عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2012, 11:33 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبتجربة الإستفتاء , وما تبعها ..
اتضح الأمر أن النية ليست خالصة كما كنا نتصور يوم مساندة الجيش للثورة , أن عملية الإنتقال الديمقراطى التى سيقودها المجلس العسكري ستكون من نوعية ديمقراطية صفوت الشريف , وإلا ما معنى الإصرار على إبقاء نسبة العمال والفلاحين والعمل بضراوة للتحالف مع التيارات المعادية لتيار شباب الثورة سواء من الإخوان والسلفيين أو حتى من فلول الوطنى وجماعة أبناء مبارك وجماعة ( آسفين يا ريس )
وهكذا انقلب مخطط المجلس العسكري من مجرد محاولة احتواء الثورة وأقطابها وإعلامها إلى استراتيجية المواجهة , واعتمادا ــ كما يتوهمون ـــ أن معهم الجانب الأكبر من الشعب الذى سينحاز إليهم لعدة أسباب وهى :
أولها : أنه ضمن ورقة السلفيين والإخوان المسلمين فى جيبه وبات هذا واضحا فى النفاق الغير مستغرب من الجهتين تجاه المجلس العسكري , واتضح هذا بشدة فى المواجهات التى قامت بين الثورة وبين المجلس وتخلى عنها الإخوان والسلفيين علانية , وبلغ تأييد السلفيين للمجلس العسكري أن بعضهم أفتى مشددا على أن من خرجوا يهتفون ضد المجلس العسكري معتدون يستحقون القتل وهم قتلى وليسوا شهداء !
ثانيها : اعتمد المجلس على فلول النظام التى كانت تناصر مبارك علانية وتعتذر له فضمها إلى صفوفه فى تصرف مثير للغرابة حيث أن المجلس العسكري من المفروض أنه نكّل بمبارك فكيف يسانده أبناء مبارك والباكين عليه , وتفسير هذا التصرف هو داء النفاق ـــ أعاذنا الله وإياكم ــ فأبناء مبارك بغريزة النفاق لا يمكنهم الحياة بغير هذا الأسلوب ,
كما جند المجلس العسكري التليفزيون المصري والجرائد القومية لتقوم معه بنفس الدور الذى لعبته مع مبارك نصا دون أدنى تغيير وأصبح جهاز الإعلام الرسمى مجندا للشئون المعنوية وتحت سيطرتها
ثالثها : مراهنته على الشعب المصري فى أنه لابد أن الناس قد ملت الحالة الثورية وتطمح إلى الإستقرار فلعب على هذا الوتر فى كافة بياناته كما أنه استغل المظاهرات التى قامت ضده ليلقي عليها شماعة فشله الذريع فى إدارة البلاد سواء من الناحية الأمنية أو الإقتصادية ..
رابعها : خرجت جبهة الرفض من المجلس العسكري للإعلام وبقيادة اللواء حسن الروينى قائد المنطقة المركزية لتصب كافة الإتهامات على الثوار وبالذات شباب 6 إبريل وحركة كفاية وكافة فصائل الثورة وردد عنها ما كانت تردده أجهزة إعلام مبارك تماما دون أدنى تغيير !

والواقع أن مراهنة المجلس على الأسباب السابقة فشلت جميعها معه ,
فلم ينفعه فلول النظام الذين صارت مظاهراتهم فى ميدان العباسية مثارا للتندر عند مقارنتها بمظاهرات ميدان التحرير الحاشدة والتى تميزت بالإصرار الذى يشي بأن من يقف خلفها أناس ذوو عقيدة مستعدون للموت فى سبيلها ودفعوا الثمن من أرواحهم ودمائهم فعليا ,
بينما متظاهرو العباسية لم يصب أحدهم حتى بزكام فى سبيل حبه للمجلس العسكري أو لمبارك ..
والإعلام المصري الذى راهن عليه المجلس تردى من هاوية إلى أخرى حتى أصبحت شاشات التليفزيون المصري لا يشاهدها تقريبا إلا أبناء مبارك مع أعضاء المجلس العسكري بالطبع ..
أما الإخوان فإن المواجهة بينهم وبين المجلس لا شك أنها قادمة فى الأيام الآتية فدرس وعبرة التاريخ تؤكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك ..

ومع المواجهات الدموية التى حدثت بين متظاهرى التحرير وبين المجلس العسكري وبسقوط أكثر من مائة شهيد وآلاف المصابين من جراء تلك المواجهات على مدار فترة عشرة أشهر من حكم المجلس العسكري نشأت حالة من الثأر المتبادل بين الجانبين واحتدم بينهما الصراع وأصبحت المظاهرات تغلى تحت الرماد كل يوم انتظارا للمواجهة الحاسمة ,
بالذات بعد الأحداث المؤسفة التى حدثت فى نوفمبر والتى أوضحت تماما أن هناك خطة منظمة اتبعها المجلس منذ شهر إبريل لإسقاط الثورة والثوار اعتمادا على السيناريو الأصعب وهو سيناريو رومانيا السابق الحديث عنه والذى حذر منه كبار المفكرين مثل علاء الأسوانى وتمثلت خطوات السيناريو فيما يلي :
أولا : الهجمة العنيفة بنفس نظام هجمات مبارك السابقة والتى ملخصها تخوين الحركات الثورية البارزة وتقديمها على أنها مدعومة بالخارج , وقد سبق لنا شرح مدى تهافت تلك الإتهامات , ونضيف إليها أسبابا أخرى خاصة بالمجلس العسكري نفسه عندما يكون مصدرا لتلك الاتهامات حيث أنه مصدر السلطة الفعلية فى البلاد وطالما ألقي هذه الإتهامات الخطيرة بالعمالة والتخوين فلماذا لم يتخذ إجراءات تقديمهم للمحاكمة ونعنى بالذات حركة 6 إبريل وحركة كفاية واللتان قامتا طوعا بالتقدم ببلاغات للنائب العام ضد اللواء حسن الروينى الذى صرح بهذه الإتهامات واتضح أنها مجرد كلام مرسل ولغو لا دليل عليه !
وكتب أحمد ماهر منسق حركة 6 إبريل مقالا متحديا للمجلس فى جريدة التحرير يطالبهم فيها بدليل أو حتى شبهة تثبت هذه الإتهامات .. فلم يتلق ردا وكذلك فعل الكاتب الكبير عبد الحليم قنديل أحد مؤسسي حركة كفاية واستمرت الحركات فى أداء مهامها السياسية وانتقاد سياسة المجلس العسكري دون أن تبدو لمحة واحدة من اتهامات المجلس على أرض الواقع تثبت كلام اللواء الروينى
وجاءت لجنة تقصي الحقائق التى شكلتها الحكومة لفحص ملفات المنظمات الممولة من الخارج لتزيد موقف المجلس العسكري حرجا عندما برأت حركتى إبريل وكفاية تماما من تهمة تلقي الأموال ..
هذا فضلا على تساؤل منطقي طرح نفسه مع إتهامات الروينى وهى كيف قبل المجلس أن يجتمع برموز حركة 6 إبريل لشهور طويلة ويستشيرها فى سياسة الدولة ويشيد بهم قبل تلك الإتهامات بأيام قليلة , وقد سبق أن التقي مندوبين عن الحركة ببعض قيادات المجلس العسكري قبل ثلاثة أيام من اتهامات الروينى ..
فهل كان المجلس يعلم ــ وهو يجتمع بهم ــ أنه يجتمع مع عملاء ؟!
