عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2014, 01:38 PM
المشاركة 1190
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن



- لقد عاش القاص اليمني محمد عبدالولي في القسط الأكبر من حياته تعيسا , كان يجد متعته في الكتابة, فالكتابة على حدتعبير كاترين أن بوتر:- ليست قضاء وقت فراغ جميل, هي ليست شيئا يحدث بلاألم, إنها مهنة مرهقة وجادة.


- إن القاص محمد عبد الولي قاص وروائي على قدر كبير من الموهبة, وصاحب قدرة عالية في عكس الواقع بلغة شعرية شفافة.

- ولقد تأثركثيرا باللغة والتكنيك القصصي للقاص الروسي تشيكوف, وبحنا مينا, ويوسف ادريس.

- فلم يكن مترعا بالرومانتيكية, بل كان واقعيا ينتمي إلى المدرسة الواقعية, وهو ليس كمن:- (يمسك ورقة وقلما ويرسم إلها وبرتقالة).

- فهويمسك ورقة وقلما ليرسم واقعا حيا بتفاعلاته, وديناميكيته وبتقاطعاته وبألوانه الطيفية الحياتية>

- إنه كاتب متمرد على الواقع, واقع الفساد والرذيلة, والسكون والجمود, يمسك القلم لتصوير الواقع بفن وإبداع,

- ويشير بسبابته إلى موطن الضعف والجبن في المجتمع, يكره العادات الرتيبة والتقوقع,

- وتمرده ليس موضة, أو عبارة عن عنفوان شباب, وإنما هو التمرد الواقعي والسليم, ليخلق مجتمعا أكثر إنسانية واستقامة.

- لقد أدرك عبد الولي ضرورة تغيير الواقع, والخروج عن الجمود والرتابة, فبطل الرواية نعمان يقول:"أنا.. شاب مندفع لا يحب مطلقا أن تعيش بلا عجل.. بلا حركة.. بلا خفة.. وشعرت بالسأم بعد أيام من وجودي فيها (القرية)...".

- محمد عبد الولي في رواياته وقصصه, لا يريد من الجمهور أني تعاطفوا مع أبطاله, ولا يقصد إلى إثارة المشاعر والأحاسيس العاطفية الشكلية, يريد منهم أن يشاركوا في الحدث, أن يتحولوا إلى عمليين, يدفعهم إلى التغيير والثورة على الظلم والأوضاع البائسة.

- لم يقع كغيره من الناشئين في شبكة التقليد والمحاكاة.

-وظل يكتب على سجيته, دون التفات إلى حصيلته الثقافية.. فلقد كانت مرارة التجربة التي عاشها والصبا هي المسيطر الأول على إنتاجه...

- شهدت القصة اليمنية في حياة محمد عبد الولي ازدهارا لم يسبق له مثيل. ويعود في ذلك إلىتنوع تجربته الثقافية وموهبته الفنية التي صقلها بدراسته فن القصة.

- شخصية القصة والرواية عند محمد عبد الولي, اتسعت رؤيتها وانتقلت من الحالة الفردية إلى ؛النموذج« أي اليمن وأيا ما كان إزاء ظروف لا تشبه المأساة الكونية التي يتعرض لها البطل القديم, بل هي ظروف إنسانية وفي متناول يدنا, وفي مقدورنا تغييرها, أو ينبغي ذلك,

-من هنا لم تعد القصة تثير العطف أو الإشفاق أوالإعجاب, بقدر ما تثير روح التغيير للظروف الخارجية وإنقاذ الضحايا, ولم يعد المجهود الفردي كافيا , فلن يغير من الأمر شيئا.

- لقد حبك الكاتب خيوط نصه بمهارة الصانع الملم بأسرار صناعة السرد,

- وترك للقارئ مناسبة ملاحقة بناء النص وتتبع عوامله, وهودائم التساؤل عن سر الحكي الذي ضبط مساره, ويحدد وجهته, إذ لا يمكن تكوين فكرة عامة عن هذا النص إلا بعد الانتهاء منه..

