عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2017, 12:47 AM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي تابع
ونلحظ في الكتاب تنوعا في الأسلوب من السرد القصصي إلى الحوار إلى الوصف وغيره، ولكن أبرزه أسلوب الكتابة القصصي، المعتمد على السرد المشوق بما يقدمه من متعة ذهنية كبرى، فأدب الرحلة "خير رد على التهمة التي طالما اتهم بها الأدب العربي، تهمة قصوره في فن القصة، ومن غير شك من يتهمونه هذه التهمة لم يقرءوا ما تقدمه كتب الرحلات من قصص عن زنوج إفريقية وعرائس البحر وحجاج الهند وأكلة لحوم البشر وصناع الصين وسكان نهر الفولجا وعبدة النار والإنسان البدائي والراقي مما يصور الحقيقة حينا ويرتفع بنا إلى عالم خيالي حينا آخر" (11)
فمن العناصر القصصية الشخوص في هذه السيرة وبطلها هو الراوي، والمكان يتمثل في المدن التي زارها ويتسع فضاؤه ليشمل كل المغرب وجزءا من اسبانيا وكندا والأردن ...، والزمان عام 2017 أثناء زيارته للمغرب، والحوار كحوار الراوي مع سعيد واتصاله به وهو في تطوان، ومنه في الكتاب:
" بعد تعرفي على المدينة، بدأت بالبحث عن أبي بكر بنونة، وللأسف! لم أوفق بالعثور عليه، لإقامته خارج مدينة تطوان، وسرعان ما اتصلت هاتفياً بصديقي سعيد، أخبرته عن زياراتي لعدد من المدن المغربية، وكشفت له عن صور من تلك الزيارات التي تراكمت في ذاكرتي بكثير من الانفعالات والمشاعر الجميلة، وبينت له بحماسة ظاهرة عن أهمية استكمال تلك الصور بحكايا عن طلبة نابلس، الذين حققوا تواصلاً حميماً مع فلسطين ما قبل النكبة.
وهنا وجدتني أسأله: "كيف يمكنني الحصول على المعلومات التي تهمني من "أبي بكر بنونة؟"
أجاب قائلاً: "أعدك أن نزوره معاً بعد إشهار كتابك في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، إنه صديقي، وسوف أتواصل معه لتحديد موعدٍ، للقاء به قريباً في تطوان." (تطوان وحكايا أخرى ص 108)
ونرى أن الراوي اعتمد على المشاهدة والحكاية فغلب في رحلاته الطابع القصصي والروائي. ففي كتابة الرحلة يقترب كثيرا من فن الرواية والقصة فنجد في قراءتها لذة ومتعة. كما نرى في سطور كاتبنا سميح الأسلوب المشوق القصصي الجميل.
فأدب الرحلة عناصره تقترب كثيرا من عناصر القصة بحيث توجد فيه عناصر أساسية مثل السرد، والحوار، والوصف وغيرها وهو يجمع بين المتعة والفائدة.
الأبيات الشعرية في أدب الرحلات:
وكاتبنا كان كثيرا ما يلجأ الرحالة إلى الاستشهاد بأبيات شعرية تبرز أدبيته، سواء كانت من نظمه وهذا يثبت قدرته الشعرية والنثرية معا، وأحيانا أخرى يستعين بأبيات غيره مما يؤكد سعة إطلاعه ودقة معلوماته. فدفعه بالاستشهاد بالشعر في المواقف المختلفة أثناء رحلته، ولاسيما عند فراقهم لموطنهم، وتوديعهم للأهل والأصحاب، وعند ملاقاة العلماء أو الحنين للوطن وربوعه، أو عند الاقتراب و يستعين بالشعر ليعبر عما يختلج في نفسه من مشاعر حركتها مشاهداته وملاحظاته،
ومن أمثلة استشهاد الراوي بشعر غيره ما قرأه الراوي على هلال بن عاشور وعزيز ورشيد في الدار البيضاء:
" وفي الحال قرأت لعلال وعزيز ورشيد ثلاثة أبيات من رباعيات الخيام:
