عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
23

المشاهدات
8030
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
02-10-2012, 11:00 PM
المشاركة 1
02-10-2012, 11:00 PM
المشاركة 1
افتراضي المجلس العسكري وضياع فرصة دخول التاريخ
مصادر الثورة المضادة ( 3)
المصدر الثالث : المجلس العسكري وضياع فرصة دخول التاريخ


البروز فى مكانة معينة من التاريخ ..
لا شك أنه يحتاج الإخلاص المطلق حيث أن الأمر توفيق فى المبتدأ والمنتهى , وليس الأمر براعة أو إبداعا , وكثير ما تقصر البراعة والإبداع فى هذا الشأن
وكم من عقول فاقت الخيال فى إبداعها وأعمالها ومع ذلك لفظتها صفحات التاريخ وأدخلتها عبر البوابة الخلفية لأسباب تتخلص كلها فى غياب الإخلاص
والإخلاص هنا بمعنى العمل المُجد والحقيقي دون النظر إلى تحقيق مجد شخصي أو الحفاظ على مكتسبات شخصية , بل ودون النظر عمدا إلى مسألة البروز التاريخى ..
فالظهور التاريخى الإيجابي كالدنيا إذا نظرت إليه .. أهملك .. وإذا غفلت عنه أكرمك ..
أو مثل شكر الناس وتقديرهم ..
إن أنت عملت جهدك للحصول عليه فاتك .. وإن أخلصت فى عملك بغض النظر عن قول الناس انبهروا بك

والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى لحظة تاريخية فارقة تسلم السلطة فى مصر على غير إنتظار ..
وفى إطار ظرف استثنائي شديد الخصوصية نجح فى الإمتحان الأول له ببراعة يُحسد عليها حيث تمكن من مناصرة الثورة والإنحياز للشعب من يوم نزوله الأول لميادين مصر ..
وقد كان النجاح فى الامتحان الأول للقوات المسلحة تلقائيا ومعبرا بحق عن إحساس المسئولية الذى استشعره كل مصري فى ظروف الثورة الأولى , على نحو نحى جانبا كل شيئ إلا الإلتفات إلى مصلحة الوطن العليا , وكانت هذه المشاعر هى التى نجحت فى توحيد صفوف الشعب أولا على الثورة , ثم كانت سببا أيضا فى انحياز القوات المسلحة لشعبها ..
وهى لحظة شديدة الشبه بلحظة أكتوبر حيث حفلت بإنكار الذات على مستوى الشعب والجيش والقيادات ,
وجاء يوم 11 فبراير .. يوم التنحى المشهود وتسلم المجلس العسكري سلطة إدارة البلاد وحان وقت الإختبار الأشد صعوبة , ألا وهو إدارة المرحلة الإنتقالية إما إلى الجنة وإما إلى النار ..
ولم يكن هناك اختيارات متعددة فى الواقع أمام المجلس العسكري فالتاريخ لا يطرح أمامه للمستقبل إلا أمرين لا ثالث لهما ..
الأول : استمرار إخلاص النوايا وتسليم السلطة للشعب ومناصرة الثورة حتى الرمق الأخير كما فى تجربة سوار الذهب ..
الثانى : وهو السيناريو الأصعب وقيادة الثورة المضادة على نحو ما حدث فى رومانيا عام 98 أيام شاوسيسكو , حيث انحازت القوات المسلحة فى البداية لرغبة الشعب وأسقطت الدكتاتور ثم التفت على الثورة وحاربتها وناهضت الثوار وشككت فيهم واتهمتهم بالعمالة وأفسحت المجال للحزب السياسي الفاسد الذى ثار عليه الشعب ليعيد تشكيل نفسه فى ثمانية أحزاب أخرى ـــ وفقا لما يرويه د. علاء الأسوانى عن تلك الحادثة التاريخية ـــ
وكان هدف القوات المسلحة الرومانية إعادة نفس النظام القديم ولكن بوجه أقل فسادا وإن كان استمرار لنظام الدولة البوليسية ثم دعمت مرشحا للرياسة هو أبرز فلول النظام القديم حيث اختار الجيش الرومانى سيلسكو نائب شاوسيسكو القديم وانتخبته لقيادة البلاد رئيسا لمدة عشر سنوات ..
وكان أن ثار الشعب من جديد فى جولة أخرى من جولات الثورة وأسقطوا النظام نهائيا هذه المرة ..

