عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
2817
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
06-12-2017, 12:44 AM
المشاركة 1
06-12-2017, 12:44 AM
المشاركة 1
افتراضي قراءة في كتاب "تطوان وحكايا أخرى"
قراءة في كتاب "تطوان وحكايا أخرى" للدكتور سميح مسعود، بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر
صدور الكتاب:
صدر الكتاب مؤخرا عن " دار الآن ناشرون وموزعون" في عمان قبل أسبوع تقريبا.
عنوان الكتاب:
عنوان الكتاب"تطوان وحكايا أخرى" فالعنوانُ يتشكّلُ من جملة اسمية مكونة من خبر مرفوع، والخبر مبتدؤه محذوف تقديره "هذه".....ومن اسم معطوف وصفة وقد نجح الراوي في اختياره للعنوان، واستطاع أن يربط ربطا موفقا بين عنوانه ومحتواه، والعنوان "نظام دلاليٌّ رامز له بنيته السطحية، ومستواه العميق مثله مثل النّص تمامًا، من حيث إنّه حمولة مكثفة من الإشارات والشيفرات التي إن اكتشفها القارئ وجدها تطغى على النّص كله، فيكون العنوان مع صغر حجمه نّصًا موازيا (Paratexte)، ونوعا من أنواع التعالي النّصي (Transtextualité)، الذي يحدد مسار القراءة التٌي يمكن لها أن "تبدأ من الرؤية الأولى للكتاب"(1)
و"يمثل العنوان العبارة المفتاحية للنص، مهما كان النوع الأدبي، سواء كان قصة أو شعراً أو رواية أو مقالة، فالعنوان هو أول ما يفاجئ القارئ، وعليه فإما أن يجذب القارئ أو يبعده، أو يبقيه على الحياد مع نص قد يكون غنياً أو عادياً، إضافة لما في العنوان من دلالات معرفية ذات أبعاد مختلفة الأطياف، تكشف عن ثقافة صاحب النص، وغوصه في المكنون الفكري الذي يستلهمه أو يعيشه أو ينتظره، من الماضي والمعاش إلى الحالة المستقبلية، لذا أولى النقاد مسألة العنوان أهمية كبرى، وكانت له مكانته في الدراسات النقدية النصية.(2)
ولقد نجح المؤلف في اختياره لعنوان كتابه، فهو معبر تماما عن محتواه، فلقد زار المؤلف الكثير من المدن المغربية ووصفها وتحدث عنها بأسلوب أدبي شيق على طريقة الرحّالة، وركز على مدينة تطوان خاصة.
الجنس الأدبي للكتاب:
يندرج هذا الكتاب تحت صنف أدب الرحلات.
مفهوم الرحلة:
مفهوم أدب الرحلة: هو فن التعبير عن مشاعر تختلج في نفس الأديب المسافر عبر الآفاق تجاه كل ما يراه ويعايشه ويقرأه عن ملامح بلد أجنبي بعادات، وتقاليد سكانه، وخلفيته السياسية والثقافية والاجتماعية وأحداث يعايشها الأديب ومواقف تأثر بها، وهموم عانى منها في ذلك البلد الأجنبي طالت أم قصرت مدة إقامته فيها، والتعبير عن كل ذلك بأسلوب أدبي شائق يغري القارئ بمواصلة القراءة من أول لآخر سطر، دون ملل أو كلل. (3)
وأدب الرحلة "تشكيل لنص ذاتي/ شخصي، بخصوص الأنا والآخر، متكيفا في شكل معين، للتعبير عن رؤية معينة، انطلاقا من خطاب مفصح عنه في البداية ، أو مضمر في تضاعيف السرد والوصف والتعليقات" ( 4).
الهدف من الرحلة
الهروب من الشتاء القارس في مونتريال في كندا، حيث استقر هناك أخيرا بعد هجرته القسرية من مسقط رأسه حيفا.
ففي شتاء مونتريال كان الراوي يجد نفسه في عالم آخر في فصل الشتاء، يعتريه إحساس غريب... تجتاحه نوبة رهيبة من الضيق عندما تختفي الشمس لأيام طويلة بخلود زمني مثير، ومع الأيام صار أكثر تأثراً بالثلوج، اشتدت وطأته على حياته، وأصبح من المتعذر عليه صحِّياً تحمل معاناة الظروف المعيشية الصعبة في فصل الشتاء... برده القارس يُمسك على أنفاسه، يرفع ضغط دمه ويزيد من خفقات قلبه المتسارعة.
قرر ذات يوم أن يتعد عن مدينة مونتريال في أيام الشتاء الباردة، أسوة بما يفعله أهلها من المتقاعدين، وهم كثر، يهجرونها هرباً من البرد، ويقيمون لفترات طويلة في ولاية فلوريدا الأمريكية وغيرها من المناطق الدافئة الأخرى، وهكذا قرر أن يقيم في عمّان في فصل الشتاء، وأن يكثر من المكوث في منطقة البحر الميت القريبة منها، التي تمتاز بدفء مناخها شتاءً ونقاء هوائها، لكونها أكثر مناطق العالم انخفاضاً تحت سطح البحر، تفوق فيها كميات الأكسجين عن غيرها من المناطق الأخرى، لانسيابه بكميات كبيرة في المناطق المنخفضة.
وهكذا أخذ يشد الرحال إلى عمان في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام ويبقى فيها مدة أربعة أشهر، يقضي معظم أيامها في شقة على ضفاف البحر الميت، ويعود ثانية إلى مونتريال مع بدء فصل الربيع.
لكنه في شتاء هذا العام (2017) منح نفسه شيئا من التغيير بشد الرحال إلى المغرب، الذي زاره عدة مرات في سنوات خلت، أطال التجوال في أرجائه بأجواء مشحونة بالإثارة، خصَبت ذاكرته بأجمل الذكريات، تجول على مدى أيام طوال في مدن كثيرة شكلت الطبيعة فيها لوحات تشكيلية جميلة بتكوينات لونية مميزة، تبعث الأمل والإلهام في النفس.
تعرف في تلك المدن أثناء زياراته السابقة على أشخاص كثر من مواطنيها استقبلوه بحرارة واسمعوه حكايات قيمة، ساعدته في تدوين مشاهدات وملاحظات كثيرة عن مدنهم ملآى بمعلومات عن طبيعتها الساحرة وناسها وتفاصيل مآثرها العمرانية القديمة؛ بما تحمله من نقوش ورسوم زخرفية، وما يحيط بها من أسوار وقلاع وأبراج شُيِّدت في أزمنة ماضية.
شجعه على زيارة المغرب من جديد دعوة وصلت إليه من صديقه الدكتور سعيد خالد الحسن الأستاذ في جامعة محمد الخامس في الرباط، لإشهار كتابه الثالث من سلسلة "حيفا بًرقة البحث عن الجذور" في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، ودعوة أخرى تلقاها من القاص والإعلامي جعفر العقيلي مدير دار الآن للنشر والتوزيع الأردنية، ناشر كتابه لإشهار الكتاب في نفس المعرض، ووجد في دعوتهما فرصة لكي ينطلق الكتاب من الدار البيضاء لما فيه من تفاصيل سير مستمدة من بحثه عن حيفاويين عاشوا في الرباط وفاس ومكناس، دونها بمفرداتها ومعالمها الأساسية، في صور تجارب حياتية معبرة عن تحولات الحياة الفلسطينية في الشتات.
استجاب للدعوتين، ووجد في دعوتهما فرصة استثارت حنينه للسفر من جديد والهروب من برد مونتريال، كما أيقظت في داخله رغبة طالما أرد تحقيقها لزيارة بعض المدن المغربية التي لم يزرها من قبل، خاصة المدن التي تمتاز باعتدال مناخها شتاءً، لتجميع حكايا عن صميم واقعها الحالي وماضيها البعيد.( "تطوان وحكايا أخرى ص 5")
أهمية أدب الرحلة
أهمية أدب الرحلة، تكمن في المتعة والطرافة التي تتولد في نفس المتلقي، فهو يمثل قناة الربط وجسر العبور بين الأمم والشعوب، من خلاله يطلع الرحاّلة على حياة البشر وطرائق عيشهم، مسجلا ما لقي من طرائف إكرامهم وغرائب طيشهم. ومن ثمة فهو يطلع الآخرين على الكثير من النكت والأسرار، فالسفر مرآة التجارب والأعاجيب، وهو على الحقيقة مدرسة العلم والحياة التي يتخرج منها الرحالة، وقد اقتبس غزير المعارف والعلوم وتعرف على عديد الأعراق والشعوب.
"وفي جميع الأحوال ، يظل أدب الرحلات معبرا عن التنوع الثقافي بين البشر الذي يشمل العادات والتقاليد في الطعام والشراب والتفكير والمعتقدات، والنظم الاجتماعية، وهذا واقع ضمن الدراسات الإثنوجرافية ، التي تساعد على فهم مسار الحضارة الإنسانية ، إذ إن التنوع الثقافي يساهم بلا جدال في التغيير والتطور الإنساني في مجمله."(5 )
وفن الرحلة أيضا عون للجغرافي؛ عبر المعاينة المرئية التي يقوم بها الرحّالة وما يصفه بدقة من أحوال البلدان وتضاريسها ومعالمها، وأيضا هي عون للمؤرخ في معرفة الجديد عن تاريخ البلدان والأقاليم، والتثبت مما ورد إليه من معلومات تاريخية، (فيصف الراوي جغرافية وموقع بلدة شفشاون على سبيل المثال، حيث على أبواب شفشاون، توقفت الحافلة ونزل منها مع بقية الركاب، نظر حوله في كل الجهات، ورأى ششوان في منظر بانورامي جميل، متربعة في موقعها على سلسلة جبال الريف تطل مزهوة بغابات كثيفة على امتداد أطرافها تتزيَّن بأنواع كثيرة من الأشجار، خاصة أشجار الفلين والأرز والشوح، وتكثر فيها الشلالات وعيون الماء، وتشابكات الأعشاب الخضراء على امتداد مساحات واسعة.
هاله منظر ششوان بتفاصيل تضاريسها الجميلة، سحره طابعها الأندلسي وجدران بيوتها المطلية باللون الأزرق، وجدها مدينة مشحونة بالإثارة، تضيف في دلالات منظورة لوحة تشكيلية جميلة للبحر الأبيض المتوسط، ملفعة بأمواجه الزرقاء. (تطوان وحكايا أخرى، ص 110-111)
وأدب الرحلة يستنطق قلوب أهل المناطق التي يزورها الرحّالة، ومن أمثلة ذلك ما يكنٌّه المغارب من حب لفلسطين وأهلها، ويتجلّى ذلك في الترحاب الذي صادفه المؤلف والتمسه بكل مشاعره من أهل المغرب ومن أمثلة ذلك حُسن الاستقبال وأصالة الضيافة التي قام بها حامد بن إدريس وعائلة وابنته نعمة وكل العائلة، ولنستمع لبعض ما صرّح به الرّحالة د. سميح في كتابه: " لتقيت في صباح اليوم التالي مع زميلتي نعيمة بن إدريس، ولحسن حظي فإنها تقيم حالياً وتعمل بالرباط، بعد أن تخلت عن الإقامة في مدينة مونتريال الكندية، قدَّمت لها نسخة من كتابي الجديد الجزء الثالث من سلسلة "حيفا بُرقة البحث عن الجذور"، الذي ذكرتُ فيه أسرتها واستضافة والدها لي في بيته طيلة وجودي في الرباط، تماشياً مع عادات وتقاليد الضيافة التي يتوارثها المغاربة من جيل إلى أخر.
لزمت الصمت وهي تتصفح الكتاب، ثم نظرت لي وقالت بنبرة جادة:" لقد أنهيت كتابك خلال فترة قصيرة."
أجبتها: "أجل، خلال ستة أشهر، وكانت بداية تأليفه في الرباط، وكل ما فيه عن فلسطينيي الشتات."
استقرت عيناها على الصفحات التي كتبتها عن والدها وأمها وعمها، وفي لحظة عبَّرت لي عن استغرابها لإقامتي في الفندق، كاشفة في الوقت نفسه بكلمات مؤثرة عن حزن والدها لعدم نزولي ضيفاً عليه في بيته، خاصة وأنه ابتهج لوجودي معه لفترة طويلة من الوقت أثناء زيارتي الماضية قبل ستة أشهر.
بيَّنتُ لها أنني شعرت بسعادته عندما استضافني في بيته، وكنت ألاحظ مدى سعادته،عندما أحدِّثه - بناء على طلبه- عن لمحات من الحياة في فلسطين ما قبل النكبة، بمختلف مشاهدها وأحداثها وأوجاعها، وكثيراً ما عبَّر لي عن اهتمامه ببحثي عن الجذور، واعتبر ما أقوم به مهماً لتعريف الأجيال الصاعدة بالمكان والأحداث والإنسان عن أيام بلدي الماضية، لتعزيز الانتماء وإبقاء الذاكرة الجمعية الفلسطينية حيَّة على مدى الأيام.
بعد فترة وجيزة اتجهت مع نعيمة إلى بيت أسرتها الواقع في منطقة أكدال، وتحديداً في شارع فرنسا رقم 12، استقبلتُ من والدّيها بمنتهى اللطف، رحَّبا بي في حرارة، وسرعان ما عاتبني والدها بحرارة الصداقة التي تجمعنا لنزولي في الفندق، شكرته على حفاوة الاستقبال، ووعدته أن أحل ضيفاً عليه في مرة قادمة، وفي الحال قدَّمت له نسخة من كتابي الجديد، وهدية عبارة عن حجر من القدس طلبه مني أثناء زيارتي السابقة للرباط .
ضم الحجر بين يديه، ثم قبَّله عدة مرات، وبلَّله بدموع سالت من عينيه من شدة التأثر.
قال وهو يضغط بيديه على الحجر: "إنها أثمن هدية أحصل عليها في حياتي."
وأضاف: "صحيح أنني جيولوجي وتشكيلات الصخور ضمن اختصاصي لكونها جزءاً أساسياً في تركيب القشرة الأرضية، وقد تعاملت معها بالبحث والتنقيب طيلة عملي قبل التقاعد، لكن هذا الحجر من نوع صخر مقدس أريد دفنه معي عند مماتي."
أثارت كلماته في نفسي أعذب الأحاسيس، وجدتها تتجاوز حدود المجاملات العادية التي تغيب بغياب مناسبة قولها، لأنها مجبولة بمضامين وطنية، يكشف فيها عن مشاعره وشوقه بعاطفة متدفقة لزهرة المدائن العربية.
هكذا عبَّر حامد بن إدريس بمشاعر جياشة عن حبه للقدس، كان يتحدث بكلمات مؤثرة، وهو يلوَّح بيديه اللتين كانتا تتحركان أمامه وكأنه يرسم بها بيوتاً وأزقة على اتساع مدارات متشابكة من حي المغاربة في جنوب شرق القدس القديمة الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي، أخلاه من سكانه المغاربة، وأقام مكانه ساحة عمومية قبالة حائط المبكى. (تطوان وحكايا أخرى ص 26-26)
والرحلة تزخر بالمعارف والثقافة والاستكشاف، ففي زيارة الراوي لمدينة ورززات، يقول: "في فجر اليوم التالي تابعنا السفر عبر الصحراء إلى مدينة ورززات، عدنا في البداية إلى مدينة الريصاني، ثم انحرفنا يساراً في طريق طويل، واصلت فيه الحافلة المسير دون توقف، حدثني جاري محمود طيلة الرحلة عن جوانب مهمة من تاريخ المغرب، طاف بنا الحديث في مجالاتٍ كثيرة، ثقافية غالبيتها تبيِّن عشقه للشعر العربي.
