عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 02:22 PM
المشاركة 137
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
روافد

‫22/4/2005
مقدم البرنامج: أحمد علي الزين
ضيف الحلقة: بهاء طاهر

نص الحلقة الكاملة
أحمد علي الزين: تحتفل هذه المدينة دائماً بشيء بهي على مستوى الإبداع، ويجتهد بعض مثقفيها ومؤسساتها الثقافية في ابتكار مناسبة وترسيخها لتصبح محطةً موسميةً أو لقاءً يجمع الكتاب والمبدعين من أنحاء العالم، ليناقشوا أحوال تجاربهم ونتاجهم، مؤتمر الرواية واحدٌ من هذه التقاليد وفي مثل هكذا مناسبات تلتقي بوجوهٍ أقمت معها صداقات قديمة دون أن تعرفها وذلك عبر كتابٍ شكل جسراً مؤجلاً لمثل هكذا صداقة، بهاء طاهر قد يكون أحدٌ منّا التقى به قاصاً وروائياً في كتاباته في شرق النخيل أو خالة صفية والدير التي سبقته إلى أوطان كثيرة وبلغات كثيرة، أو في منفاه عبر روايته "الحب في المنفى" أو في "واحة الغروب" الذي نال عليها جائزة بوكير مؤخراً، وكثرٌ الذين عرفوا منذ الخمسينات من خلال الإذاعة المصرية في برامجه الثقافية الرائدة، على كل حال قد لا تخطئه حين تشاهده بنحوله وسمرته يتهاذى بين صحبةٍ وأصدقاء، وتتهادى معه السبعون بعزيمة المحكوم بالأمل دائماً، في حدائق دار الأوبرا يتسكع الكلام ونتسكع ولا بد أن نسأل بهاء الذي يختزن في وجدانه أحلام القومي والعروبي القديم ويزين من المراحل بميزان العقل النقدي الحر لا بد أن نسأله عن حال مصر وعن أحوال أيامها؟

بهاء طاهر: حال مصر زي حال الأمة العربية كلها، لا يختلف عنه في كثيرٍ أو قليل يعني، نحن دي الوقت نمر بمرحلة فيها كثير جداً من الأسئلة التي تحتاح إلى إجابات في حقيقة الأمر، وكانت هناك إجابات مطروحة ثم تم التخلي عنها، ولكن لا أجد أن هناك إجابات جديدة مطروحة لا في مصر ولا في غير مصر من المنطقة العربية يعني، لذلك فالموقف هو الترقب في انتظار الظهور الجديد..

أحمد علي الزين: الجديد، من أين يظهر الجديد يعني ونحن في هذا الليل الطويل أو النفق؟
بهاء طاهر: الحقيقة منك ومني ومن كل الناس اللي بيعتبروا نفسهم عقول الأمة، اللي بيعتبروا نفسهم أنهم عليهم مسؤولية خاصة من ناحية شعوبهم وناحية أوطانهم، عليهم أنهم يشقوا الطريق، وعليهم أن يكونوا روّاد في البحث عن هذا الأفق الجديد، ولكن لا أرى في الوقت الحاضر أن هناك مثل هذا المسعى الجاد من المثقفين لاجتياز هذا الطريق.