فيا ترى أى سيناريو من الإثنين قد اختار المجلس العسكري فى مصر ؟!
فى الواقع الإجابة على هذا السؤال , وعلى قدر ما تبدو سهلة للكثيرين بإدانة المجلس العسكري مباشرة ــ ولهم كل الحق ــ إلا أن الإجابة الحقيقية ليست بهذه البساطة والخفة التى تبدو عليها اتهامات الثوار للمجلس العسكري بأنهم ومبارك عجينة ملتصقة ,
ولكى ندرك أى موقف اتخذه المجلس العسكري فينبغي أن نعلم أن موقف المجلس العسكري لم يكن واحدا يا سادة , ولم يستمر على نفس الوتيرة , لأنه ببساطة مر بتطورات مرحلية قادته من بداية مشرفة حقيقية , إلى الإنزلاق المباشر والتحالف مع فلول الثورة المضادة .. حتى وصل إلى المحطة الأخيرة فى 19 نوفمبر حيث أصبح قائدا للثورة المضادة وليس راعيا لها وحسب ..
كيف حدث هذا ؟ ومتى ؟! ولأى سبب ..
هذا ما يحتاج لمناقشة وتحليل معتمدا على الحقائق الموضوعية على الأحكام الإنفعالية ..
ليس لأمانة التاريخ وحسب بل للحفاظ على المستقبل أيضا ..

