عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2017, 11:51 PM
المشاركة 5
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* للشعر شيطانه الذي يروّضه:




ثمّة اتفاق ضمني بين معظم الشعراء العباسيين ومن سبقهم يحيل الشعر إلى قوة خارجة عن حدود البيئة أو الطبيعة ، فلكلّ شاعر شيطانه الذي يكون في حضرته لحظة استدعائه. و جاء ذلك في أخبار الجاحظ حين قال: " وأما قوله:

بنت عَمْرٍو وخالها مِسحل الخي ر وخالي هُميمُ صاحب عَمْرِو فإنهم يزعمون أنّ مع كلِّ فحل من الشعراء شيطاناً يقول ذلك الفحلُ على لسانه الشعر، فزعم البهراني أنّ هذه الجنّية بنت عمرو صاحب المخبَّل، وأن خالها مِسْحل شيطان الأعشى، وذكر أن خاله هُمَيم، وهو همّام، وهمّام هو الفرزدق، وكان غالبُ بن صعصعة إذا دعا الفرزدق قال: يا هميم"(2)



والشعر لدى مهيار يستقي مكانته من منابع الحسن ،في حين أنّ إعجازه يُرد إلى الجن وليس للشاعر ،

يقول مهيار :

لها في الحسن ينبوعٌ مديدٌ ..... وفي الإعجاز جِنِّيٌّ مُطيعُ(3)






أي أنّ الشاعر يستعين بالجن ليقوم بدوره الأساسي في الصياغة ، "ووفق مبدأ الاستعانة هذا يتحدد لنا أمران :

1- الشاعر مجرد وسيط ، 2- دوره سلبي " (4) .



وفي أحيان أخرى يخرج مهيار عن تسليمه بهذا المبدأ ، فنراه يفتخر بشعره الذي لا يضاهيه في جودته وإلقائه شيطان القريض ذاته ، بل على العكس نرى الأخير يرفع سمعه لينهل أكثر من تلك الدّرر ، ويطهّر سمعه برقيّها ، مسترقاً ذلك استراقاً لا ظاهراً ، فشيطان القريض هنا منافسه في صوغ القصائد وليس هو ملهمها أو ممليها عليه ، يقول في ذلك:

يَنُصُّ شيطانُ القريضِ سمعَه .... مرتقياً في جوّها مسترِقا(5)








فالشاعر يفتخر بقدرته على صوغ الشعر الجيد ، بدون الحاجة للاستعانة بشياطين الشعر وقريضه ، وهو بذلك ليس كأبي النّجم الذي يملي إبليس عليه الشّعر ، ويبقيه مجرد وسيط لإيصالها ، وقد ورد ذلك في قوله:

"إنّي وكلّ شاعر من البشر .... شيطانه أنثى وشيطاني ذكر



وقال آخر:

إنّي وإن كنت صغير السّن .... وكان في العين نبوٌ عنّي

فإنّ شيطاني كبير الجنّ"




و نجد مهيار في بيت آخر يتباهى بفصاحة أشعاره المعتّقة بأصالة العرب و التي تفوح منها رائحة الباديّة ، وهي نافثة في هالات السحر ، وكأنّ شيطان القريض أيضاُ لم يكن له دور في صياغتها ، وإلاّ لما كانت تنفث في عقود السحر التي هي اختصاص الشياطين والأبالسة. يقول مفتخراً بأبياته:

نوافثَ في عقود السحر تُنمَى .... فصاحتُها إلى رملِ العِقادِ(2)

و هذه المفارقة تبدي الثقة الكبيرة التي يشعر بها الشاعر تجاه صياغته للشعر ، فهو يدافع عن ذاتيته في القصائد التي تضعها أخيلته وأفكاره.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..