أحمد علي الزين: على سيرة المثقفين يعني كان لهم دور نهضوي تنويري يعني منذ مطلع العشيرينات وقبل، هذا الدور بلش هيك يتراجع تدريجياً حتى يحل محله نوع من الثقافات الغيبية والخرافية والـ.. يعني هيك ثقافات ظلامية إذا صح التعبير، وبدأ هيك دور المثقفين أو بعضهم يعني يذهب إلى الهامش يتهمش إلى العزلة إلى المنفى إلى الصمت أحياناً، كيف بتقرأ هالمؤشر هذا يعني؟
بهاء طاهر: الحقيقة خلينا نكون موضوعيين في الحكم على دور المثقف في المجتمع، المثقف رائد لمجتمعه لكنه ليس صانع لحركة هذا المجتمع، المثقف جزء من المجتمع، بمعنى أن ما يحدث في وطنه من متغيرات هو قادر على أن يلعب دور في تطويرها، لكنه ليس هو الذي يصنعها، ما يصنع حركة المجتمع هو إذا جاز لي أن أقول المجتمع ككل، المجتمع بمعنى سلطاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي تصنع حركة المجتمع، المثقف له دور في هذا له دور التنبيه إلى ما هو إيجابي والتنبيه أيضاً إلى ما هو سلبي في حركة هذا المجتمع، لكن لا يستطيع أن يصفق بمفرده، لا يستطيع أن يكون هو المحرك لحركة المجتمع لا يستطيع، لذلك عندما تقرأ تاريخ المجتمعات سواءً مجتمعاتنا العربية أو المجتمعات الأجنبية تجد أنه باستمرار اللحظات التي تحدث فيها نقلات اجتماعية خلينا نقول كده بيكون في هذا المحرك الرئيسي يعني عندك مثلاً ملك الشمس في فرنسا ها لويس الأربعة عشر ومن حوليه بقى مولير ومن حوليه كل اللي كانوا متمردين كانوا متمردين وكانوا يرغبون في تغيير المجتمع، ولكن هيئت لهم الفرصة حتى لو كان دفعوا ثمن فادح من التضحيات والمصادرة والبتاع، لكن هيئت لهم الفرصة لأن يبلغوا رسالتهم، أيضاً حدثاً نظير ذلك في مجتماعاتنا العربية في فترات معينة من التاريخ عندما أتاح محمد علي لرفاع التهطاوي ورهطه من من المثقفين فكرة إنشاء لأول صحيفة عربية الوقائع المصرية فكرة الترجمة فكرة التأليف، فنشأت حركة آتت أُكلها بعد ذلك بعشرات السنين لم تأتِ أُكلها في اللحظة نفسها، أيضاً في فترات أخرى في فترة الثورة المصرية الأولى في فترة ثورة سنة 19 عندما كانت هذه الثورة محركاً لظهور حركة أدبية مش بس أدبية واقتصادية أنك ما تقدرش تفصل زي ما قلت يعني فطلعت حرب في الاقتصاد، توفيق الحكيم وغيره في.. وطه حسين في الأدب، لا بد أن تكون الحركة حركة مجتمعية كاملة..

أحمد علي الزين: شبه متكاملة.
بهاء طاهر: لازم، لا بد أن تكون متكاملة ما بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي طبعاً.

أحمد علي الزين: طبعاً اليوم اليوم المؤشر لا يشير يعني إلى هذا التوازن يمكن..
بهاء طاهر: خلينا لا نتشائم ربما أن يكون هناك مخاض..
أحمد علي الزين: يعني إذا أردنا تبيان ملامح للمستقبل بتقديرك هو قاتم؟
بهاء طاهر: يمكن الحاضر هو اللي قاتم، لكني آمل أن يكون المستقبل مشرق.
أحمد علي الزين: بتقول أنت في مكان ما الفهم هو مدخل إلى التفاؤل، والفهم هو ليس أيضاً مسبب للحزن أحياناً.
بهاء طاهر: حتى الحزن حاجة إيجابية يا أستاذ أحمد، حتى الحزن إذا كان يترتب عليه الرغبة في التغيير فهو شيء إيجابي يعني ليس بالضرورة أن نكون مستبشرين ضاحكين متفائلين طول الوقت إذا لم يكن في الواقع ما يدعو إلى هذا الاستبشار وإلى هذا التفاؤل نفسه، ربما يكون الحزن على ما تؤول إليه الأمور هو رغبة في تغيير هذه الأمور، أذكر كلمة أحب جداً تكرارها عن الكاتب الروسي المعروف شيوكوف في القرن 19، قال: "أنا لا أكتب عن أشياء محزنة لكي تبكوا وإنما لكي تغيروه".

أحمد علي الزين: قد تكون "واحة الغروب" مدخلاً من مداخل التعرف على بهاء طاهر الكتاب الأخير أو الرواية الأخيرة التي تروي عن تجربة إنسانية وحضارية، تجربة حب بين محمود عزمي الضابط إبان الاستعمار الإنجليزي الذي ربطته حكاية حب سيدة من أصول إنجليزية وينفى إلى واحة صحراوية نتيجة لمواقفه وتأثراته بأفكارٍ نهضوية، يبدو بهاء طاهر يتكئ في هذه الرواية تحديداً على بعض معطيات نادرة ووقائع شحيحة عن ذلك الضابط لينسج عالمه وحكايته الخصبة في محاكاة الواقع، وقد يكون محمود عزمي الذي سماه محمود عبد الظاهر ليس إلا ركيزة ليبني عليها تلك الرحلة الصحراوية في مواجهة المجهول مع زوجته ورفاق دربه، ليسمح لخياله ورؤيته في جعل هوامش التاريخ والمنسي منه واحةً في هذا التصحّر الإنساني.
بهاء طاهر: هذه الرواية حتى ولو كنت قد اتكئت فيها على التاريخ ولكني أقصد بها الحاضر.