ففي البداية من يقول أن المجلس العسكري هم رجال مبارك وظلوا كذلك بعد الثورة أو أنهم يتآمرون لصالح مبارك , فهذا غير صحيح , هم تربوا فى نظام مبارك ( كنظام ) وأرادوه مستمرا على نفس الوتيرة ولم يكونوا مخلصين لدعوة الدولة الديمقراطية الكاملة للأسف وهى طموح الشعب , لكنهم أبدا لم يكونوا على الولاء لمبارك نفسه والدليل عدة ظواهر تحدثنا عنها تفصيلا قبل ذلك
وسبب عدم الولاء راجع لأن قيادة المجلس الأعلى فقدت ولاءها لمبارك منذ نحو اثنتي عشر عاما عندما بدأ طوفان التوريث وبدأت معه مجموعة جمال مبارك تتحكم فى البلد على نحو أغضب المؤسسة العسكرية بشدة ودفعت المشير طنطاوى إلى اتخاذ ردود أفعال حادة يرسل فيها الرسالة تلو الأخرى لمبارك لكى لا يستمر فى هذا السيناريو ..
ومنها موقف طنطاوى من قضايا الخصخصة وإنشائه مصنع أسمنت تابع للجيش بعد أن قامت الحكومة بخصخصة أسمنت أسيوط بأبخس الأثمان وأيضا زيادة نفوذ حبيب العادلى وزير الداخلية على نحو لم يرق للقيادات العسكرية التى ترى نفسها منبعا فعليا للسلطة فى البلاد .. بالإضافة إلى ضيق القوات المسلحة بمجموعة رجال الأعمال الفاسدين والخراب الذى أشعلوه بمصر .. حتى صار المجلس الأعلى على خصومة فعلية حقيقية مع تلك المجموعة ومع نظام جمال مبارك والقصر الرياسي كله ..
وهذا هو السبب الرئيسي الذى جعل مجموعة جمال مبارك تتخذ المشير طنطاوى هدفا رئيسيا لها قبل حتى عمر سليمان واللذان اعتبرهما جمال مبارك عقبة كئود فى طريق التوريث
ومواقف المجلس العسكري بقيادة طنطاوى ثابتة ضد مبارك وليس هى بالشيئ الكبير والكثير الذى يستدعى أن نشكك فيها طعنا فى المجلس ذاته , لأن ما عند المجلس من مثالب وخطايا تكفيه وزيادة ..
غاية القصد ..
أن المجلس العسكري كان فى أواخر عام 2010على استعداد للتدخل الفعلى والفورى حال نقل السلطة لجمال مبارك , وبدأت كتائبه فى التدريب على العمل الميدانى للنزول إلى الشوارع قبل حدوث ثورة 25 يناير التى فاجأت الجيش نفسه لأنه كان يتوقع النزول لمدن والشوارع للسيطرة على الوضع عقب إضطرابات فترة إعلان التوريث التى كان مخططا لها منتصف عام 2011 م
وعندما حدثت الثورة ونزل الجيش بات واضحا من خلال البيانات الأولى أنه ناصر الثورة وأنه مع كافة مطالبها دون أدنى شك , بل إن المدرعات والآليات العسكرية نزلت من مرابضها وهى مكتوب عليها شعارات الثورة بمنتهى الوضوح ( يسقط مبارك ) وظلت فى مكانها دون أن يقوم أحد برفعها وظهرت فى كافة وسائل الإعلام كرسالة علنية على موقف المجلس بإسقاط مبارك وتنفيذ أهم مطالب الثورة
لكنه اختصر هذه المطالب فى الأشياء التى اتفقت رغبة المجلس فيها مع الثوار وإهمال الطلب الخاص بحياة ديمقراطية سليمة وهو نفس خطأ ضباط يوليو 52 ..
اتفق المجلس مع الثوار على ضرورة خلع مبارك وعلى ضرورة التنكيل بمجموعة جمال مبارك ورفاقه ـــ وليس بالضرورة كل الفلول ـــ بل اكتفي المجلس فى التنكيل على من جمعته معه الخصومة واستبقي بقية الفلول فى إدارة الدولة لاستخدامهم فيما بعد
وساهموا بدور محورى فى ذلك لا سيما موقفهم التاريخى يوم 10 فبراير هذا الموقف الذى كان السبب الرئيسي فى الإصرار البالغ على التنحى دون التفويض رغم أن غالبية فصائل الثورة كانت قابلة بالتفويض قبل البيان بأربع وعشرين ساعة ..
فلما خرج البيان الرهيب وعنوانه ( البيان رقم 1 ) وهى الصيغة التى يعرفها كل من له خبرة بالشئون العسكرية أنها صيغة سحب الشرعية نهائيا عن النظام الحاكم ودعم ذلك التصرف اجتماع المجلس لأول مرة بقيادة طنطاوى ليشرفوا على عملية إخضاع مؤسسة الرياسة وانتهى الأمر ببيان التنحى المقتضب الذى نقل السلطة للجيش ..
ولابد أن نضع بأذهاننا التنكيل الذى لاقاه مبارك سواء فى الخلع أو حتى الخروج المهين دونما ضمانات مستقبلية تمنع عنه المحاكمة وفق أبسط الشروط التى توقعناها إبان تلك الأحداث , ثم تضحية المجلس بمبارك وعائلته وجلبه للحاكمة ـــ بغض النظر عن مهازلها القانونية ـــ إلا أنه يجب أن نكون منصفين فى أن جلب مبارك إلى قفص المحاكمة وحبس ولديه واستجواب زوجته يعد تنكيلا بشعا لا يحتمله أى شخص كان فى مكانه ..
وحتى لو افترضنا أن المحاكمة صورية فالقصة ليست فى الحكم بقدر ما هى فى المنظر الرهيب لمبارك داخل القفص متهما ولنا أن نتخيل معنى هذا المنظر لديكتاتور ..
هذا فضلا على سماح المجلس العسكري للإعلام بأن يقول ما شاء عن مبارك , وهذا وإن كان حقا مكتسبا للمعارضين الحقيقيين من أيام مبارك إلا أن السماح انطبق على فئات أخرى من الكتاب والصحفيين ورجال النظام القدامى ليخرجوا ملفات مبارك السرية وفضائحه وينكلوا بسمعته وسمعة أسرته بالشكل الذى يستحقه تماما ,
وهذا الأمر أبشع من القتل والإعدام فى حد ذاته وما كان لمبارك أن يقبله أبدا لو كان المجلس العسكري ــ كما يقال ــ ظل على ولائه لمبارك ووفاءه له , فلو كان كذلك على الأقل كان يملك المجلس العسكري من البداية أن يفادى مبارك هذا المصير بالإتفاق المبدئي مع الثوار على خروجه دون محاكمة , وهو الأمر الذى كان مطروحا للنقاش بالفعل أيام الثورة
ولو كان هناك أدنى إتصال إيجابي بين مبارك والمجلس لما قبل مبارك على الإطلاق هذه الفضائح العالمية التى تُعرض والتى سيدونها له التاريخ عار عليه وعلى أسرته ليوم الدين

