي ،وهو نمط من البناء ، تقسم أحداث الرواية على عدة محاور ، تتوازى في زمن وقوعها ،ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً ، ولكل محور شخصياته الخاصة بها ، تنمووتتطور إلى أن تلتقي في خاتمة الرواية ، و ربما تظل معلقة دون لقاء ، وهذا البناءبالإضافة إلى إسقاط فترة طويلة من الأحداث على المستوى التاريخي ( يسقط سعد مكاويتسعا وعشرين عاما من الأحداث التاريخية الحقيقة للفترة التي حددها في صدر الرواية ) مكنا الكاتب من إحكام بناء الرواية مما ساعد بالضرورة على توصيل رؤية الكاتب . ففيالرواية تتوازى الأحداث في ثلاثة محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية الرئيسي : المحور الأول يرتبط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعةوخارجها . والمحور الثاني يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابقالمرتبط مكانيا بالقاهرة فقط ، وبخاصة القلعة ، في أنة يجمع بين مكانيين متباعدينهما : القاهرة وميت جهينة ، بمعنى آخر المدينة و القرية ، مما يشي بدلالة وحدةالشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور ، يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخرى من الصعيدبجوار أهل \"ميت جهينة\" والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة .أما المحور الثالث فيرتبطبشخصية \"حمزة\" الكبير وابنه\"إدريس\" وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقةالبرجوازية ( أعوان السلطة ) بكل قيمها ومثلها الاجتماعية والمادية , فى مواجهةالشعب في القرية .
ويتجلى تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذييمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث ، ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور علىحدة ، لتكون بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها ، إذا تتصارع شخصيات كل محور معبعضها البعض ، كما سنرى من خلال الأحداث . يقسم \"سعد مكاوي\" روايته إلى ثلاثةأجزاء ، ويعطى لكل جزء اسما خاصا به هي على الترتيب :( الطاووس – الطاعون – الطاحون ) ,\" وهى معادلة منطقيةجداً فإذا انتشر الظلم و السلب والنهب ، وتمتعت فئة صغيرةوعاشت متخمة برفاهيتها فهي كا (الطاووس) . وإذا استشرى الفقر وعم وعاشت فيهالغالبية العظمى البائسة وتلظت على نيرانه فهي كا (الطاعون) ، وحتى إذا استمرت هذهالأوضاع لمدة ثلاثين عاما ، فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال ، وحين يفيض الكيلبالمطحونين ينطلقوا من (الطاحون) إلى الثورة\" (47) . ويتشكل البناء في الرواية منخلال صراع المحور الثاني الذي يمثله الشعب مع محوري الرواية الآخرين اللذين يمثلانالسلطة وأعوانها، وذلك على مستويين , المستوى الأول : السلطان / الرعية ، والمستوىالثاني : الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة (العمال في القاهرة والفلاحين في ميتجهيئة) وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة . وبذلك يتشعب الصراع ويحتدممما يثرى العمل درامياً ، ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة ، زاخرةبالقيم الإنسانية والروحية . إن هذه الأحداث في مجملها تفرز لنا شخصيات تتجلى فيهسمات الشخصية المصرية في تعاونها وتآلفها ورفضها للظلم وحرصها على كرامتها وعلىأرضها وشرفها ، إنها في الأخير تصهر الشعب في بوتقة واحدة ، ليندفع في ثورة عاتيةضد الملتزم في ميت جهينة الذي يرمز إلى السلطة الحاكمة ، فيفتحون صوامع الغلالويستولون عليها : ـ فتحناها فتحناها !… ـ صوامعنا ! … ـ كله من فضلة خيركم ! ... ـإرادة الله فيكم ! ... ـ أبشر يا ساكن الجميزة ! ... (48) . وإذا كانت هذه الأحداثأبرزت الشخصية المصرية وحسم الصراع فيها للشعب على السلطة والطبقة المعاونة لهاالممثلة في آل حمزة ، فإن سعد مكاوي أقام ما يمكن تسميته بناء رمزيا متوازيا ونابعافي ذات الوقت من هذا البناء الظاهر القائم على الصراع المباشر بين الشعب والسلطة ،وهذا البناء الرمزي يتمثل في شخصية عزة أخت خالد التي اختطفها المماليك وهي عاريةمن حمام النساء . لقد كان خطف عزة الشرارة التي أشعلت الصراع الكامن بين الشعبوالسلطة في القاهرة . لقد وسع المؤلف من دلالة الشخصية لتأخذ بعدا رمزيا واسعا إذتصير عزة معادلة لمصر كلها من شمالها إلى جنوبها ، وثمة إشارات عديدة داخل النصتؤكد ذلك ، وقد جاءت أول إشارة على لسان الشيخة زليخة ذات البصر والبصيرة : ـلنعترف في هذا النهار الأسود أن عزة ضاعت ! حاول أيوب مرة أخرى أن يلطف من مرارةالحقيقة : ـ لله عاقبة الأمور ، فلا تقل هذا الكلام يا ولدي فتناول خالد بين يديهمقرعة المجذوبة : ـ وهل عندي كلام غير هذا أقوله ؟ .. ومع ذلك فإني لا يهمني الآنأن تكون عزة حية أو ميتة .. لا يهمني ألا أراها بعد اليوم أو أن يعيدها إلى أحدخرقة مهلهلة .. عزة انتهت ولن أقول بعد اليوم إنه لابد لي من عزة .. اليوم لابد ليمن شيء واحد هو الانتقام أليس هذا هو الحق يا شيختنا ؟ قبلت زليخة رأسه وهي تحنوعليه بصوتها الرقيق الطيب : ـ أينما تولى وجهك فثم وجه عزة ، يداها في البحر المالحوقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة \" (49) . الرمز واضح هنا يداهافرعي النيل دمياط ورشيد وقدماها امتداد النيل من الجنوب إلى الشمال ، إنها مصر كلها، من الجنوب إلى الشمال ، إنها رؤية الشيخة زليخة ذات البصيرة الحادة ، وقد آمنخالد بهذه الرؤية ، ولذلك ينضم فيما بعد إلى أهل ميت جهينة من الفلاحين للثورة علىآل حمزة ، وذلك لأن جزءا من عزة بالقطع موجود في ميت جهينة . وهكذا تتحول عزة إلىذكرى مؤلمة وفي ذات الوقت دافعة الثوار للانتقام وخاصة خالد أخي عزة ، فنراه في ميتجهينة بعد اختطاف عزة شاردا بين رفيقيه بجوار حائط الطاحون : \"وقال عيسى للفتىالمهموم وهو يخطف العود اليابس من يده : ـ صل على كامل النور يا رجل شقت صدر خالدتنهيدة موجعة وهو ينظر في عيون رفيقيه : ـ عزة الآن في كل مكان ، يداها في البحرالمالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها ، هكذا قالت لي ستنا زليخة وهيتودعني وهكذا أرى الآن أختي الحبيبة عزة \"(50) وستكرر هذه العبارة على امتدادالرواية فتكون بمثابة التميمة في رقبة الثوار في ميت جهينة . وإذا كانت عزة خطفتوضاعت ، فإن شخصية \"فاطمة\" زوجة غالب في ميت جهينة تعد امتداد لشخصية عزة ولاأقول بديلا حيث يصل بها المؤلف إلى مستوى الرمز أيضا ، فهي بصورة أخرى مصر المغتصبةعلى المستويين الواقعي والرمزي ، لذلك ينظر إليها خالد وكأنه يرى عزة : \" وعلىالبعد كانت فاطمة تبدو لعين خالد جميلة وهانئة بحمى عريسها .. وعلى صورتها والنسيميعبث بطرحتها تخايلت له صورة عزة بكل شبابها اليانع عروساً وسعيدة بالحب … لكن لا ! عزة فى السماء وفى كل مكان ! نعم يا ست الشيخة نعم ! عزة يداها فى البحر المالحوقدماها فى أرض الصعيد وملئ البر أنفاسها الطاهرة \".(51) وفاطمة هذه فتاة ريفيةجميلة زوجة غالب يراقبها ويتحرش بها إدريس ابن الملتزم الكبير حمزة مما جعل زوجهاغالب ينبهها إلى ذلك : \"- يا بلهاء … الفراخ حجة حتى يكلمك ! ألم تفهمي ؟\"(52) وبالفعل يزول هذا البله، خاصة بعد أن ينالها إدريس رغم أنها تكون المرة الأولىوالأخيرة ،ويكون ثمرة هذا الاغتصاب الفتى \"محمد\" ابن غالب والمؤلف يجعل من هذاالاغتصاب سببا لقوة الشخصية لا لضعفها ، لأن فاطمة تظل بعد ذلك المرأة القوية لاينالها الخور والضعف ، وكأن الاغتصاب جاء بمثابة سلاح تقف به في وجه الملتزم ، وهوما استغله المؤلف ، إذ يقوم \"محمد\" ومعه \" نور\" ابنة محسنة التى كانت ثمرةاغتصاب حقيقي أيضا لمحسنة بقتل أبيهما إدريس في ختام الرواية فمن غرس هذه الأرضالمغتصبة تنبع الثورة ويتحقق الانتقام الذي حلم به خالد لأخته عزة / مصر . بقي أنأشير إلى أن سعد مكاوي استفاد من خبرته الكبيرة ومعايشته للريف المصري حيث قضى جزءامن حياته في قرية الدلاتون ليصور لنا بعمق المرأة المصرية الريفية والفلاح المصريعلى حقيقته ، لا أقول مثله في ذلك مثل عبد الرحمن الشرقاوي في الأرض ولكن لسابقكتابته عن الريف في مجموعاته القصصية القصيرة \"الماء العكر: وغيرها ، فهو فيالواقع من الرواد الذين كتبوا بعمق وصدق عن الريف وهذه الرواية التاريخية التي بينأيدينا تعد درة إنتاجه الأدبي