وعندما جاء موسم انتخابات مجلس الشعب ترددت أنباء عن عرض بعض مقاعد مجلس الشعب من المعينين على رموز حركة 6 إبريل وهو ما ردت عليه الحركة بالرفض والإستهجان إذ كيف يتفق إتهام الحركة بالعمالة مع هذا العرض
وبعد تصريحات اللواء الروينى بيوم واحد اجتمع اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة ــ وفى مقر الجهاز بكوبري القبة ـــ بعدد من رموز 6 إبريل لمناقشة بعض الأوضاع بالبلاد فى إشارة لا تخطئها عين أن الجهاز الأمنى الأول فى مصر والمنوط به مكافحة التجسس والعمالة يجتمع علانية مع رموز الحركة التى اتهمها المجلس العسكري ويصفهم بالوطنية ويناقشهم فى أوضاع البلاد ويستمع لمطالبهم على نحو يجعلنا نتساءل حقيقة عن طبيعة العلاقة جهاز المخابرات العامة بعد الثورة بالمجلس العسكري .. إذ أن تلك الإشارة وتلك المقابلة فى ذلك التوقيت ليس لها مبرر إلا الرد على اتهامات الروينى وتبرئة حركة 6 إبريل بشكل عملى وملحوظ ..
هذا فضلا على التناقض الأكبر الذى وقع فيه المجلس العسكري عندما اعتبر مجرد تلقي المعونات لمنظمات المجتمع المدنى تهمة , فإنه غفل عن أن هذه التمويلات كانت ــ ولا زالت ــ تتم تحت رقابة الحكومة وموافقتها بل وسائر المنظمات ــ حتى الأجنبي منها ــ يعمل فى مقرات علنية بالقاهرة ويتقاضي من المعونة الأمريكية سنويا نصيبا معلومات وشرعيا تماما !
وبتفجير المجلس العسكري لهذه القضية فتح الباب عن آخره أمام ملفات كان المجلس نفسه آخر من يرغب فى فتحها ..
فإذا كانت التمويلات الخارجية تهمة وتدفعها الأنظمة الغربية لتنفيذ رغباتها فإن هذا أول ما ينطبق .. ينطبق على المجلس العسكري نفسه الذى يتقاضي سنويا معونة عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار من الولايات المتحدة , ومن المعلوم أن المعونات الخارجية الأمريكية ولأى دولة أخرى فى العالم لا يتم دفعها بلا مقابل بل حتما يتم دفعها لتقوم الأنظمة متلقية المعونة بردها على هيئة دعم السياسة الأمريكية للشرق الأوسط ..
فكيف أصبحت المعونات العسكرية عملا شرعيا معلنا بينما المعونات المدنية رجس من عمل الشيطان !
فالخاسر الأكبر من فتح ملف المعونات كان المجلس العسكري نفسه الذى لا يمكنه التخلى عن تلك المعونة الأمريكية المقيدة للسياسة الخارجية المصرية والتى تسببت فى عصر مبارك فى تحويل مصر إلى مجرد تابع فى المنطقة , وفى عصر الثورة الجديد ــ ووفقا لتصريحات العسكري ــ فإن الحكومة المصرية سترفض أى تدخل أمريكى فى السياسة المصرية وهو ما يناقض تماما قبول النظام المصري للمعونة حتى اليوم فإن أول دلائل الإستقلال هى الخلاص من ربقة الإستبعاد التى تمثلها تلك المعونة المذلة والتى يدور الجدل عنها وعن وقفها أو تخفيضها سنويا فى الكونجرس تحت تأثير اللوبي اليهودى ..
وهكذا خسر المجلس العسكري فرصة فصل الثورة عن الشعب وعن فصائل الثوار عن طريق تشويهها ..

ثانيا : بعد أن اكتشف المجلس العسكري أن الفصائل الشبابية للثورة لن تهمد حركتها عن متابعة سياسة المجلس فى إدارة البلاد ولن تكف إطلاقا عن سعيها لتطبيق كامل مطالب الثورة عبر التظاهر السلمى لجأ المجلس فى البداية إلى مقاومة التظاهرات بطريق غير مباشر عن طريق وصم الثوار والمتظاهرين بالإتهامات السياسية والأخلاقية فضلا على أسلوب جديد استخدمه المجلس فى شهر مارس عام 2011 ألا وهو محاولة كسر إرادة الثوار نفسيا وتخويفهم بطريق غير مباشر من بعض ممارسات الشرطة العسكرية وكانت أشهر الطرق هى فضيحة كشوف العذرية التى تم تطبيقها على فتيات المتظاهرين فى ميدان التحرير ,
وهى الفضيحة التى لم تأت بنتيجة فعلية وارتدت على المجلس العسكري نفسه سلبيا واضطر للاعتذار عنها وتحويل قضيتها للمحكمة العسكرية تحت ضغط الناشطات اللواتى تعرضن لتلك الكشوف فلم تنكسر إرادتهن أو على الأقل لم تنكسر الإرادة عندهن جميعا , وظهرت أحد الفتيات المحجبات اللواتى خضعن للكشف وهى سميرة ابراهيم ورفعت قضيتها أمام القضاء الإدارى لوقف تلك المهزلة ..
ثم استمرت الحرب عن طريق استغلال المجلس للإعلام الرسمى والإعلام المتواطئ معه فى تصوير فتيان وفتيات التحرير على أنهم مجموعة من الشواذ جنسيا والمنحرفات أخلاقيا , وهى اتهامات حتى لو صدقت مع بعض الشباب فهى لا تعنى وصم كامل المتظاهرين والمعتصمين بذلك , لا سيما وأن أبرز مميزات الميدان فى الثورة كان صلاة الجماعة من ميدان التحرير ..
وجاء الرد من الشباب كان قويا وواضحا ووقف الإعلام المستقل وقفة جادة أمام محاولات تشويه السمعة التى اتبعها المجلس ..
فلما فشلت تلك الأمور لجأ المجلس إلى الضرب فى سويداء القلب على طريقة نظام مبارك , ووقع الشهداء فى عدة مواقع وبأيدى الشرطة العسكرية والمدنية وبأوامر المجلس الذى حاول التنصل من الأمر بإدعاءات وجود طرف ثالث من البلطجية , ولكن الأمور كانت واضحة تماما للعيان عن طريق التأمل فى نوعية الشهداء من جهة وفى عدم سقوط ضحايا إلا من جانب المتظاهرين , وكان استشهاد طالب الطب علاء عبد الهادى والشيخ عماد عفت أمين الفتوى بالأزهر سببا فى انفجار الغضب من جديد على المجلس العسكري هذا فضلا على ما نجم من ممارسات الشرطة العسكرية تجاه جثث الشهداء والتنكيل بها والإعتداء البدنى على السيدات والفتيات وهى الصور التى طيرتها وكالات الأنباء للعالم واعترف بها المجلس العسكري واضطر إلى القول أنها أفعال فردية رهن التحقيق !
ولم تكن الإعتداءات الحاصلة اعتداءات فردية بل تمت كلها بأوامر وبشحن معنوى هائل للجنود والضباط ضد المتظاهرين اتضح من خلال قيام اللواء عبد المنعم كاطو مستشار الشئون المعنوية إلى التصريح فى الإعلام أن الضجة المثارة حول سقوط القتلى ليس لها ما يبررها وأن هؤلاء الشباب يستحقون الحرق فى أفران غاز هتلر !!
فإذا كانت هذه الكلمات صادرة عمن بيده أمر الشئون المعنوية فلنا أن نتخيل ونتفهم لماذا تعامل الجنود والضباط مع شباب المتظاهرين بهذه القسوة البالغة !!
إذ أنه من الطبيعى أنهم متشربون حتى أعناقهم بقناعات أمثال اللواء كاطو من أن هؤلاء الشباب هم من يعطل حركة الإنتاج وهم مجموعة من الخونة والشواذ يستحقون الحرق فكان من الطبيعى أن يتعامل الجندى مع المتظاهرين على هذا الأساس !
