عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2993
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
06-26-2011, 02:12 AM
المشاركة 1
06-26-2011, 02:12 AM
المشاركة 1
افتراضي مع الذات ( بقلم - محمد فتحي المقداد)*

مع الذات
بقلم( محمد فتحي المقداد)*

سماكة الجدران ورطوبتها التي اكتنزت الظلمة الدامسة, والتي تقهر النظرات فتحدّ من الرؤية التي تنكسر إثر اصطدامها بالجدران, ورائحة العفونة المنبعثة إلى الباب العلوي وهو المنفذ الوحيد الذي يرتفع لأكثر من أربعين درجة, وهي ضعف سنوات السجن, الذي يقبع به وهو يحرك يديه للتأكد من وجودها خارج القيود والأصفاد ويتلمس أعضاء جسده, وبحمد يتيقّن أنه ما زال على قيد الحياة, التي استحالت إلى لا شيءٍ معدومة الفعل والفاعلية, منفعلة وهي تحاكي خيوط ضوء خفيف يتسرب إلى القبو من قارّةٍ أخرى, تشقّ عباب الظلام تكتب أنشودة الأمل من جديد و تجعله مشرقاً في تلك العيون التي بهرها ذلك السنا الخافت, وأيقن أن هناك على السطح ما زالت الشمس تشرق من جديد كلّ يوم, وأن القمر ما زال في السماء, وقد يرسل خيوط نوره الشاحب عندما يبدر في منتصف كل شهر هجري. يمدّ يديه بشكل مستقيم بحيث تتوازيان مع الكتف لإحساسه بالفراغ الهائل حين ساقه ظنّه إلى أنه ذرّة تائهة في درب التبّانة, ولكن جاءه الجواب بسرعة حين اصطدمت يداه بالجدارين المتقابلين, نزلت الطمأنينة على قلبه وخطا خطوة واحدة فقط حتى التصق جسده بالجدار بقوة, فتسللت إليه نبضات متوترة عبر الجدار وقد اقتبسها ذلك البناء الضخم المكتوّم فوق سطح الأرض في صحراء النّقَبْ (سجن عسقلان), سَرَتْ النبضات بطيئة جداً ببطء الزمن الذي عاني منه على مدى أكثر من عشرين عاماً, و هو الطالب الذي كان يدرس في الثانوية العامة, حين أمسكت به دورية من الجنود الصهاينة وهو يرمي الحجارة مع الصبية الذين معه على أطرف مدينة جنين, وسيق مع قطيع مثله وأصبح رقماً فقط, لا يعني شيئاً إلاّ أنه في سجلاتهم موجود كإرهابي يعمل على تقويض دولة إسرائيل, وعدوها اللدود الذي لم تشفع له طفولته, بل شارف الآن على أن نهاية العقد الرابع من العمر الذي لم يكن عُمُراً, كان حالماً وهو في المدرسة يرنو إلى المستقبل بأن يكون طبياً يداوي جراح الناس البسطاء في جنين ويحنو عليهم, الزنزانة المظلمة دفن فيها ودفنت أحلامه فيها فكانت كالقبر الأبدي ماتت أحلامه التي لم تجد طريقاً بعد الحكم الظالم الذي صدر بحقه مما يسمى القضاء الإسرائيلي بخمسة وعشرين عاماً, هنا انتبه فجأة على انقطاع لحظة الصمت الثقيل المُرين على المكان, بصوت صرير الباب العلوي الذي يحدث الضجة التي تختلط بأصوات الجنود بلغتهم العِبْرِيّة كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة لإدخال الطعام لسكان الزنازين, هنا استفاق وحاول أن يودع نفسه خُفيةً عن أعين الجنود, ويغطي عينيه بضع دقائق حتى يتمكن من أن يفتحهما و ذلك من توهج النور الذي دخل من الباب و مع تشغيل المصابيح الكهربائية التي لا تعمل إلا عندما يدخل أحد السجانين أو الحراس....
--------------------------- انتهى