الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-2019, 08:24 AM
المشاركة 2141
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: ( مليون رد ) ك ش ك و ل = م ن ا ب ر
(13)
وبعد فإنه لا يختلف اثنان في أن البارودي بما انتج من شعر رصين كان بداية عهد جديد للشعر حط عنه قيوده وأغلاله، وبعث فيه الحياة فجال في كل فن، واستبق إلى كل غاية، فلم يقصر دون اللحاق بالفحول السابقين، ولم يدركه ما أدرك شعراء زمانه من فتور القريحة وركود الذهن.

بل لا يختلف اثنان، في أنه أول شاعر أحس قيمة الشعر وقيمة النفس؛ فترفع بهما عن سفساف المطالب، وزري المقال وتغنى كما يتغنى صادح الأيك على سجيته: فبكى وابتهج واشتكى وافتخر وعاتب وحن إلى الديار، وصور الجمال ولم يمدح إلا عن يقين، أو لرد جميل سلفت أياديه عليه؛ فكان بهذا نسيج وحده في القرن التاسع عشر. وإن لم يطلب بشعره كل ما نريده من الشعر في وقتنا الحاضر، ويكفيه أنه رائد الركب إلى الغايات الكريمة، ولا نذكر هنا من شعره المثل أو المثالين؛ إلا لنعرض في هذا المقام لوناً جديداً من شعر جديد، لم يشنف الأذن في الكلمة شبهه، ولم يطرق القلب نظيره، والحق أن كل شعره فاتن خلاب، يحمل المتخير على الحيرة فيما يأخذ وما يدع

ومن الأمثلة التي تدل على تيقظه السياسي قوله يخاطب الخديو:

سن المشورة وهي أكرم خطة ... يجري عليها كل راع مرشد

فمن استعان بها تأيد ملكه ... ومن استهان بأمرها لم يرشد

أمران ما اجتمعا لقائد أمة ... إلا جنى بهما ثمار السؤدد

جمع يكون الأمر فيما بينهم ... شورى وجند للعدو بمرصد

فالسيف لا يمضي بدون روية ... والرأي لا يمضي بغير مهند

ومن قوله من قصيدة يتشوق إلى وطنه: هل من طبيب لداء الحب أوراقي ... يشفى غليلا أخا حزن وإبراق؟!

قد كان أبقى الهوى من مهجتي رمقا ... حتى جرى البين فاستولى على الباقي

حزن براني وأشواق رعت كبدي ... يا ويح نفسي من حزن وأشواق

أكلف النفس صبرا وهي جازعة ... والصبر في الحب أعيا كل مشتاق

لا في سر نديب لي خل ألوذ به ... ولا أنيس سوى همي وإطراقي

أبيت أرعى نجوم الليل مرتفقا ... في قنة عز مرقاها على الراقي

بهذا الروح القوي، والأسلوب الجزل الرصين، يمضي شاعر القرن التاسع عشر في قصائده؛ فلا تحس قلقاً ولا ترى ضعفاً، ومن الحديث المعاد أن نطيل في إطرائه والثناء على مكانته، ولكنا لا ننسى على أي حال أنه كان كثير التقليد لفحول النابغين. وآمل أن أوفق - أو يوفق غيري - إلى إيضاح التقليد والتجديد والتجديد في الشعر الحديث من لدن البارودي إلى وقتنا الحاضر، لندرك ما أصابه من القوة، وما بعد به عن الغاية المرجوة. والله وحده المسئول أن يأخذ بيد الشعر إلى أقوم طريق.

(واد مدني)

أحمد أبو بكر إبراهيم

المدرس الأول بحنتوب