يا نديمي قد آن موت النديمِ
فاذكرّني ذكر الصديق القديمِ
وابكيّني بدمع بنت الكروم
وقرأت عليهم ثلاثة أبيات من مسرحية "الشاكنتلا":
حَل الهوى قلبُ الفتاةِ، وللهوى إذا حل فعلٌ بالفؤادِ عجيبُ
أباها الكَرى، والسهدُ أولى بمن غَدت وفي عينها، ملءُ الفؤادِ حبيبُ
إذا اعتلّ قلبٌ بالغرامِ، فداؤه عضالٌ، وما غيرُ الحبيبِ طبيبُ(تطوان وحكايا أخرى 17)
ومثاله أيضا:
"استغرقت رحلتي إلى مدينة تطوان نحو ساعة، وما أن وصلتها حتى تذكرتُ الشاعر السوري فخري البارودي الفلسطيني الأصل، الذي ذكر تطوان في قصيدته "بلاد العرب أوطاني" التي تعد من أشهر الأناشيد العربية، ومن كلماتها:
بلادُ العربِ أوطاني من الشامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنِ إلى مصرَ فتطوانِ
فلا حدٌ يُباعدنا ولا دينٌ يفرقنا
لسان الضاد يجمعُنا بغسانٍ وعدنانِ
ومن شعر الراوي الذي استشهد به في حنينه لمدينته حيفا في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد الخامس بسلا، في حديثه عن "تجربته في البحث عن الجذور الحيفاوية":
وبناء على طلب الحضور يردد الراوي أبيات شعر من نظمه قالها متغنيا في حيفا:

حيفا هُنا
إني هُنا
البحرُ يجمعُ
بيننا
واللوزُ
والزيتونُ
والقمرُ
..
حيفا
هُنا
إني هُنا
آتي إليكِ اليومُ
أعتمرُ
خمسون عاماً
وهذا اليومَ أنتظرُ
خمسونَ مرت
غزاها الشيبُ
والكبرُ.
ويقول الراوي: "تفاعل الطلبة مع الشعر، وسألني أحدهم عن جانب الغزل في شعري، تفاجأت لسؤاله وبينت له أنني دونت في ديواني قصائد متنوعة، تشكل مهاد لوحات شعرية، تنسحب على مجالات كثيرة بما فيها الغزل، وتفاجأت بإصرار الطلبة على سماع قصيدة غزلية لي، وبناء على إلحاحهم، اخترت قصيدة نظمتها قبل عدة سوات، وعنوانها "حيفا" أيضا، ومن أبياتها:
حيفا
يا عِشقيَ الأزلي
ها أنا أعود إليكِ
على أجنحةِ الغيومْ
ها أنا ذا عندكِ
أدسُ قلبي في شاطئِك
وأنسى المنافي البعيدة
أتهجى كل شيءٍ فيكِ :
البحر والموج والريح والشجرْ
همس الندى في الصباحْ
ومزاريب الشتاءْ
ومرايا معلقة بأجنحة الرياحْ
ملآى بأشرطةٍ من صُورِ الذكرياتْ
تُعيد للقلب دقاته في زحام الحياةْ
وتعيدُني للوراءْ
أرى فيها كل ما أشاءْ
رعشة أيامي الماضياتْ
وأمكنةً منسولةً من وجوهِ الأنبياءْ
أطوفُ حولها
صباحَ مساءْ
آهٍ،يا مدينتي
من مثلك تعلو جدائِلهُا فوق أروقةِ السماءْ
وتنسلُّ من صدرها الحاني خيوط الضياءْ؟
آهٍ، يا مدينتي
كلما آتيكِ أزدادُ فيكِ زهواً وعشقا
تدبُ فيّ الحياة ْ
وأمضي فيك في كل الطرقات ْ
عيناي تبحثان عن بيتي القديم ْ
ألقاه في زي الحدادْ
أطوفُ حولهُ سبعًا في كل الجهاتْ
ألملمُ من خباياه بقايا أيامي
ملآى بأحلى الذكرياتْ
وأستنشقُ منه نسماتٍ تطيلُ الحياةْ
أسمع حوله ارتجاف صوت أمي المنغومْ
لا يضل عني
يلاحقني يوقظني
وأرى أمي
تحضنني
تخبئُني بعينيها
وابتسامةً تطلُ منها على اتساع المدى
ها هنا ارتعشت أمي في زمن مضى
وبدأت أحبو أنا
أبصرتُها ها هنا
وتهجيت وجهها حبًا وعشقا
ها أنا الآن أعود إلى بيتي من جديدْ
بعد أعوامٍ
وأعوامْ
هو فَرحتي
لهفتي المشتهاةْ
يرفرف قلبي حوله
يوغلُ في الشجون