كما يؤيد ما نقول كواليس ما حدث فى قصر الرياسة التى كشفها كبار القادة أو المتابعين من القادة السابقين وكلها أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن مبارك أصدر بالفعل قراره بإقالة المشير ومعظم أعضاء المجلس العسكري بعد موقف بيانات المجلس من الثورة التى أوضحت تخليهم النهائي عنه وتركه لمصيره ..
وكان أن سبق طنطاوى والمجلس العسكري إلى اتخاذ القرار بإبعاد مبارك فورا عن السلطة ودون أى ضمانات وقطعوا أى إتصالات فيما بينهم وبينه من يوم 2 فبراير وهو موقعة الجمل وأصبح همزة الوصل بين المجلس ومبارك هو عمر سليمان الذى تم إستعداؤه على عجل وإبلاغه برسالة محددة لمبارك بالتنحى طوعا أو كرها [1]
كل هذه الدلائل تؤكد كما سبق القول أن المجلس على علاقة عداء وفصام مع مبارك وكافة رجاله فى طرة , وأن ما يحدث على الساحة يمكن بالفعل أن نحيله لنظرية المؤامرة ولكن التآمر هنا سيكون من رجال طره منفردين ومن المجلس العسكري نفسه فى إطار آخر وبعيدا تماما عن مخططات طره ,
ولا نقول هذا الكلام لتبرئة المجلس العسكري لسبب بسيط ..
أن كل ما سبق لا يبرر له ولا يعنى عدم مسئوليته عن إجهاض الثورة , ولهذا وضعنا المجلس العسكري على رأس قيادة الثورة المضادة , وليس فى الأمر تناقض , فكل ما هناك أن عداء مبارك والمجلس العسكري قائم أى نعم لكنه لم يمنع المجلس من اتخاذ خطوات إجهاض الثورة لمصلحته الشخصية وليس لمصلحة مبارك الذى نفضوا منه أيديهم منذ خلعوه عن السلطة وانتهى الأمر
وانتهوا إلى اختيار بقية النظام القائم نفسه ليصبح أداتهم فى قيادة البلد على نفس النمط السابق من حيث المبادئ وطريقة الحكم ولكن دون مبارك , وهذا يعنى أنهم لخصوا مطالب وأهداف ثورة يناير فى خلع مبارك وأعوانه المقربين وحسب ورأوا فى هذا إنجازا كافيا ..
أما الحديث عن دعائم دولة ديمقراطية تخضع لها المؤسسة العسكرية على النظام العالمى لرقابة فعلية من السلطة التشريعية , فهذا هو الأمر الذى لم يقبله قيادات المجلس ولا نتصور منهم قبوله على الأقل فيما يخص الإنتقال الفورى من نظام مغلق إلى نظام مفتوح , وهذا مفهوم لدواعى كثيرة أهمها أن مخزن الأسرار فى الصندوق الأسود لعصر مبارك فيه من حجم الفساد المنظم ما لا يمكن المغامرة بكشفه فى هذا التوقيت




الهوامش ..
[1]ــ الأيام الأخيرة لمبارك ـ عبد القادر شهيب ـ دار أخبار اليوم