عرض مشاركة واحدة
قديم 07-16-2011, 06:55 PM
المشاركة 3
نزار ب. الزين
عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب
  • غير موجود
افتراضي العجوز المتصابي
العجوز المتصابي


في عصر العولمة


مقامة*: نزار ب. الزين*


همست في أذن صديقي أبوسمير،بعد أن نفثت أحر زفير ....
قلت يا أخي أعترف لك أني عاشق، و كأنني غِرّ مراهق ، عيناها يا صديقي - آه من عينيها - تدوخان ، خداها بحمرة غامضة يتوهجان ، وشفتاها تعزفان على أوتار قلبي عندما تتحركان،وإذ أكون بقربها أنسى الزمان و أتوه في دهاليز المكان .
قال :- وأيم الله انك لمجنون ، أو عجوز خرف و مأفون ، من كان في عمرك انزوى في محرابه، و استغرق في صلواته ،في انتظار ساعته !
قلت : صحيح أنني مصدور و بتعدد العلل مقهور، و قد اشتعل رأسي شيبا و ملأت وجهي الغضون و البثور ؛ إلا أن قلبي لازال ذلك الخافق ، و كأنه لغرّ مراهق .!.
قال: بالله دعك من حديث الهزل و الخيال ، و انقلنا إلى الجد و حقيقة الأحوال .
قلت : إذاً حدثني عن رأيك بالعولمة فهي أحدوثة اليوم الشائعة!
و بعد طول تمحيص و تفكير أجابني صديقي أبو سمير :
قال:- هل تعلم يا أخي أن العولمة هي بنت عم الهيمنة ؟ و أنها ظاهرة إنسانية منذ البدايات البشرية ، فما امتداد الإمبراطوريات عبر البلاد ، الا من ضروب العولمة و أشكال من التسلط و السيطرة ، تسلط القوي على المقدرات و نهب الثروات و الخيرات ، و استعباد الناس و تسخير الأجناس . ما الفارق بين حمورابي و توت عنخ آمون ، أو بين الاسكندر المقدوني و نيرون ، أو خلفاء أمية و بني العباس و العثمانيون ، و ما الفرق بين هتلر و نابليون أو بين موسليني و أباطرة النيبون ؟ كلهم هدفوا إلى الهيمنة التي نسميها اليوم العولمة!
قلت لصديقي أبوسمير بعد روية و طول تفكير، ولكن الاستعمار غاب يا أخي في بطون التاريخ ، وعولمة اليوم تجارية و ثقافية ، فمن يمتلك زمام التقنية و جودة الإنتاج ، و فنون الدعاية و الرواج، فاز بالأسواق و انتشرت منتجاته عبرالآفاق .
قاطعني أبوسمير بشيء من المودة ، مشوبة ببعض حدة :
أنت يا صاحبي إما جاهل أو متجاهل ، فما الفارق بين البونابارتية و النازية و الفاشية وبين مناهج دول هذا العصر الإمبريالية ، إلا باختلاف الأسلوب و المناهج الإحتيالية ،فالمسلوب يبقى مسلوبا ، و المنهوب يظل منهوبا ، و خيرات الضعفاء يستمر بابتلاعها الأقوياء . لقد كانت العولمة تفرض بالحديد و النار وأساليب الحماية و الاستعمار، و اليوم تفرض عن طريق المنظمات الأممية و دوائرالاستخبار ،وعقول العلماء بمساعدة العملاء . لا حاجة اليوم لتجييش الجيوش من أجل تقويض العروش ، فشراء حفنة من الضباط تقلب اعتى بلاط ، وتحريك زمرة من المأجورين تذهب بمنجزات المخلصين .
لقد نطق صديقي بالحكمة وأفحمتني معلوماته الجمة،و لكنني عدت لواقع الحال ، فوجدت هناك بطشا لا زال ، و إحتلالا و قتلا و إغتيال ، و أن القوي لا زال لحق الضعيف أكّال .
و إذ تركته مودعا عدت إلى خيالي و إلى أحلام الليالي،أنسج من ظلام الليل جدائل شعرها و من خيوط البدر نور وجهها ،ولم تثنني آلام مفاصلي و قرقعةعظامي ، أو ارتفاع السكر في دمائي،عن تكوين صورتها في عمق خيالي ! حقا أنى لعاشق كأنني غرٌّ مراهق؛ ولكن لاحيلة لي فقلبي لازال بالحب خافق !
------------ ------------------------
*فن المقامة

المقامة جنس أدبي يعتمد عل ىالترصيع البياني وتسجيع نهايات العبارات و لذا اعتبر فنا ، و يمتاز بطرافة موضوعاته وميلها الى التهكم والتندر والفكاهة ؛ و أشهر من كتب في فن المقامة : بديع الزمان الهمزاني _ أحمد حسين الهمزاني 1007 ميلادية ) و( الحريري - محمد القاسم الحريري 1112 م.
------------------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com
------------------------------------