عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2010, 09:04 PM
المشاركة 4
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي رد: رسالة الغفران & الكوميديا الالهية // مناظرة
فكرة الكوميديا الإلهية ليست جديدة ولا غريبة فى بابها و لا فريدة فى نوعها..... فلقد سبق دانتى إليها فى هذا المضمار شعراء و مفكّرون و رواة نقلوا عن التراث الإسلامى الذى غزا أوروبا منذ دخول العرب إلى الأندلس و كذلك تواجدهم فى حوض البحر المتوسّط نواحى كريت و مالطا و قبرص و الجنوب الإيطالى القاحل المتمثل فى باليرمو و كاليارى و صقليّة(و كان ذلك فى صورة قصص دينيّة و أساطير و رؤى - شعراً و نثراً-)

الإسلام كان له الفضل فى ظهور ما يمكن أن نسمّيه بــ"أدب العالم الآخر" أو أدب "مابعد الموت" أو أدب "الغيبيّات"..... وكان للإسلام الفضل فى إنتشار هذا النوع من الأدب خلال القرون الوسطى فى بلاد الغرب المادّية التى جُبِلّت بطبيعتها على الجفاء و القطيعة مع الروحانيّات و الإلتصاق بما هو مادّى و حسوس و يمكن معاينته و تحسسّه و تلمّسه و إدراكه بالحواس البشريّة الواعية ( ولهذا لم يكن غريباً ان يكون الشرق هو مهد الديانات بينما لم يكن الغرب كذلك فى أى وقت من أوقات التاريخ... و هو ما يفسّر أيضاً المسحات الوثنيّة التى طالت الديانة المسيحيّة - والتى غضّت الكنيسة الطرف عنها- حتى يمكن للمسيحيّة أن تنتشر و يتم التبشير بها فى مجتمعات بشريّة مادّية تفتقر إلى الروحانيّة و تصدّق ما هو مجسّد محسوس بينما تتشكّك فى كل ما هو وراء الإدراك - لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع أدعوكم لمطالعة موضوعى بعنوان "كيف ولماذا صنع العصر الأوروبى الوسيط الكاثوليكيّة" - )

أما لماذا لاقت كوميديا "دانتى" كل هذا الصيت الذائع - فى الغرب بالذات-, فإننى أرجع ذلك إلى عدّة عوامل :
= التراث الإسلامى الذى إستلهم "دانتى" الفكرة منه هو تراث غير مألوف و غير مطروق فى الغرب ممّا أكسب الكوميديا الإلهيّة نكهة مميّزة لم يتذوّق الغرب مثلها من قبل

= طريقة نظم "دانتى" التى ترتكز على قوّة البناء الأدبى و متانة الأسلوب و ترابط المعانى و الحساب الدقيق الذى إلتزمه فى قافية الثنائيّات و الثلاثيّات المتشابكة و التى تتطلّب عقلاً رياضيّاً متمكّناً و صبراً مضنياً و قريحة وقّادة و موادّاً معرفيّة غزيرة و إطلاعاً واسعاً ( و إن كانت كل هذه الصفات التى إكتسبها دانتى من مربّيه تزيد الدهشة من وضعه لذلك المربّى فى الجحيم فى كوميدياه)

= الرموز التى ملأ "دانتى" بها الكوميديا الإلهيّة أكسبتها إبهاماً و تعقيداً و غموضاً محبّباً لدى القرّاء ( و دفعت النقّاد إلى محاولة كشف أستار هذه الرموز و إستشفاف أسرارها فتضاربوا فى تفسيرها ممّا أضفى المزيد و المزيد من الغموض و الإبهام التى تستثير الفكر البشرى)

الحقيقة إن "دانتى" ألبس مدرسة الرموز الإغريقيّة و الرومانيّة فى هذه الكوميديا ثوباً قشيباً و صبغها بلون أدبى رقيق و رفيع و مبهم فى نفس الوقت فترك بذلك أكثر من معنى فى أذهان القرّاء

= دسّ "دانتى" فى صلب الكوميديا الإلهيّة مختلف العلوم و المعارف و المذاهب الفلسفيّة بطريقة مسلّية جعلت منها دائرة معارف مصغّرة


ومع كل ذلك..... فلم تسلم الكوميديا الإلهيّة من النقد اللاذع فى الغرب..... فقد قال عنها " فولتير" أنه لا يحتفظ بها فى مكتباتهم إلاّ المولعون بالتحف لا بالقراءة........ بينما قال عنها "فلوبين" أنه لا يريد ان يصفها بالمملّة و لكنه يقول أنها كُتِبَت لعصر معيّن لا لكل العصور

،،