الموضوع: تلاش
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2014, 02:56 PM
المشاركة 10
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذة سعاد الأمين

هذه أقصوصة ناجحة متينة ، لعل البناء ما جعلها تكون على هذا القدر الهائل من الإثارة والشد ، فنلاحظ أن حدث البداية ـ موقف الانطلاق ، هو نفسه حدث النهاية وضعية النهاية أو المخرج . فمطلع النص يتوافق مع نهايته توافقا كليا . من حيث المضمون رغم اختلاف طريقة تناول البداية والنهاية سرديا وتعبيريا ، و لو أن الكاتبة لعبت على الزمان لتفصل بين الحدثين و لتؤكد أن البطل نهارا كما ليلا يدور في نفس الحلقة المفرغة ، و هي البحث عن ذاته المفقودة ، وعن جوهر وجوده الذي أضاعه من خلال التقوقع والانغلاق ، النص من حيث المضمون يتناول الوحشة والوحدة ، فسلوكات البطل تبين أنه يبحث عن رفقة وعن مؤنس من خلاله يرى نفسه - الآخر والتعرف على الذات عند سارتر ـ و من خلاله أيضا يجد علة الاستمرارية .
لو أرادت الكاتبة سعاد الأمين أن تكتب قصة عادية لبدأت النص منطقيا من الفقرة الثانية لتوحد الخاتمة الفعلية ـ حدث البداية و النهاية ـ لكنها تريد موضعة حدث النهاية في المقدمة ثم تعود إليه من جديد في الخاتمة و هذا ما يعطي قيمة للحدث ، لأن البداية تعني الرفع من قيمة الشيء ـ la mise en valeur .

بدأت الكاتبة سعاد الأمين النص بمقطع وصفي ركزت فيه على المكان وتقديم شخصيتها الوحيدة في النص ، واستطاعت أن تجسد حالة البطل في المكان لتنقل لنا بشكل أدق و بتفصيل معاناة البطل ، حجرة فارغة معتمة لا تزورها الشمس ، خزانة متهالكة ، مرآة مشروخة ، و بطل يبكي بعد مشاهدة روحه المتشظية و يتساءل عن كل هذه الوجوه التي تمثله ، وهو لا شعوريا يتقزز من حالته المزاجية والعصبية التي لا تستقر على حال بل تعتريها فصول كثيرة في لحظة واحدة ، خزانة متهالكة ، وفراغ الغرفة دليل على لامبلاة البطل بالتجديد ، مرآة مشرخة دليل على عصبيته التي أدت به إلى كسرها ، لكونها تعطيه فكرة مغلوطة عن ذاته . والآن يرتعب منها لأنها تعطيه صورته الحقيقية .

انتقلت الأستاذة سعاد في الفقرة الثانية إلى الحوار سواء أكان حقيقيا أو مجرد هواجس وتساؤلات ، فاستثمرت الصدى للتعبير عن وجود الاستجابة ، في نفس الآن لم تكتف بحوار جاف بل قرنان بسرد مقتضب يبين تصرفات البطل و حالته ، وهذا بعد أن هيأت للفقرة بتقريب الزمن والحمولة الثقيلة لليل .

الملمح العام للنص يبين قدرة على التعبير بتركيز شديد و تكثيف عميق ، مما قوى من بلاغة النص رغم توظيفه للغة في المتناول وخالية من الصور الشعرية ، فالنص هنا لا يستنجد باللغة لتمنحه تأشيرة جمالية ، بل البناء و الصياغة و القدرة على استثمار الفكرة بإيجاز كان له الأثر العظيم في تقديم نص غني جدا .

نص يستحق النجوم الخمسة
تشكراتي