- إن كل ذلك يجعلنا أمام نص متكامل العناصروالبناء, فهو كتلة واحدة, متراصة العناصر والأجزاء, وأي إهمال لأي منها لا يمكن إلا أن يسهم في تشويش الرؤية, كما أن أي إغفال لأبسط علاقة فيه لا يتولد عنه إلا اختزال النص, عدم النفاذ إلى جوهره, أو الكشف عن باطنه, والوقوف عند أهم ملامحه وخصائصه .

- الرواية لوحة فنية وأدبية لمجتمع ما قبل الثورة اليمنية, فالظلم هو الظلم في الشمال (الإمامة), والجنوب (الاستعمار).

- الرواية تعبير عن الإرهاصات الأولى لقيام الثورة اليمنية.

- فالميزة الرئيسية لأبطال الرواية الغربة, تتقاطع أنفاسهم وأرواحهم مع الواقع, وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص من الواقع الكئيب.

- فشخوص الرواية (أبطالها), (نعمان - محمد مقبل - الصنعاني - البحار (علي الصغير..), قد احترقت أناملهم بالواقع, واكتووا بنيران الظلم والعذاب, ولم يبق أمامهم من مفر سوى مواجهة الواقع بموضوعية وحذر, وإحداث انقلاب حياتي في المجتمع, لأن الظلم واحد في اليمن وأن تعددت أطيافه, ولابد من لحظة خلاص منه.

- إن بطل الرواية (نعمان), عاش في غ ربة ومكابدات نفسية وروحية وضياع افتقد فيها الهدف لحياته وفي أحايين كثيرة كسر الواقع أجنحة أحلامه, وظل أسيرا لحياة الغربة والانهزام حينا من الزمن حاول نسيان الواقع ومداواة جراح الغ ربة الروحية والنفسية, ولكن دون جدوى, فالضبابية والضياع صارت عنوانا لحياته السقيمة:-

- وفي نهاية المطاف تستيقظ روح التمرد في نفوس أبطال الرواية, ويقتنعون من أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بمواجهة الذات, والابتعاد عن حياة الزيفومواجهة الفساد والظلم وتغيير الواقع إلى الأفضل, وقبل قليل من تكشف الحقيقة ومعرفة الهدف, تموت زوجة نعمان (هند) وطفلها لعسر في الولادة.

- فبموت ؛هند« تتملك بطل الرواية (نعمان), كآبة وهوس وتشنجات لا حدود لها, فيقع فريسة للمرض والهذيان, ويكاد لا يصدق أنها ماتت, ولماذا ماتت?!! وكيف ماتت?!! لقد شعر بالذنب والمأساة, لأنه أحبها دون اكتراث وبعبثية.
-أما في لحظة الصاعقة, الموت أنبجست مشاعر الحب الحقيقية من كل مسامات جسمه, وتحول قلبه إلى كتلة من اللهب والتشوق لهند... وتقوده الكآبة والاضطرابات والتشنجات إلى حالة من الهيستيريا والانفعالات اللاشعورية, وتتساقط من لسانه بعصبية غير مألوفة كلمات ليست مستساغة, لقد فقد توازنه وغابت أحاسيسه الحية إلى حالة من الهذيا.

- رواية »صنعاء مدينة مفتوحة« صدرت قبل ما يربو على عشرين سنة ومن الصعب على القارئ أن يجد اليوم نسخة في المكتبة أو الأسواق, ودرست في الجامعات, ومثلت في مسلسل إذاعي, وقراء الرواية نزر يسير من المثقفين, لم تلفت انتباههم الفلتات اللفظية, بل كانوا يركزون على مضمون العمل الروائي.

- إن الرواية تبدو نقدا اجتماعيا للواقع, من خلال تصوير مأساته, وتبدو محاولة لإعادة ترتيب الماضي, ومحاكمته, وتبدو تبريرا للحاضر معا .
- إنها تبدو كل الأشياء, وتبدو ضباب الأشياء من خلال الدموع والمآسي, وتبدو لا شيء غيرغيبوبة واهية تحملنا إلى أول الطريق كي نموت مرتين. أو نزهر من خلال الموت ورداء حمراء هي الحياة. لذا كان الموت ليس دلالة اجتماعية وسياسية فحسب, ولكن قضية وجودية ونفسية أيضا, هذا ما يختاره المؤلف منذ لحظة الولادة .

==
سمير عبدالرحمن الشميري كاتب واكاديمي من اليمن
المصدر : مجلة نزوى