عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2021, 09:58 AM
المشاركة 68
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: حينما كنتُ طفلة
عندما كنت طفلة
كانت جدتي تقول لي دائماً
إن الغرباء لايشعرون بالدفء مهما تدثّروا
فبرد الغربة ينام في عظامهم
لأن مغادرة الأوطان تترك فيهم مساحات مرعبة
من الفراغ لايملؤها في الغربة سوى البرد
ولأن جذور الدفء يكون منبتها الأصلي في أرض الوطن
وكلما ابتعدنا عن الجذور، كلما قلّ الدفء
فكنت أحاول وأنا طفلة أن أستوعب
كيف للبرد أن ينام في عظام الغرباء؟
كنت أقف أمام الشبابيك المفتوحة
كي أمنح البرد فرصة الدخول إلى عظامي
لكنه لم يقترب منّي، فقد كنتُ طفلة دافئة
في داخلها مدينة كاملة من الأمان
وحين كبرت
تخليت عن الوقوف أمام شبابيك البرد
لكن البرد لم يتخلَّ عنّي
دخل كثير من البرد إلى جسدي
وتسلل إلى عظامي في أكثر مراحل العمر دفئاً
فتحولتُ إلى أنثى ذات أطراف باردة
عند مصافحتي الآخرين
فأدركتُ أن برد الغربة ليس هو البرد الوحيد
الذي ينام في عظام الإنسان
وأن هناك أنواعاً كثيرة من البرد
قد تتسلل إلينا في مراحل العمر المختلفة
وتحولنا إلى كتلة باردة
فهناك برد الحنين وبرد الفرح وبرد الخذلان
وبرد الدهشة وبرد الفقد وبرد الوحدة
وبرد الصدمة التي أعيشها الآن
والكثير من المشاعر التي قد تتسلل إلينا
على هيئة عاطفة وتسكب فينا من البرد الكثير.
وفي عظامي ينام برد الفقد
ذلك البرد الذي لاتسربه لنا الشبابيك
ولا يغادرنا بانتهاء فصل الشتاء
ولا يتسلل منا، حين نكون تحت أكثر الأغطية دفئاً
إنه ذلك البرد الذي تقشعرّ به أجسادنا
كلّما تذكرنا، تلك الأماكن أو الوجوه أو التفاصيل أو الحكايات
التي كانت لنا يوماً وطن أمان
ولسبب ما، غابوا، وغابت!