بعد ذلك ذكر لي في سياق حديثه عن حيثيات معلومات مهمة عن مدينة ورزازات، أكد فيها على مكانتها كمدينة مهمة للسينما العالمية، جذبت أشهر المخرجين والممثلين منذ عام .193، صوَّروا فيها مئات الأفلام العالمية حتى الآن، صُوِّر أولها فيلم موروكو قبل تسعين عاماً، وكانت بطلته الممثلة والمغنية الأمريكية الألمانية الشهيرة مارلين ديتريش، ومن أفلام ورزازات المهمة فيلم أوتلو للمخرج والممثل العالمي أورسن ولز، وقد صُوِّر في نهاية الأربعينات، وفيلم لورنس العرب بطولة بيتر أوتول وعمر الشريف، وقد صُوِّر في بداية الستينات من القرن المنصرم، وغيرها من الأفلام العالمية الأخرى. (تطوان وحكايا أخرى ص 65)
و"ترجع أهمية أدب الرحلة إلي أنه وسيلة رائعة لاستكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر الذي تشكَّل عن طريق الرحلة، والأفكار التي تسرّبت عبر سطور الرَّحالة، والانتباهات التي ميَّزت نظرتهم إلى الدول والناس والظواهر والأفكار. فأدب الرحلة، على هذا الصعيد، يشكِّل ثروةً معرفيَّةً كبيرةً، ومخزناً للمشاهد والقصص والوقائع والملاحظات، فضلاً عن كونه مادة سرديّة شائقة تحتوي على الطريف والغريب والمُدهش مما التقطته عيون تتجوّل وأنفسٌ تنفعل بما ترى، ووعي يُلِمُّ بالأشياء ويحلِّلها ويراقب الظواهرَ ويتفكَّرُ فيها.(6)
فرحلة د. سميح هذه تستكشف طبيعة الوعي بالآخر فيجد أن هناك علماء أسبان معارضون للتعصب ضد العرب، فعندما توجه الراوي إلى موقف الحافلات في وسط مدينة تطوان، وصعد إلى أول حافلة متجهة إلى شفشاون، التي تبعد حوالي ساعة من مدينة تطوان، بعدها أخذ يقرأ في كتاب الإسباني/ المراكشي "خوان غويتيسولو"، حيث تتبع على نحو دقيق خط سير مادته السردية، التي تستشرف دلالات كثيرة ضد الاحتلال والاضطهاد وحرمان الإنسان من حريته الفطرية، وتفسح المجال لامتداد أفكاره نحو آفاق لا متناهية من التأويلات، تحمل معاني مباشرة عن سبتة ومليلة وجزر المغرب المحتلة، وحتى تتعلق بكل المحتلين والمضطهدين في الأرض بما فيهم أبناء بلده في فلسطين المحتلة. (تطوان وحكايا أخرى ص 110)
"إنّ الرّحلات من أهم الفنون الأدبیة بحیث إنّها تحوي بعض المعلومات المهمة التي لا یمکن الاستغناء عنها لأحد من الأدباء والمؤرخین والجغرافيين وغیرهم، فمطالعتها لازمة لکل من یودّ الكتابة أو الدراسة عن إحدى الفترات التي کتبت فیها تلك الرّحلات. فإن أدب الرحلات العربية يمثل جوانب مهمة من جوانب الحياة العربية والإسلامية في مختلف نواحيها سواء في ذلك الجانب السياسي والاجتماعي والديني والفكري وأيضا الأدبي، وقد برز كثير من الرحالة العرب وقاموا برحلات طويلة وألفوا كثيرا من الكتب صوروا فيها ما شاهدوه في هذه الرحلات وصوروا مشاعرهم وآراءهم وكانت هذه الكتب وثائق هامة تصور الحياة في تلك الأزمان.