ورغم ذلك فشل المجلس العسكري أيضا وانقلب الغضب عليه مدمرا وعاتيا وظهر ذلك فى مظاهرات الميادين التى هزت أرجاء مصر فى ذكرى الثورة ورفضت الجماهير الخضوع أو الإحتفال بذكرى الثورة واعتبرتها غير مكتملة ..

ثالثا : كانت المحاولة الثالثة من المجلس هى محاولة إعلان الحرب على الفضائيات والجرائد المستقلة لا سيما قناة التحرير وجريدة التحرير وجريدة صوت الأمة وغيرهم من قنوات الإعلام الغير خاضع لرقابة المجلس العسكري وفشل فى ذلك أيضا ..
فقد حاول تطويع الإعلاميين الكبار أو تشويه صورتهم وتسميتهم بقنوات الفتنة وحاول أن يجد للإعلام الرسمى مكانا فى قلوب الناس فانقلب الناس أكثر وأكثر على القنوات الرسمية وأصبح من المألوف فى مظاهرات ماسبيرو أو يمر المتظاهرون حاملين نعوت وصفات الكذب وهى ملتصقة بالتليفزيون المصري الذى يغير جلده ويتلون تبعا لتنبيهات السلطة ..
ولجأ المجلس العسكري إلى نفس رجال النظام السابق من الصحفيين الرسميين أو شبه الرسميين أو هؤلاء الذين اعتادوا النفاق دون أن ينتبه إلى أن تلك النوعية من الإعلامية هى نوعية ساقطة الأهلية عند الجماهير وزادت الفجوة بين المجلس العسكري وبين الشعب رغم ما بذله هؤلاء الإعلاميون المضللون من محاولات الصب فى تشويه الثورة أو تصوير المتظاهرين على أنهم حفنة من المخربين ..
وفى إجراء متأخر للغاية أقال المشير طنطاوى اللواء اسماعيل عتمان مسئول الشئون المعنوية فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورفض التجديد له بعد سن التقاعد لأن الشئون المعنوية تحت قيادة عتمان فشلت فشلا ذريعا فى المعركة الإعلامية بين المجلس وقوى الثورة المختلفة ..

رابعا : لجأ المجلس أخيرا إلى القوى المؤيدة له وهى بقايا الفلول والتيارات الإسلامية المتمثلة فى الإخوان والسلفيين أصحاب الأغلبية فى البرلمان , وهى الطبقات التى لا تجتمع على وجهة نظر واحدة والصدام قادم دون شك كما قلنا من قبل لأن الإخوان وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما إما الإنحياز لوجهة نظر الثوار والشعب وإما الوقوف صفا مع المجلس العسكري لحين استلام السلطة استلاما مشوها يخضع لرقابة المجلس الأعلى ,
وهم الآن فى حالة مائعة هواهم مع مهادنة العسكري , وعقلهم على الشعب الرافض لأسلوب المهادنة وضعف اتخاذ القرار
ولا زالت الساحة الآن حافلة بالصراعات حيث أن شباب الإخوان وشباب السلفيين وحتى بعض أعضاء مجلس الشعب من المنتمين للتيارين لا يرون فى كثير من الأحيان أن المجلس العسكري جاد فى تخليه عن السلطة بشكل كامل أو كما أنهم يرفضون أوامر قياداتهم وتفريطهم فى حقوق الشهداء ولهذا فإن البرلمان اليوم فى وضع لا يحسد عليه حيث أن قيادة الإخوان من الصعب أن تسيطر عليه كما كانت تتوقع بالذات فى القضايا المعلقة التى لا يستطيعون التفريط فيها علنا أمام الشعب الذى منحهم الثقة ..
بالإضافة إلى تحول البرلمان تحت قيادتهم إلى مجرد مكلمة سياسية لم تنجز شيئا ولا يُتوقع أن تنجز قريبا ,

وهكذا ..
