عرض مشاركة واحدة
قديم 05-13-2012, 03:36 PM
المشاركة 565
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
77- الاغتيال والغضب موفق خضرالعراق
البُنية السردية في الرواية السبعينية
وإشكالية توظيف الحوار الفني
أ.م.د باقر جواد الزجاجي
كلية الآداب / جامعة أهل البيت (ع)

ملخص :
يكتسب الحوار أهمية كبيرة في العمل الروائي عموما وذلك أن يمثل الملفوظ القصصي الذي تنطق به الشخصيات لتعبر عن نفسها ومستوى تكوينها ومجال فعلها الروائي عامة.
وقد دأب الكتاب السبعينيون على توظيف عنصر الحوار في أعمالهم الروائية من اجل غايات مختلفة كان من أبرزها التعبير عن الواقع النفسي والشعوري للشخصيات , والتعبير عن المستويات الفكرية بأسلوب تمثيلي بدلا من الاعتماد على السرد أو الوصف وحده .
وقد ابرزا لحوار وضوح الرأي للشخصية الروائية وتعبيره عن أحوال الشخصية المختلفة .
هذا ما حاول البحث الوصول إليه بمجموعة من المباحث التي اشتملت عليها .

المقدمة
ظل حوار ( الشخصية ) الإنسانية في الرواية الواقعية (الحديثة) يُشكل العنصر الأكثر فعاليّة وتأثيرًا في العناصر الأخرى ، ذلك أنَّ أهم ما يُميز تلك الشخصية درجة قربها أو صلتها بالقراء ، سواء أقام ذلك التقارب على الانحياز لها أم ازدرائها . (( فإذا ما كانت شخصيات مقنعة فسيكون أمام الرواية فرصة للنجاح ، وإلا فسيكون النسيان نصيبها)) (1) إذ على الكاتب أن لا يتحدث بلسانه الشخصي بل بلسان الشخصيات المختلفة التي نصادفها في القصة (2) .
ولا شك في أن هذه الصلة ليس لها أن تتحقق دون روابط فنية تجعل القارئ يتحسس بعمق ويقين طبيعة تكوينها ، فيستدل من خلالها على حقيقة البواعث النفسية والعقلية والشعورية التي تحكمت في تحديد مواقفها داخل الحدث ، وهذا الإحساس لا يتم من غير أن تسمعنا الشخصية صوتها الحقيقي إذا تحدثت معنا ، ومع غيرنا ، ومع نفسها . إنها (إنسان ) لا بد أن تتحدث (3) ، سواء كان حديثها ضمن البنية السردية للعمل الروائي ، إثرَ تعبيرها عن رؤيتها الذاتية من خلال المونولوج الداخلي وتيار الوعي الباطني ، أم منقولة من الخارج عبر الروائي الموضوعي (كلي العلم) ، أو كانت عبر إيحاءات رمزية ، أو حركات لا إرادية دالة .
من هنا كانت أهمية (الحوار) باعتباره عنصرًا له خطره في العمل الروائي ، إذ يستدل به على وعي الشخصية وتفردها ، ويُساهم في تطوير الأحداث ، فضلاً عن دوره في المساعدة على بعث الحرارة والحيوية في المواقف المتميزة التي تساعد على تشكيل البناء الفني للحدث منطقيًا ، بشكل يحقق معه تصورًا متكاملاً لظواهر الواقع ، تصورًا يعتمد على التنوع في الرؤية ، والشمول في آفاق التفكير .
ولعل كُتّاب الرواية الواقعية الحديثة في العراق لم يغفلوا أهمية هذا العنصر المهم في بناء رواياتهم ، بخاصة وأنهم اعتمدوا في رسم شخصياتهم مهمة التركيز على موقف الشخصية المتفرد ، فضلاً عن اشتراكها مع الشخصيات الإنسانية الأخرى في الرواية ، حيث تدور حولهم حوادث القصة ، ويمثلون مدار المعاني الإنسانية ومحور الأفكار والآراء ، عبر ما يجري من حوار .
وإذا كنا قد أسهبنا في الحديث عن خطورة الحوار وأثره في استقامة العمل الروائي ، باعتباره المؤشر الفني لرصانة تأسيساته واستقرار عناصره وتلاحمها . فان الاستدلال به عن وعي الشخصية ومدى قدرتها على اتخاذ الموقف المتفرد ، فضلاً عن إسهامه المباشر في تطوير المواقف والأحداث وشحنها بطاقات خلاقة وحيوية فاعلة ، تجعلها قادرة على تحقيق تصور دقيق ومتميز لظواهر الواقع وتناقضاته ، عبر رؤية شاملة وتفكير متعدد الآفاق .. هو ما يهمنا في هذا القسم من الأعمال الروائية السبعينية ، التي تناولت عوالم متعددة البيئات ومتنوعة القيم(4).
