عرض مشاركة واحدة
قديم 02-07-2013, 09:50 PM
المشاركة 905
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ..........

9- عناصر الجمال في رواية "حدث أبو هريرة قال" للروائي محمود المسعديتونس:

- إنّ قارئ مولفات المسعدي يدركبوضوح اعتناق الرجل للمذهب الوجودي ولعلّه متأثر في ذلك بثقافته وبإقامته في فرنسازمن ازدهار هذا المذهب. غير أنّ وجودية الرجل تختلف عمّا ألفناه في كتابات سارتروكامو، لأنّه - ومثلما صرّح بذلك أكثر من مرّة - لم يكتب شيئا يدل على أنّ الحياةعبث.

- لا شكّ أنّه يؤمن أنّ الوجود يسبق الماهية وما على الإنسان إلاّ أن ينحتوجوده ويصوغ ذاته ويحقّق ماهيته من خلال ما يعرض له من تجارب. أليست هذه الفلسفةاحتفالا بالإرادة في معناها السامي؟ فيها الكثير من النفس الاعتزالي وتؤمن بجدارةالإنسان في أن يتحمّل أمانة هذا الكون، إنّ غيلان هو أبو هريرة وهو أنت وأنا وكلّإنسان وعى ذاته وعزم على أن يحقق وجوده الفردي والجماعي. هو الإنسان الذي قبِلالأمانة وتحمّل أن يكون خليفة اللّه في الأرض بكلّ ما تعنيه الخلافة من معنى. وهوالإنسان الذي طوّر المعارف والعلوم، وذلّل الطبيعة وقاوم الجوع والمرض وسعى إلى مافيه خير البلاد والعباد، هو الإنسان الذي بنى الحضارة ونشر قيم الحقّ والعدلوالحبّ.

- وجودية المسعدي لا تقنع بالموجود بل تطمح دوما إلى المنشود حتّى إن كانتتؤمن أنّها قد لا تدرك مطلق المنشود لأنّه صنو الكمال.

- غير أنّ هذا العمل لا يعنيالعبثية وغيلان ليس سيزيفا لأنّه يؤمن أن الفعل البشري لا يكتمل ومتى اكتمل الفعلكانت النهاية لأنك كما يقول المسعدي "إن أنت أتممت الفعل قتلته" وطبيعة الإنسانالسائر بصفة حتمية وطبيعية إلى العجز والفناء لا حدود لطموحها، وما قد يبدو اليوممعجزة سيبدو يوما آخر عاديا.

- كان لا بدّ لسدّ غيلان أن لا يكتمل بناؤه، لأنّهليس سدّا من حجارة بل هو الحلم الإنساني الذي لا حدّ له أكثر ممّا هو حلم شخص محدّدفي الزمان والمكان. ولو أنّ المسعدي جعل روايته تنتهي نهاية سعيدة باكتمال بناءالسدّ لكانت قصّة عادية وأقل من العادية لا تستحقّ أدنى اهتمام لأنها ستتحول إلىحكاية اجتماعية تنتهي بالزواج السعيد في فرح وسرور ولفقدت جلّ معانيها الإنسانيةالخالدة.

- قد نتّهم المسعدي بالقسوة على أبطاله وحكمه عليهم بالفشل والعبث بهم فينهايات مأسوية. ولكنّ المأساة من طبيعة الوجود البشري. ويكفي أنّ المرء يدرك تمامالإدارك أنّه محكوم عليه بالفناء ليشوب النقصان كلّ عمله .

- إنّ شخصيات المسعديوإن كانت كائنات من ورق على حدّ عبارة النقد الحديث فهي كائنات بشرية وليستأسطورية، وكان لا بدّ لأبي هريرة أن ينسحب من مسرح الأحداث لأنّه أتمّ دوره وعاش ماعاش من تجارب متنوعة، ولم يعد له ما يضيف إلاّ أن يكرّر ذاته. وما انسحابه إلاّإفساح المجال لغيره ليواصل رسالة الحياة ويحيا بدوره نفس التجارب بنفس مختلف نظرالاختلاف الظروف زمانا ومكانا. ولقائل أن يقول ما دام الأمر على هذا الشكل منالنقصان والفشل، ألا يُخفي إيمانا بعبثية الحياة ما دام سيزيف يسكن كلّ جهدوعمل؟

- إنّ المسعدي وإن آمن بأنّ الوجود سابق للماهية فإنّه كان ينطلق من واقعإسلامي ويختار شخصياته من هذا الفضاء وينزّلهم في مشاغل هذا الواقع وفي فضائهالثقافي والروحي .

- إنّه يكتب لمجتمع تونسي وعربي إسلامي قبل أن يكتب للإنسان فيالمطلق.

- إنّه يحمّل شخصياته طموحات هذا المجتمع في النهوض من التخلّف وبناء حضارةجديدة.

- إنّ المسعدي لا يستنسخ نماذج محنّطة بل يثور على الواقع الموروث ويسعى إلىجعله يعي ذاته ووجوده حتّى يصبح قادرا على الفعل وتحديد مصيره والسعي إلى تحقيق هذاالمصير.

- إنّ معنى الحياة عند المسعدي يكمن في الحياة ذاتها. فأن تعيش حياتك وتحققوجودك الفردي والجماعي ذاك هو معنى الوجود السامي .

- إنّ وجودية المسعدي ملتزمةبالفعل، وما دامت قد تنزّلت في واقع عربي إسلامي تخلّف أشواطا عن ركب الحضارة فلامجال للعبثية لأنّ للفعل السياسي والاجتماعي أو الثقافي معاني جليلة تنتفي أمامهاأحزان العبثيين وهي تحتاج إلى عمل أجيال وأجيال لنفي أسباب التخلف واستعادة الرايةمن جديد مع المحافظة عليها وهو مشروع يحتاج إلى سدود عظيمة تنشد الفعل وتحتفلبالإضافة حتّى يكتمل الصرح أو يقارب الاكتمال ولو بعد أجيال.