فهي منابع ثرية لمختلف العلوم، یمکن أن یقال إنّها بحر من المعارف والاکتشاف وسجل حقیقي لمظاهر الحیاة المختلفة ومفاهیم أهلها علی مرّ العصور، بحیث یقدّم فیها الراحل أحوال المجتمعات، وعادات النّاس، و تقالیدهم، وملابسهم، وأطعمتهم، وأشربتهم وشعائرهم الدینیة، بأسلوب أدبي. (7)
ومن المعلومات المهمة التى احتواها كتاب د. سميح مسعود خلال رحلته تلك تعرفه على فكر عالم اسباني محايد بعيد عن النظرة الاستعمارية وهو الإسباني/ المراكشي "خوان غويتيسولو" الذي بدأ الراوي في قراءته كتابه وهو متجه لزيارة تطوان، حيث أخرج من حقيبته كتاب "اسبانيا في مواجهة التاريخ..فك العقد" بنصه العربي المترجم، وهو من أهم مؤلفات الإسباني/ المراكشي "خوان غويتيسولو"، الذي أهداه له نزار الفرقاني في مدينة مراكش، أخذه بقراءته صفحة تلو أخرى، شدّه كثيراً لفرادته في ربط الإنسان والمكان والزمان على اتساع مدارات حضارية واسعة، مجبولة بتفاصيل أندلسية، يتحدث عنها مؤلف الكتاب بتقدير كبير.
لاحظ الراوي تركيز الكتاب على الدور الحضاري للمسلمين خلال حكمهم في ديار الأندلس، يتحدث عنهم في هذا الجانب بإعجاب شديد، ويمتدح مقدراتهم الإبداعية وعطاءاتهم الكثيرة في حقول العلوم والآداب والشعر والفكر والفلسفة والموسيقى والعمارة، يتشعب الكتاب فيها بنواح عديدة، ويلامس مسالك كثيرة مليئة بالدهشة، ويدعو في إطار الواقع الدولي الراهن، إلى إرساء دعائم تقارب بين العرب واسبانيا، بحكم العوامل التاريخية والحضارية والجغرافية، وهدفه في كل هذا إسدال ستائر الحقد والعداوة، وفتح صفحة علاقات إنسانية جديدة، والجدير بالذكر أن هذا العالم الجليل الاسباني قد أنصف العرب وتوفّاه الله الأسبوع الفائت وكتبت عنه الصديقة نعيمة بنت إدريس في صفحتها على الفيسبك:
"خوان غويتيسولو توفي اليوم في مراكش, حيث كان يعيش منذ عقدين من الزمن. كاتب ملتزم, كان يؤثر نظريات النص و barthiennes bakhtiniennes والنقد من الواقعية. لقد كتب من بين أمور أخرى: أراضي نيجار, دون جوليان, خوان بدون الارض, makbara, barzakh و فضائل الطائر الوحيد. وقد تم توظيفه على عدة جبهات، منها: سراييفو, الشيشان وفلسطين. كان عضواً في لجنة الرعاية في محكمة راسل حول فلسطين.
فلترقد روحه في سلام."
وعلى أية حال، فان الكتاب من الندرة بمكان، يحتوي بين دفتيه على أفكار عن الأندلس لم يجدها الراوي عند غيره، ويكفي وصفه طرد العرب والمسلمين من اسبانيا كارثة حضارية كبيرة، أفضت إلى فقر ثقافي وحضاري لبلده اسبانيا، وتشويه صورتها بالتعصب وكراهية الآخر.