ذلك أن هذا التغاير الذي تجسد أصلاً في طبيعة رسم الشخصية ومستلزمات بنائها الفكري ، كان له تأثيره المباشر في مستوى وعيها العام وأسلوب لغتها ودلالاتها . ومرد ذلك يعود لسببين كما نعتقد :
الأول : إن عالم المدينة المتحرك ، الذي يتسم بالسرعة والصخب بحكم كثافة السكان قد خلق واقعًا معينًا له دوره الحاسم في هذا المجال ألا وهو تعدد الجنسيات والأصول ، واختلاف النشأة البيئية وما ينتج عن ذلك من تباين في آفاق التفكير وطبيعة الرؤية وتحديد السلوك (5) .
أما السبب الآخر – الأكثر تأثيرًا – (هو الطبيعة المختلفة للأعمال والمهن في المدينة وتباين متطلباتها وتنوع مردوداتها الاقتصادية على الفرد ، الذي يؤدي- بالتالي - إلى تحديد المنحى الثقافي للشخصية ، فضلاً عن تشكيل بعدها النفسي وانعكاس ذلك على طبيعة علاقاتها بالآخرين(6) .
هذا الاختلاف المتعدد حد التناقض في تحديد علاقات الإنسان بالإنسان من جهة ، والسلطة من جهة ثانية ، وبالحياة عامة من جهة أخرى ، والذي أدى إلى خلق الطبيعة المتميزة لإنسان المدينة الفائرة ولاسيما في الجانب النفسي .. إذ وجد نفسه مطالبًا – لكي يحقق الغاية التي يرجوها من وجوده الكوني – أن يواجه قوتين كبيرتين – عبر صراع دائب- الأولى تتمثل بالذات الطموح حد الخيال في علاقاته مع الآخرين ، والثانية خارجية تمثلت لديه بقوى التحدي لبعض فصائل المجتمع والدولة والطبيعة ، من خلال الحوار الدرامي المتوتر ، الذي تكشف كل جملة فيه عن مظهر جديد للشخصية وتخطو بالحدث الى الأمام(7) .
وهنا لا بدَّ من ظهور ثلاثة أنماط من السلوك لإنسان المدينة ، وجد فيها الروائي ضالته لتحديد هوية الشخصية داخل العمل الروائي ، حيث توزعت بين الشخصية السوية (الإيجابية )، التي أقترن فكرها بفعلها ، وأخرى أخفقت في إلباس الفكر رداء الفعل ، بينما أضاعت الثالثة روح الفكر في متاهات الفعل اللامسؤول...
وهذا ما حدا بالكتّاب –أحيانًا- إلى استبطان الذات واللجوء لاستخدام عنصر الحوار الداخلي (المونولوج) بغية التعبير عن الإحساس الداخلي للشخصية عبر رؤية ذاتية ، وخاصةً فيما يتعلق بالنمطين الأخيرين ، وهنا يُثار سؤال ! فهل يا ترى وفق روائيونا في تحقيق التوازن المطلوب بين فكر الشخصية وأحاسيسها ، وبين مواقفها المعبرة وسلوكها اليومي مع بقية الناس ، عبر الحوار بمختلف أنواعه ؟؟(*) هذا ما ستكشف عنه الشخصيات ذاتها. من خلال تحليلنا لأعمال العديد من كتاب الرواية في العراق – وهنا يجدر بنا القول بأنهم حرصوا-غاية الحرص – على إيلاء عنصر الحوار قدرًا كبيرًا من طاقتهم الذهنية وحسهم الفني . بخاصةً وأنهم اعتمدوا في بناء شخصياتهم على إبراز دور الفرد (الفاعل) ضمن إطار الجماعة لخلق الغد الأفضل معبرًا عن أشواق الإنسان في كل مكان ، رغم صور التعسف والعنت المتعددة . هادفين من وراء ذلك إلى خلق الإنسان العراقي الجديد ، الذي يطمح لتحقيق مصالحه الحيوية المشروعة بمنظار المستقبل ، ولا غرو فان هذا الهدف كانت له دالته الفنية في تحديد سمات الحوار وتنويع خصائصه الفنية سلبًا وإيجابًا ، سواء ما تعلق ذلك بطبيعة بنائه أم بتحديد وظائفه داخل العمل الروائي ، والتي أمكن إجمالها في خمسة (مباحث) ، هي :
1. التعبير عن الواقع النفسي والشعوري للشخصيات .
2. التعبير عن المستويات الفكرية بأسلوب تمثيلي ، بديل من السرد الوصفي .
3. تنوع موضوعات الحوار بتنوع الشخصيات وتعاظم حيرتها بين الواقع والطموح .
4. إبراز جوانب التفرد وسيادة الرأي الحر للشخصية .
5. واقعية اللغة ، وتعبيرها عن لسان الحال لا المقال .