أحسُ من عبقهِ بكل ما مضى
أرجعُ للورا
أعيدُ تشكيلَ وجوهِ من كانوا هنا
وضاعوا في دروبِ الهوانْ
أنسجُ أشرعةً
أمِدُّها على اتساعِ البحار
أعيدهُمُ بها
إلى حُضن حيفا
بخطو ريحٍ جَموحٍ
دونما انتظار.(تطوان وحكايا أخرى ص 125-127)
وأدب الرحلة نوع من السيرة الذاتية لما فيه معلومات مختلفة عن حياة راويه. فالرحلة تتأثر بشخصية كاتبها، فهو لا يهتم بإيراد الحقائق فقط بل التأثير في قارئها أيضا، فيتأثر هذا بشخصيات راويه الرحالة، وطبيعة مزاجه، ونفسيته من خلال ما سجله. فيقدم جانبا من سيرته ذاتية وذلك من خلال سرد كل ما يتعلق به في رحلته،
ومثال ذلك الأبيات السابقة التي انشدها للطلبة عن حيفا عندما تلقى سؤالا من أحد الطلبة مفاده: "ماذا كان شعورك بصفتك شاعر عند زيارتك حيفا لأول مرة بعد النكبة؟."
فأجات: " زرتها بعد نصف قرن بعد النكبة، زرت منزل أسرتي الذي وُلدت فيه وأبصرت الدنيا، وعشت فيه باكورة أيامي، أنام وأصحو على مقربة من أنفاس والديّ الدافئة، أمضيت ساعات في ساحته، وقد نفدت قواي، طفت حوله والأبواب موصدة، وغصة في القلب تُدميني، أوغلت في ذكرى أيام صباي في تلك اللحظة، تذكرت أبي وأمي، والكثيرين من أبناء جيلي، ونحن نلهوعلى شاطئ حيفا، ونسطر على رماله خطواتنا الأولى."
واستطرد قائلاً:"غمرني الحزن عندما وجدت منزل أسرتي بيتاً للأشباح، نخرت السنون أحجار حيطانه، حاله حال البيوت العربية الأخرى، التي أصبحت مجرد أطلال،ومن وحي تلك اللحظات التي لا تُنسى نظمت قصيدة بعنوان "حيفا"
بناء على طلب الحضور ردد الأبيات السابقة على مسمعهم .(تطوان وحكايا أخرى ص 125)

كما يقدم راوي السيرة بعض الأحيان أخبارا نادرة عن الأدباء والكتاب.
وحفظ كاتبنا بعض المعلومات القيمة وصانها كيلا تضيع فأهميتها واضحة جلية، ومثال ذلك بحثه واستفساره عن طلاب من تطوان وفدوا إلى نابلس في عشرينيات القرن المنصرم للدراسة في مدرسة النجاح، فأول زيارته لتطوان، يرى الراوي:
أن مدينة تطوان قد ارتبطت فيما مضى بعلاقة متميزة مع مدينة نابلس الفلسطينية، وقد كتب عن هذه العلاقة قبل سنوات، وبين أنه بسببها درس في مدرسة النجاح بنابلس مجموعة من طلبة تطوان في عشرينات القرن الماضي.
وفي سياق هذه المعلومات الفريدة من نوعها، لاتصالها بمدينة نابلس من أيام زمن مضى، حاول مراراً البحث عن أثرٍ لطلبة مدرسة النجاح في المغرب، وتسنى لي مؤخراً معرفة معلومة أولية عنهم، استقاها من صديقه سعيد خالد الحسن، عندما زاره في الرباط، عرف منه اسم أربعة إخوة منهم، رحلوا عن دنيانا، وهم: "الطيب بنونة، وإدريس بنونة، وعببد الكريم بنونة، ومهدي بنونة"، وعرف أيضاً اسم شقيقهم " أبي بكر بنونة" من سكان تطوان، أكد له سعيد بأن أبا بكر يتمتع بذاكرة وقَّادة، ويُلم بكل شاردة وواردة عن أيام أخوته في نابلس، ولديه وثائق كثيرة عن تلك الأيام، وعن أسرته العريقة المعروفة بالوطنية والعلم ونشر الوعي والمعرفة. .(تطوان وأشياء أخرى ص 107- 108)

فوائد أدب الرحلات
يعرف قارئ الأدب الرحلة – وهو مستريح في غرفته – عن بلاد أجنبية. وثقافتها، وهيئتها الاجتماعية، وأخبار أهلها وجغرافيتها ومناظرها الجميلة.