وكنتيجة طبيعية لعدم استيعاب المجلس العسكري طبيعة وأهداف الثورة وأهداف الشباب فى وجود دولة ديمقراطية حديثة تنعم بالحرية الحقيقية ويكون فيها كافة القوى تحت مظلة الشريعة والقانون , وظل على ظنه حتى اليوم أنه قام بواجبه تجاه الثورة التى حدد أهدافها هو من وجهة نظره ـــ من وجهة نظر المجلس ــ وهى إسقاط رءوس النظام دون العصف بالنظام الكامل وإقامة حياة سياسية جديدة ..
ولا تفسير لذلك إلا أن المجلس أراد طى الثورة وقصرها على ذلك الهدف والعبور بمصر إلى مجرد إصلاح لا نتائج ثورة , لأن المجلس من داخله غير مؤمن حتى اليوم أن الشعب يملك الحق فى الديمقراطية الكاملة , وحتى لو آمن بذلك فهو غير مستعد ــ على الأقل فى وجود الجيل الحالى من القيادات ــ أنه بوسعه المخاطرة بوضع نفسه والقوات المسلحة تحت مظلة حكم ديمقراطى ينزع عنهم غطاء النفوذ الهائل الذى تمتعت به القوات المسلحة طيلة ستين عاما فضلا على أنه ينزع الحجب عن أسرار يفترض أن تظل كذلك دائما ..
فشل المجلس فى طى صفحة الثورة ــ كما كان يتخيل ــ تحت جناحه , ولم يستوعب أيضا أن يقظة الشعب الحقيقية التى قامت فى 25 يناير 2011 كانت يقظة شعبية حقيقية فيها الشعب هو القائد الحقيقي وهى النموذج الثورى الكامل الذى كانت مصر حبلى به عام 1952 م وكانت الجماهير مؤهلة بالفعل للقيام به لولا أن أخذ الجيش زمام المبادرة إليه وانطلق فى انقلاب عسكري أخّر انتقال السلطة إلى الحياة الديمقراطية السليمة قرابة ستين عاما ..
فى حين أن المجلس العسكري كان يملك الفرصة الذهبية لدخول التاريخ لو أنه قاد المرحلة الإنتقالية بالفعل إلى مرحلة التحول الديمقراطى العميق ـــ لا الشكلى ـــ وكان الشعب بكل فصائله على استعداد كامل للعفو ما سلف ومنح أعضاء المجلس حصانة ضد المساءلة لو أنهم التزموا بتحقيق أهداف الثورة
لكن هذا لم يحدث ببساطة لأن المجلس لا يتصور أصلا نفسه فى موضع اتهام حتى يمكن أن يتصور نفسه فى موضع عفو .. وهو ما عبرت عنه بعض التصريحات العصبية لبعض أعضاء المجلس العسكري مثل الفريق سامى عنان الذى صرح إزاء انتشار الدعوات بمنح المجلس حصانة ضد المحاكمة لو سلم السلطة سريعا ..
قائلا : من يطالب بمحاكمتنا سنحاكمه نحن , ولا أحد يستطيع فرض إرادته على الجيش ![1]
كذلك اللواء اسماعيل عتمان صرح على التليفزيون المصري فى الذكرى الأولى للثورة أن طرح مسألة الحصانة ضد المحاكمة تبدو له إساءة أدب مع المجلس العسكري الذى حمى الثورة وأضاف نصا ..
( يعنى ايه عفو وحصانة كأن اعضاء المجلس عاملين عملة ) !
وهذه التصريحات مضافا إليها ما سبق تثبت أن المجلس العسكري كان يتعامل من البداية على أنه هو مصدر السلطات ومصدر الشرعية وأن المكانة المتميزة للقوات المسلحة حق مكتسب لا تتعدى عليه مطالبات الديمقراطية , وهذا الشعور وتلك الأساليب كانت المرجع الحقيقي الذى تسبب فى انقلاب المجلس العسكري على الثورة فور اكتشافه حقيقة مطالب الشعب !


الهوامش :
[1]ـ نقلت جريدة صوت الأمة هذه التصريحات فى مقال رئيس التحرير عبد الحليم قنديل فى ذكرى الثورة