عرض مشاركة واحدة
قديم 04-24-2017, 01:39 AM
المشاركة 9
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فرنسا و دخول العهد الجديد

ملينشون ، أمون ، فيون ، لوبين ، و ماكون : أسماء أضاءت الشاشات الفرنسية والدولية على مدى الأربعة أشهر الماضية ، أمون ممثل الحزب الإشتراكي ، ملينشون ، اليسار الراديكالي ، فيون ممثل اليمين الفرنسي الديكولي ، لوبين ممثلة اليمين المتطرف ، وماكرون الوجه الجديد في السياسة الفرنسية .

إذا كان المؤسسة الأمريكية الحزب الجمهوي قد رضخ لشخصية ترامب التي وصلت إلى المنافسة باسم الحزب وهي لاتحمل مشروع الجمهوريين بل مصالح رجال المال الذين ربما سئموا من تقاليد المؤسسات الحزبية و فضلوا التخلي عن كوادرها و صنع رجالات يمثلونها مباشرة ، و توفير أسباب النجاح لهم ، فماكرون في فرنسا ذو الأربعين ربيعا و هو تيقنوقراطي جاء من صلب المؤسسات المالية تمكن اليوم حسب النتائج الأولية من التأهل إلى الدور الثاني من النتخابات الرئاسية التي ستستكمل بعد أسبوعين ، زعيمة اليمين المتطرف هي أيضا تأهلت دون صعوبات بينما مني الإشتراكيون بهزيمة قاسية ، ونفس الشيء حصل لابرز شخصية كانت ستقود فرنسا قبل أربعة أشهر والأمر يتعلق بفيون الذي أطاحت به نفس الفضائح التي أطاحت بساركوزي قلبه .

هذا من حيث الشكل ، أما المضمون فهذا الدور الأول أعطى مؤشرا قويا على يأس الفرنسيين من المؤسسات الحزبية التقليدية كما حدث في أمريكا ، فإذا شاهدنا ما يحدث في أمريكا و الصراع الذي المتأجج بين ترامب والمؤسسة القضائية التي تحاول كبح اندفاعه ، وإصراره أيضا على توقيع مراسيم تخالف التقاليد التقليدية للديمقراطية الأمريكية ، ليس أكثر من التوجه نحو المؤسسة ونعتها بالتشدد و عدم قدرتها على التعبير عن نبض الشارع الأمريكي و تمسكها بتقاليد بالية لا تعبر عن القرن الحادي والعشرين . ترامب مصر على مواصلة الصراع مع المؤسسة الأمريكية قضائية كانت أو إعلامية و هذه المؤسسة محكومة في الأخير بتغيير نهجها مادام الشارع يريد هذا و مادام الإنسان البسيط لا يؤمن بمصداقية هذه المؤسسات ، المهدي المنجرة طرح هذا الإشكال منذ التسعينات عندما نوه أن المؤسسة الحاكمة اليوم وليدة القرن الثامن والتاسع عشر ، ولا تستطيع الصمود أكثر ممّا صمدت ، و لعل ما تشهدده فرنسا ليس نشازا ، ففوز ماكرون الذي يؤمن يتهالك الموسسة الفرنسية و يعلن أنه ليسا ممثلا لا لليسار ولا لليمين ، بل لفرنسا الجديدة ، وهي نفسها الأيديولجية اليمينية المتطرفة التي ناضلت عائلة لوبين من أجلها . أي سحب البساط من يمين الوسط و يسار الوسط ، و إعطاء نفس جديد للسيادة الفرنسية . ترامب جمع بين يمينية لوبين و رأسمالية ماكرون ، و أظن أن الفاعلين الفرنسيين قصدوا التوجه نفسه . فظهور وثائق فساد فيون ليست بريئة كما أيضا الحملة المسلطة على ساركوزي قبله ، فالأمر في النهاية هو إقصاء الحزبين الذين سيطرا على المشهد السياسي الفرنسي منذ ديكول ، فإذا كان الحزب الإشتراكي فقط يؤتى به للحكم لامتصاص رتابة اليمين وأيضا للتداول وهو الحامل لإديولوجيا في صميمها ضد صناع القرار وضد النهج الليبرالي للدولة ، فحضوره في الحكم أصلا لا يؤثر إلا في بعض القطاعات الاجتماعية ، وقد دجنت أفكار اليسار أكثر من اللازم ، بل ربما تجتهد أحزابه في تنزيل مبادئ اللبرالية أكثر وأكثر للظفر ببعض المكاسب الاجتماعية البسيطة .

القفز نحو المجهول ربما يكون التوصيف الفعلي لما وقع في أمريكا و يقع في فرنسا ، رغم أن اليمين واليسار في فرنسا أعلنا مساندتهما لماكرون ضد لوبين في الدور الثاني فالأمر ليس إلا لكون ماكرون أقل ضررا من لوبين التي إن فازت ستقوم بانقلابات جذرية وماكرون سيسير ببطء . و ربما الحكومة الفرنسية القادمة ستكون حكومة وحدة وطنية ضد جبهة لوبين الآخذة في التنامي ، وقد تكون شخصية ماكرون هي صياغة ما لردم الهوة بين الحزبين اليميني واليساري ، لكن هذه الخطوة إن حدثت وغالبا ستحدث هو إعلان وفاة الاشتراكية الفرنسية ، والشيء نفسه حدث ذات يوم في إسرائيل وإن كنا لا نحب إعطاء أمثلة بهذا البلد العنصري ، لكن التركيبة الحزبية تكاد تكون هي ذاتها ، رغم الاختلاف .

إذا كانت ثورات الربيع و مايحدث في روسيا وتركيا يؤشر على شيء ما في العالم فهو تنامي المدّ القومي ، الذي هو تعبير عن إحساس بالضعف أو احساس باغتراب أو السير نحو الضياع ، و مهما كان هذا الخيار يقوي اللحمة الوطنية فهو أيضا ينذر بالتهور في الأخير ، فتعظيم الذات تأتي على حساب الغير و التوجه نحو النظم الفاشية الغارقة في الهوية و الأيديولوجية ليست نتائجه آمنة ، فإذا كان فكوياما كتب ذات يوم عن نهاية التاريخ وقد انهار المعسكر الاشتراكي و غردت من ورائه العولمة التي وجدت نفسها بلا أيديولوجية واضحة وإنما تضخم قطاع الأعمال والمال الذي بدأ يجتاح بلدان العالم ، فيرفع دولة في مدة قصيرة و يهبط بأخرى في رمشة عين ، فعابد الجابري قرأ نظرية صراع الحضارات بشكل آخر، فما هي إلا فرقعة لطمس نهاية فكوياما ، والإقرار بأن الوجود القومي في خطر ، فهي مجرد مبرارات للحفاظ على الانفاق العسكري و إعلان قانون القوة .

فإلى أين يتجه العالم .