ويرى الراوي أن المؤلف"خوان" المراكشي قد وُفِّق بتأليف كتاب غير مسبوق، أنصف فيه العرب والمسلمين بالعزف على أوتار الزهو بهم بسخاء وعاطفة، وتدوين دلالات عميقة متشابكة عن مآثر حضارتهم في الأندلس، وامتداد تأثيرها على تمدن اسبانيا والعالم الغربي، ومن محاسن الصدف تعرفه على هذا الكتاب، وقراءته وهو في طريقه إلى مدينة تطوان، التي احتلتها القوات الاسبانية مع مدن المنطقة الشمالية من المغرب لما يزيد عن أربعين عاماً في القرن الماضي، وبهذا تيقن أن أفكار"خوان غويتيسولو" المدونة في الكتاب لا تهتم برد الاعتبار إلى الأندلسيين فحسب، بل تدين أيضاً مرحلة من تاريخ بلده تم فيها استعمار واضطهاد الغير، تعج بصور مشاهد وأحداث استعمارية كثيرة في شمال المغرب. (تطوان وحكايا أخرى، ص 105)
و'الرحلات بمثابة مصادر شاملة سجلت فيها جوانب متعددة فيما يخص الجوانب الحضارية على امتداد أزمنة متتالية، فالرحلة تتطلب اتساع المعارف وتنوعها، لأنها تستخدم الجغرافيا، وتستند إلى التاريخ عند التعرض لوصف المسالك والمدن والمعالم وبدايات الأمور، بل ورصد الظواهر الاجتماعية غير المألوفة لديهم، وكذلك الاقتصادية، ويتبعها السياسية بنسب متفاوتة وعرض ذلك بزي الأدب وطابعه."(8)
ومثال على استخدام الجغرافيا واستناد السيرة على التاريخ حوار الراوي مع عثمان عند أسوار المرينية خارج سبتة ومحاولة مولاي إسماعيل استرداد المدينة والحديث عن الإدريسي:
" جلست معه في مطعم يطل على المضيق، حدثني بكلمات استلها من خبايا الذاكرة، عن المحاولات المغربية لاستعادة سبتة، منها محاولة المولى إسماعيل في القرن السادس عشر الميلادي؛ لاستعادتها من قبضة الاحتلال الاسباني، وأكد في سياق حديثه أن المغرب يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من ترابه الوطني، ولا يعترف بشرعية الحكم الإسباني عليها وعلى مليلة وكل الجزر الجعفرية.
طال حديثه عن سبتة واحتلالها، ثم توقف فجأة عندما سألني عن أبي عبد الله محمد الإدريسي، قائلاً: "هل تعلم بأن سبتة مسقط رأسه."
أجبته: " نعم، أعلم ذلك، وهذا فخر لمدينتكم؛ لأنه أحد مؤسسي علم الجغرافية في القرن الثاني عشر، كما كتب في التاريخ والأدب والشعر، ودرس الفلسفة والطب والنجوم في جامعة قرطبة، كما درس أيضاً في جامعة القرويين في فاس." (تطوان وحكايا أخرى ص 110)
أهمية أدب الرحلات من الناحية الأدبية
عندما نلفت النظر إلى ما كتبه د. سميح في كتابه نجد فيه الطابع الأدبي، وهي تعني برصد الواقع ونقل "الصور والمشاهد على نحو يحقق التأثير الوجداني، أو ينقل الأحاسيس والعواطف التي يجدها في نفسه من يجتلي تلك المشاهد والآثار والصور، وهذا البعد هو الذي يملأ النفس متعة وتأثيرا، ويجعل للرحلة سمة أدبية بدلا من أن تقف عند حد التسجيل والتدوين وجمود.(9)
فإن الأهمية الأدبية تتجلى في كون كثير مما أورده د. سميح في كتابه يأخذ سبيله إلى عالم الأدب كأنموذج من أرق النماذج على الوصف الفني الحي المتميز بشيء من جماليات الأسلوب، والابتعاد عن الترف اللفظي والطلاء السطحي، ويمتاز بالتعبير السهل المستقيم الزاخر بغنى التجربة والصدق الفني.
ونلحظ بوضوح فيه النزعة القصصية "إن وجود النزعة القصصية في الكتاب، وما فيه من حوادث ومواقف تستحث الرحلة على التسجيل، وصياغة هذه الحوادث في أسلوب قصصي يعتمد عنصر التشويق في كثير من الأحيان، والرحلة في حد ذاتها قصة إن لم تتوافر فيها خصائص القصة، فهي تشاركها في بعض خواصها. فإن أدب الرحلة فن يقترب من فن القصة، إن بعض الرحالين جنحوا إلى سرد "القصص التي عاشوها أو سمعوا بها، وكان سردهم لهذه القصص بعفوية وحيوية، قربت الرحلة من عالم القصة... (10)
يتبع