عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2010, 11:13 PM
المشاركة 2
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ورد في كتاب (الممتع في علم الشعر و عمله ) لعبدالكريم النهشلي القيرواني ما يلي :
كانَ أُسيد بن عنقاء الفزاري من أكبر أهل زمانه , و أشدهم عارضة و لساناً , فطال عمره و نكبه دهره , فخرج عشيةً يتبقلُ لأهله , فمرَّ به عُميلة الفزاري , فقال : يا عم , ما أصارك إلي ما أرى ؟
قال : بُخْل مِثلكَ بماله , و صَرْفُ وجهي عن مسألةِ النّاس .
فقال عميلة: و الله لئن بقيت إلي غدٍ لأُغيرنَ ما أرى من حالك .
فرجعَ ابن عنقاء إلي أهله. فأخبرهم بقوله , فقالت أمّه: أغرّكَ كلامُ غلام جُنْح ليل ! فكأنك ألقمت فاه الحجر .
فبات ابن عنقاء متململاً بين رجاءٍ و يأس. فلمّا كان السَّحر سمع رُغاء الإبل و ثُغاء الشاء و صهيل الخيل و لَجَب الأموال ! فقال : ما هذا ؟ قالوا: عُميلة ساق إليك ماله .
قال : فاستخرج عميلة ابن عنقاء و قسّم ماله شطرين فساهمه عليه ............
فقال ابن عنقاء:



1. رآني على ما بي عُميلة فاشتكى
إلي مالهِ حالي أسّر كما جَهرْ



2. دَعاني فآساني و لو ضنَّ لمْ ألُمْ
علىَ حينِ لا بَدْوٌ يُرجّى و لا حَضَرْ


3. فقلتُ لَهُ خَيْراً و أثنيتُ فِعلهُ
و أوفاك ما أبْليتَ من ذمَّ أو شَكَرْ


4.و لمَّا رأى المجْدَ اسْتُعيرت ثيابهُ
تردَّى رداءً سابغَ الذَّيلِ و اتَزرْ


5. غلامٌ رَمَاهُ الله بالحُسنِ مُقْبِلاً
له سيمياءٌ لاَ تُشَقُّ على البَصرْ


6.كأنَّ الثُّريا عُلِقتْ فوْقَ نَحْرِهِ
و في أنْفِهِ الشّعرى و في وجهه القمرْ


7. إذا أقبلتِ العوراءُ أغضى كأنَّه
ذليلٌ بِلاَ ذُلٍّ و لو شاء لانتَصر




و نقول:
العوراء: هي الكلمة النابية
السيمياء: العلامة

وقوله:
له سيمياء لا تشق على النظر

أي أن محاسنه لترتاح إليها عين الناظر
و لا تشق على عينه لخلوها من الشين.


و أوردها أصحاب المعاجم كما في لسان العرب بألفاظ سيما كقول الله تعالى (سيماهم في وجوهم)
و سيمياء كما جاء بها ابن عنقاء هنا ............. و سيمة .
و أقول من هذا قول الناس يمدحون الشخص بقولهم (فلانٌ عليه سيمة و قيمة) يقصدون عليه علامة العتق في النسب و نضارة النعيم و الله اعلم.

و قوله :
إذا أقبلت العوراء أغضى كأنه
ذليلٌ بلا ذل و لو شاء لانتصر


هذا فن بديع اسماه ابن حجة الحموي في خزانته:
(ذكر الإحتراس)

و عرفه بما يلي :
هو أن يأتي المتكلم بمعنىً يتوجه عليه فيه دخل فيفطنُ له فيأتي بما يخلصه من ذلك و مثاله في كتاب الله عز وجل : (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ) (القصص :32 ) فاحترس بقوله سبحانه و تعالى : من غير سوء , عن إمكان أن تدخل في البرص و البهق . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .


نقول أن الشاعر مدح ممدوحه بتجافيه عن الكلام القبيح
و عن سب من يسبه حتى ليحسب الجاهل بأنه ذليلٌ
ثم احترز الشاعر بقوله (بلا ذل) لدفع الشبهة و بيَّنَ خافي الخصال الكريمة بقوله(و لو شاء لانتصر)

أخيرا: للسيميائين العرب إدعاء نسب بهذه الكلمة (السيمياء) مبسوطة في أطروحاتهم.