خاصة إن كان الرحال كاتبا قديرا كما هو الحال عند د. سميح، فالقارئ كأنه يرى هذه الأشياء رأي العين، ويحسب نفسه مرافقا للرحالة. وبالإضافة إلى ذلك يتمتع بأدبه وأسلوبه..وينقل لنا الراوي أخبارا يجهلها الكثير من الناس في زمننا هذا:
"ويخبرنا الراوي عن مؤتمر "الدار البيضاء الذي عقد في شهر كانون الثاني/ يناير "1943 أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي يعرف باسم مؤتمر"آنفا"، حيث أوضح الراوي أن انعقاد المؤتمر قد تمً بحضور رئيس الولايات المتحدة فراكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل، وعن القوات الفرنسية الحرة شارل ديغول وهنري جيرو، واعتذر ستالين عن الحضور بسبب القتال الدائر في مدينة ستالينغراد.
وجلسات المؤتمر هذه انعقدت في فندق آنفا في الدار البيضاء، تم فيه مناقشة مجريات الحرب العالمية الثانية، ورسم إستراتيجية للحلفاء في المرحلة التالية من الحرب، ومن بهوه القديم تم الإعلان عن "إعلان الدار البيضاء" الذي دعا إلى استسلام دول المحور غير المشروط، وهو إعلان تاريخي رحبت به كل دول العالم.
وأن المكاسب الذي حققها المغرب من عقد المؤتمر، أن المغرب تلقى وعداً من الحلفاء بنيل استقلاله بعد نهاية الحرب، وشكل ذلك الوعد ضغطاً سياسياً على فرنسا، ونال المغرب استقلاله في عام 1956.
وفي سياق حديث مسؤول الفندق عن المؤتمر، يتفاجأ الراوي عندما أخبره أنه تم في عام 2013، عقد مؤتمر في الدار البيضاء للاحتفال بمرور 70 سنة على انعقاد المؤتمر القديم، تحت شعار "مؤتمر آنفا 1943: 70 سنة من التعاون المغربي الأمريكي" وقد تم تكريم جيمس روزفلت، حفيد الرئيس الأمريكي السابق فراكلين روزفلت الذي حضر المؤتمر. وأثار مسؤول الفندق دهشة الراوي أيضاً عندما ذكر له معلومة لم يسمع بها من قبل، مفادها أن المغرب هو أول دولة في العالم اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية عند استقلاله، وقد تم ذلك في عهد السلطان المغربي محمد بن عبد الله الملقب باسم محمد الثالث، وعُين قنصل أمريكي في المغرب عام 1801، في عهد الرئيس توماس جيفرسون، كاتب وثيقة الاستقلال والرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية.(ينظر:تطوان وأشياء أخرى ص 119- 120)
ويقول أليوت مخاطبًا البشر: ارتحلوا… انطلقوا أيها الرحالة، فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة!
اللغة
إن اللغة التي كتب بها الكاتب لغة الوصف لغة قوية متماسكة فيها حلاوة العبارة وطلاوتها بما تحمله من صور فنية عذبة تتوالى فيها الانزياحات الجميلة التي تثير انفعال المتلقي وتولد في خلده الدهشة، فالراوي يفصِّل لنا بشكل دقيق خط سير الرحلة ومعالمها ويقرب لنا الصورة وكأنها مشهد من مشاهد الأفلام الوثائقية للأماكن، ويرصد الجانب التاريخي، فيجعل المتلقي أمام صورة عبرت نهر الزمن لتصل أمام ناظر المتلقي بهذا الجمال كله، فالوصف الدقيق يعبر عن يوميات لا تخلو من مزجها بتاريخ المنطقة، ولكنه يعطي للمكان حقيقة فعلية، وهو يعيش تفاصيل الصورة من عدة زوايا مختلفة الرؤى، يصف لنا الصورة بروح مشوقة خلّابة مستعيداً دائما شريط ذكرياته، وهو ينقلنا بين الماضي والحاضر بأسلوب مشوق وجذاب.