أحمد علي الزين: تحاكي الحاضر نعم.
بهاء طاهر: طبعاً أقصد بها الحاضر تماماً، وطبعاً فيه حرص شديد على الحفاظ على البيئة التاريخية في ذلك العصر وعلى الواقع الاجتماعي في ذلك العصر، يعني أنا أذكر هنا رواية اسم الوردة أعتقد أنه أبدع فيها في إعادة خلق الجو التاريخي، وأيضاً لكي يبلغ رسالة معاصرة فيها من خلال هذه الرواية اسم "الوردة"، فنعم يستطيع الكاتب إذا ما ابتعث..

أحمد علي الزين: أخذ مسافة.
بهاء طاهر: آه إذا ما ابتعث مرحلةً تاريخية واستطاع أن يُجسد هذه المرحلة التاريخية بنوع من الإقناع فإنه فعلاً يكون مكسباً، ولكن إذا ما اقتصر الكاتب على التسجيل التاريخي فإنه يعني أنا لا أحب روايات ولتر سكوت التاريخية مثلاً، لأنها عبارة عن سجل تاريخي ممكن أن تدخل أرشيف أي دار كتب، فتجد نفس الوقائع التي يتكلم عنها.. يعني ربما التاريخ إذا تم تناوله بدون الخيال المبدع لا يكون عملاً فنياً، لا يكون عملاً فنياً.

أحمد علي الزين: يعني هذا بصير في صنف التاريخ، يعني بالنسبة للمؤرخين هذه وظيفتهم هنّ، ولكن الكتّاب أو الروائيين هنّ بياخذوا التاريخ مادة أو ذريعة لحتى يقوموا ببعض الأشياء، أنت مثل ما ذكرنا يعني بمعظم أعمالك ابن الواقع ابن حياتك اليومية ابن مشاهداتك ابن البيئة أينما كنت بالأمكنة يعني، والسؤال ذاته ما بتحسّ حالك أحياناً ممكن تقع في شيء من، المباشرة أو بيطغى عليك الواقع بزخمه أحياناً بيطغى على مخيلتك بحد منها؟
بهاء طاهر: لا يستطيع الكاتب أن يكون حكماً على هذا أستاذ أحمد، أنا دائماً أقول أنه هناك محكمتين للكاتب، المحكمة الأولى: هي محكمة الجمهور عندما يصدر العمل، فإذا أقبل الجمهور على عمل ورفض عملاً آخر ديه محكمة أولى يعني، وممكن تغلط ممكن هذه المحكمة تخطئ تماماً يعني، المحكمة الأخرى محكمة الاستئناف التي لا يمكن أن يردّ حكمها هي محكمة التاريخ، فإذا استطاع العمل أن ينفذ بعد صدروه بعشرات السنين فإنه يظل بالفعل عملاً استطاع أن يتجنب المباشرة، وأن يقدم شيئاً باقياً، من المهم جداً في الأدب أن يكون ما يقدمه الأدب.
.
أحمد علي الزين: أن يبقى شيئاً منه.
بهاء طاهر: أن يكون فيه شيء أن يكون يتحدث عن شيءٍ باقٍ في الإنسان وفي المجتمع.
أحمد علي الزين: يعني الغربال الحقيقي للإبداع مش النقاد هو التاريخ.
بهاء طاهر: لا.. لا هو التاريخ.

أحمد علي الزين: شو رأيك بالنقاد أنت؟
بهاء طاهر: والله أنا عاصرت عصر ذهبي للنقد يا أستاذ أحمد، عاصرت مدرسة هائلة من النقاد، ما زال لدينا بعض النقاد المجيدين جداً وإن كانوا مش منتظمين في الكتابة، كنت أريد أن أقول أنني غير راضٍ عن حركة النقد الآن على الإطلاق على الإطلاق بالرغم أن هناك نقاداً مجيدين في مصر وفي كل الوطن العربي، ولكن المسألة تتعلق بأمرين أستاذ أحمد في رأيي، المنابر التي تتاح لهؤلاء النقاد نمرة واحد، والمناخ الاجتماعي الذي يحيط بالنقد، يعني النقد ليس هو مجرد تقريض أو ذنب وليس هو مجرد..

