عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2015, 08:23 AM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
خوان رولفو: كاهن الواقعيّة السحريّة
عمّار أحمد الشقيري
13 أبريل 2015

أكثر من مرة اعترف غارسيا ماركيز بفضل تقنية رواية "بيدرو بارامو" على مسيرته في الكتابة؛ الرواية التي أمضى كاتبها المكسيكي خوان رولفو (1917 ـ 1986)، سنوات طويلة في تشييدها، ومرّت ستون سنة على صدورها هذا العام.
تبدأ الرواية بمحاورة بين الأم دولوريس مع ابنها خوان بريثيادو توصيه فيها بزيارة والده المجهول بيدرو بارامو في كومالا: "لا تطلب منه أي شيء، طالبه بحقنا، طالبه بما كان مجبراً على إعطائه إياي ولم يفعل".
فيدخل الابن الإقليم وتستقبله صديقة والدته القديمة دونيا إيدوفيغس التي تبدأ بسرد الحكايات عليه، عن ميغيل بارامو، قاتل شقيق الأب رينتيرا، ومغتصب ابنته، وعن حصانه الذي رجع بعد مصرعه، وتسمع أثناء حديثها صهيله: "لا أفهم ما تقولين، بل حتى أني لم أسمع جلبة أي حصان"، يرد عليها. وشيئاً فشيئاً، يكتشف القارئ أن كل شخصيات الرواية ما هي إلّا أشباح لموتى خرجوا للتجوال.
"
نكتشف أن شخصيات الرواية ما هي إلّا أشباح لموتى خرجوا للتجوال
"
تعتبر رواية "بيدرو بارامو" إحدى أهم ركائز مدرسة الواقعية السحرية، وتكاد تكون محل إجماع من قبل الكتّاب والقرّاء على فرادتها، إضافة إلى اعتبارها بمثابة موجّه للكتّاب الجدد في أميركا اللاتينية إبان صدورها؛ إذ يورد الباحث الكولومبي داسو سالديبار، كاتب سيرة ماركيز، أن ألبارو موتيس ظل يحمل نسخاً منها لإهدائها للكتّاب الشباب في بلده، طالباً منهم "تعلّم كتابة الرواية"، رغم أن بنية الرواية لم تتضمن فصولاً، بل مقاطع سرديّة غير متسلسلة ومتداخلة وضعت الجميع، نقاداً وقرّاء على حد سواء، في متاهةٍ دائريّة وأمام معضلة فك رموزها وإعادة ترتيب هيكلها أثناء القراءة.
من جانب آخر، يظهر منذ الجملة الأولى في العمل وحتى آخر صفحة فيه، مدى احترام رولفو لعقل متلقيه، إذ لم يذهب إلى وصف شخصياته، إنما ترك للأفعال التي تصدر عن هذه الشخصيات مهمة التعريف بها، ملتزماً في الوقت ذاته أقصى درجات الحياد، كأنه كان يوظف حياته في روايته:
"كنت أعمل في أرشيف للهجرة، في الإدارة الاتحادية للحكومة، منسيّاً. وفي الأرشيف يستبدلون الوزارء والموظفين المهمين، أما نحن الأرشيفيون فإنهم ينسوننا، وهذه هي الطريقة المُثلى ليتركوا أحدنا هادئاً".
حين صدرت الرواية في العام 1955، أطرى النقاد في أميركا اللاتينية عليها في البداية من دون تقديم رأي قاطعٍ فيها. ومع ابتعاد كاتبها عن الأوساط الثقافية وإقلاله في الكتابة (لم ينشر سوى مجموعة قصصية بعنوان "السهل الملتهب"، 1953)، ترسّخ شبح خوان رولفو في الأذهان كأحد كهنة الحكايات الأكثر فتنةً وتجديداً، إلى جانب لويس بورخيس وكاربنتير وأونيتي، ومعلماً خفيّاً للكثيرين، وأحد آباء الواقعية السحرية.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن هذه الرواية دفعت المخرج والمنتج الإسباني كارلوس فيلو إلى إخراجها سينمائياً عام 1967، وقبله كتب كل من كارلوس فوينتيس وماركيز وخوان خوسيه أريولا سيناريوهات أفلام نهلت أفكارها من هذا العمل.