و شخصيات الرحلة المرافقة للكاتب لها حضور بارز، ونجد عند الكاتب الاهتمام بقوة اللغة الواصفة والساردة للأحداث وحسن اختياره للألفاظ المعبرة والمدهشة، وذلك لما يتميز به أدب الرحلات من الإثارة والإدهاش، من خلال رؤية الإنسان للإنسان أو من خلال رؤيته للعالم المحيط به من نباتات وجمادات وفنون للعمارة والمدينة والأرياف والأدغال والأضواء والجبال والطبيعة وشروق الشمس وغروبها في مناطق محددة بشكل عام.
ولحالة الطقس في الكتاب حضور ملفت للانتباه، وذلك لأهمية مواصلة الرحلة، وكذلك الولوج لبعث وبث صورة من المعاناة النفسية تارة وبث الوصف المعبر عن الجمال تارة أخرى.
وقد اهتمّ الراوي بطباع الناس وطبقاتهم وألوانهم وانتماءاتهم وصفاتهم ولغاتهم.
وذكرعلماء تلك البلدان، وتحدث عن مدارسها وفنادقها وساحاتها وحدائقها ومساجدها وجامعاتها ومكتباتها، وعن الأدباء والعلماء والعمران.
لقد صوَّر د. سميح الطبيعة بتضاريسها من جزر وجبال وسهول ووديان وأنهار وهضاب. ونقل أخباراً ومشاهد وأوصاف وتعليقات وملاحظات موجزة، ثم عمد إلى تهذيبها وصوغها بأسلوب جميل، وشرع في سرد حكاياته وقصصه صاغها بأسلوبه الجميل، وقد اعتمد على النظر فيما يكتبه ويرويه، كما اعتمد على السمع، وعلى قراءة ومطالعة الكتب والأخبار.
فكاتبنا د. سميح أديب وشاعر ومكتشف؛ لذلك جاءت كتاباته سجلاً وافياٌ ودقيقاً وعميقاً عن انطباعاته حول حياة أهل المغرب والمدن التي زارها، ومظاهر سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية إلخ..

أسلوب كتابة الرحلة:
وأدب الرحلة عون للباحث الأدبي ( الناقد ) في الوقوف على بنية الأسلوب ، والسرديات في عصر تسجيل مدونة الرحلة ، لذا فإن التعامل مع أدب الرحلات من المنظور النقدي يكشف الكثير من الرؤى والفنيات الأدبية والأسلوبية .
يعمد الرحّالة إلى تضمين الرحلة بعضاً أقوال العلماء والأشعار، ويرى في ذلك تأكيداً لكلامه، كما يشيع في الرحلة الحوار، والمشهد القصصي فيها مستمر، والوصف من أدواتها الرئيسة، ومن أجل إضفاء الحيوية، وإبعاد الملل، وإثارة التشويق لدى القراء، اعتمد كتاب الرحلات على خلط الجد بالهزل، ونثر عناصر الفكاهة في كتبهم.
وفي الختام إننا ندعو المتلقي في أي مكان وزمان الغوص في هذا الكتاب لاكتشاف الكثير من المتعة والإثارة، والتعرف عن قرب على مدن ومناطق وأمكنة جميلة كجمال الوصف عند الكاتب، ونوجه له شكرنا البالغ على تقديمه لمثل هذا العمل وتضمينه مائدة القارئ، وندعوه على رصد المزيد من الرحلات الجميلة، التي يقوم بها ضمن نشاطه الثقافي الحافل بالعطاء والحافل بالكثير من التنقل والترحال الذي يعتبرا جزءاً لا يتجزأ من عمله المخلص في خدمة الثقافة والفكر وإثراء الأدب واللغة؛ ونحن نتطلع إلى مزيد من الإصدارات القادمة في أدب الرحلات بما يعود بالنفع لصالح وطننا والأمة.



أن الحمد لله رب العالمين