أحمد علي الزين: قراءة سطحية للأشياء.
بهاء طاهر: قراءة سطحية للأشياء، النقد أيضاً مرتبط بالمناخ الاجتماعي الذي يدور فيه الناقد، والحركة الأدبية بوجه عام.

أحمد علي الزين: وبالعلاقات الشخصية أحياناً.
بهاء طاهر: ده بقى النقد المريض الحقيقة هذا هو النقد المريض، هذا هو النقد الذي يمكن أن يسيء إلى الأدب لا أن يدفع به إلى الأمام.

أحمد علي الزين: يعني ما استطاع النقاد العرب أو التجربة النقدية بعالمنا العربي أن تراكم تجربة يعني بنقدر نتكئ عليها أو يعني نستأنس بها أحياناً في قراءة..
بهاء طاهر: برضه زي ما قلت لك أستاذ أحمد لا تدعنا نوجه اللوم إلى النقد وإنما إلى المجتمع، حأضرب لك مثال صغير..

أحمد علي الزين: كله مرتبط ببعضه.
بهاء طاهر: حأضرب لك مثال صغير جداً، يعني في الخمسينات والستينيات كانت الصحف اليومية تخصص للنقاد زي لويس عوض زي محمد مندور زي.. من كبار النقاد، ليس فقط صفحات بأكملها بل ملاحق بأكملها برغم أن عدد الصحف والمجلات في مصر وفي الوطن العربي تضاعف مراتٍ عدة، وإنما المساحة المتاحة للنقد تقلصت بشكل..

أحمد علي الزين: مرات عدة.
بهاء طاهر: مراتٍ عدة أيضاً كما تفضلت حضرتك، كثيراً جداً يعني أصبحت وقلت هذا وأنا متشبث به أن الحفاوة العامة والاهتمام العام الإعلامي والنقدي بمباراة واحدة لكرة القدم ما بين فريقين رئيسيين توازي ما يكتب عن الأدب في على سنة على امتداد سنة بأكملها، فمن هنا العيب ليس عيب النقاد وحدهم، هو عيب الإعلام وعيب المجتمع.

أحمد علي الزين: وأنت تقلب في صفحات قصصه وروايته تعثر على عاشقٍ من نسيجٍ خاص، عاشق لمصر كما يصفه محمود أمين العالم، هو من خلاصات تجربة اختلط فيها الإنسان بالثوري بالحالم بالمنكسر وبالمكابر، عاشقٌ مشحون بالشجن تكتشف سره خلف السطور، يظهر كعلامات أو ندوب لمآسٍ عاشها لفقد أهلٍ أو لحروب وهزائم، وتكتشف هذا المنسوب من الحب الذي يطفو، هذا المنسوب من الإيمان بدورٍ للثقافة، وهذا الشغف بحياةٍ راجحٌ فيها هواء الحرية معافاة من الظلم والجروح. طيب بنلاحظ بشغلك "منسوب الحب" عالي جداً.
بهاء طاهر: يا ريت.

أحمد علي الزين: يعني بتقديرك الحب بكل أصوله وفروعه هو خميرة جيدة لبناء عمل إبداعي أو حافز يعني؟
بهاء طاهر: بالطبع، يعني أنا شخصياً متفق معك تماماً في تعبيرك لدلالة الحب، والحب ليس فقط علاقة رجل وامرأة وإنما هي موقف من العالم، وموقف من الوجود، مهما تكون محباً للوجود أو كارهاً للوجود، فمن هنا أنا بعتقد فعلاً أن الحب هو مدخل رئيسي لرؤية الكون ولرؤية العلاقات الإنسانية.

أحمد علي الزين: وللحياة.
بهاء طاهر: ولرؤية العلاقات الإنسانية كمان.
حين أنزل في الصباح كثيراً ما أجد على محطة الأوتبيس فتاةً شقراء في خدها طابع الحسن، بمجرد أن تراني قادماً من بعيد تحوّل وجهها للناحية الأخرى، لا تنظر في وجهي أبداً مهما طال وقوفي، وعندما أعود إلى البيت في المساء أفتح التلفزيون وأغلقه وأفتح الراديو وأغلقه، أتجول قليلاً في الشقة الخالية، وأعدّل أوضاع الصور على الحائط والكتب في الأرفف، أغسل صحوناً، أكلم نفسي في المرآة قليلاً، يتقدم الليل.