عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2022, 11:21 AM
المشاركة 12
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
الدكتور علي، الأستاذ علي ..


علي .. من جسدٍ نحيلٍ يملأُ ثياباً باليةً إلى دكتورٍ جامعيٍّ تقفُ له قاماتٌ علميةٌ وأدبيةٌ احتراماً وتقديراً .. فالعلمُ يبني بيوتاً لا عمادَ لها .. وهذا هو بيت القصيد ..

ولد علي وترعرع في عائلةٍ فقيرة، لم يكن الفقر فيها حالةً طارئةً بل نمط حياة، ولم يكن البؤس مجرد غمامةٍ سوداء قد تحملها الرّيح المارقةُ معها بعيداً، ولم يكن أمام عليّ الكثير من الخيارات، ولم يكُ يمتلك ترف الوقت ليختار حتى ما يجب أن يكون وبماذا يمكنه أن يحلم، ولد فقيراً لأبٍ فلاحٍ لا يملك في هذه الدنيا إلا عزّة نفسه وسموّ روحه، ولأمّ لا تملك ما تقدّمه له إلا الدّعاء والحبّ فقط .. وقد كانا أعظم ما حازه عليّ في رحلته من القريةِ النائية قبل نكبتنا إلى أرقى الجامعات في لندن بعد نكبتنا ...

ما شدّني إلى شخصية عليّ في مسلسل التغريبة الفلسطينية للكاتب الجميل وليد سيف هو المثابرة التي تذكّرني دائماً بخالي الدكتور محمّد حفظه الله هذا الرجل الذي لامس النّجوم ولا يملك سلّماً إلا رضى اللهِ والعلم والفطنة والمثابرة ودعاء والديه، وما عليّ في رواية وليد سيف إلا انعكاسٌ من انعكاساتٍ كثيرة ٍلصورٍ زيّنت معاناتنا الدائمة بعد النّكبة، ومن هذه الصور هي صورة الشّاب المثابر الطموح القادر على التكيّف مع الظروف الصعبة والتمدّد أو التقلّص مع أحوال الدّنيا الظالمة مهما كانت.

فالمواطن الفلسطيني لا يمكلك ترف الوقت والأحلام كباقي الناس، هو محكومٌ بالمساحة الضّيقة التي رسمتها له ظروف النّكبات والنّكسات التي تمرّ بفلسطين منذ الأزل .. ولا مجال للتباطئ في مسيرة تحقيق الذّات وتأمين لقمة العيش وإثبات الوجود الفلسطيني على جميع الأصعدة بمختلف أشكالها، فعقيدتنا النّضالية تحتّم على كلّ فردٍ فينا أن يكون فدائياً على ثغرٍ من ثغور الثّورة الفلسطينية، ومن هنا فالطّبيب فدائيٌّ والمعلّم فدائيٌّ والمهندس فدائيٌّ والأديبُ فدائيٌّ والتّاجرٌ فدائيٌّ، والأبُ والأمُّ فدائيّان أيضاً.

ولعلّ شخصية الفتى الطموح والمثابر والصبور تتناسب مع الظروف الصعبة التي مرّ ويمرّ بها أيّ شابٍ من شباب الشعب الفلسطيني، فكم من سراج زيتٍ بسيطٍ أخرج لنا عالماً أو أديباً أو طبيباً بهر الدّنيا بأعماله وعلومه ومخترعاته، وكم من مصابيح كهربائيةٍ باهظة الثّمن لم تجد سبيلاً إلى إنارة درب ولدٍ مدلّلٍ قضى عمره يبحث في الملذّات ويعيش في أحلامه الوردية وهو يمتلك من مقوّمات الحياة ما يؤهله ليكون أعظم العلماء. ولكنّها عدالة الله، فالشّعب الذي سلبت أرضه، وهجّر من وطنه، هو ذاته الشّعب الذي علّم الدنيا من حوله مختلف العلوم والفنون، فسخّره الله ليكون شعباً بلا وطن .. لشعوبٍ بلا قضيّة ... إن جاز التعبير.

والثّورة الفلسطينية ليست ثورةَ سلاحٍ فقط، بل إنّ القضيّة الفلسطينيةَ قضية صراعٍ وجوديّ بين المحتلّ الغاصب وبين الشّعب المتمسّك بثوابته الوطنية، وهي صراعٌ يتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية، ويتمدّدُ ويتوسّعُ نضال شعبنا عبر الكون ليكون أيقونة نضالٍ تشكّل نبراساً للأمم الحالمة بالتحرر من غطرسة الكيانات الاستعمارية التي تستبدّ وتنهب ثروات الشعوب المقهورة ضاربة بعرض الحائط جميع القوانين الدولية.

وسيظلّ الفلسطينيّ اللاجئ شوكةً تقضّ مضجع الغاصب المحتلّ مهما حاول تهذيبها وترويضها، وستظلّ الثورة الفلسطينية أسداً يدافع عن حقوق شعبنا العربي الفلسطينيّ بالبندقيّة والقلم، مهما حاول الغزاة تشويه الحقائق وتقليم أظافر المخالب الفلسطينية الغاضبة، وسنظلّ نحلم بذلك اليوم الذي نعود فيه إلى فلسطين نفلح أرضنا ونجني ثمارها بعد أن نلقي بالصهاينة في بحر غزّة ويافا ...

"يعني الثّورة ما انتهت"

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود