عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2010, 06:55 PM
المشاركة 20
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ثانيًا: في الالتزام الأدبي واتجاهاته:


رأينا كيف أنّ الوظيفة الأخلاقية في الأدب قديمة قدم الأدب نفسه، وأنّ الميل الإنساني الغالب كان باتجاهها لصالح الفرد والمجتمع والوطن والإنسانيّة والمعتقد.

ولكن هناك فرق بين الإيمان النظري بوظيفة الأدب الأخلاقيّة، وبين مفهوم (الالتزام) الحديث الذي ينبثق منها، ولكنّه يتجاوزها إلى تنظيمها وتعميق الوعي بها، وتحديد مسؤوليّة الأديب، وأحيانًا (إلزامه) بها، فالالتزام هو الشكل الواعي المنظّم للنظريّة الأخلاقيّة، وهي ممارسة حديثة العهد، وإن وجدت في التراث بشكل غير مستمر كالالتزام الديني في العصور الوسطى.

وأشهر الالتزام هو الالتزام النابع عن المذهبين الاشتراكي والوجودي.

- الالتزام الاشتراكي:
الواقعيّة الاشتراكيّة هي حصيلة النظرة الماركسيّة للأدب والفن، كما هي حصيلة التجربة الأدبيّة المعاصرة لكتّاب الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكيّة الأخرى، وأقطار مختلفة من العالم.

وينبني هذا الالتزام على أنّ الأديب ابن عصره وطبقته، والأديب تعبير عن التطورات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في العصر، وفي خضمّ صراع الطبقات لا يستطيع الأديب أن يقف متفرّجًا، أو ينقطع للتأمّل في ذاته وبرجه العاجي، إنّما هو مطالبٌ بالتجاوب مع الكفاح ونضال التقدّم والتحرّر والثورة، فالالتزام عند الواقعيّة الاشتراكيّة هو الالتزام بأهداف الطبقة العاملة، والسعي لتحقيق الاشتراكيّة.

وأبرز ما يلاحظ في مفهوم الالتزام عند الواقعيّة الاشتراكيّة التأكيد على النزعة الإنسانيّة، فلا أدب خارج الانسانيّة، ولا إنسانيّة خارج التقدّم الاجتماعي، ويعتبر الأديب: مكسيم غوركي الممثّل الأعظم للأدب الواقعي الاشتراكي.

- الالتزام الوجودي:
برز المذهب الوجودي في العصر الحديث، ونادى بالالتزام وروّج له، ولكنّ التزامه يختلف كلّية عن الواقعيّة الاشتراكيّة لأنه لا ينحو منحى أيدلوجيًّا، بل يجعل الالتزام نابعًا من وجدان الكاتب وقناعاته بلا معيار وتحديد واضح.

ولكل وجوديّ تجربته الخاصّة في الالتزام، وأشهرهم جان بول سارتر الذي دافع عن الالتزام، والأدب عنده خاصتان أساسيّتان مرتبطتان الواحدة بالأخرى: الالتزام واتّخاذ موقف، وهو يعفي الشاعر من الالتزام لأنّ الكلمة عنده لا تفيد معناها الدقيق، وبالتالي لا تتضمن موقفًا، ومع التدريج أخذت أعمال سارتر تكشف عن جوانب التزامه، وهي:

· التشديد على الأعمال الإنسانيّة.

· والنظرة الإيجابيّة للحريّة والتحرير.

· واستنكار العنف والاضطهاد.

· تحديد علاقة صحيحة بين الغايات والوسائل.
والجدير بالذكر أنّ موجة الالتزام الوجودي طغت على الأدب العربي في فترة الخمسينات وأوائل الستينات، وكان للأدب العربي في سوريّة محاولة الاستفادة من التجربة الوجوديّة بالمزاوجة بينها وبين القوميّة، في محاولة للتأكيد بأنّ الهدف القومي لا بدّ أن يكون نابعًا من صميم الكاتب وقناعته الخاصة.

- مناقشة في الالتزام:
يعدّ موضوع الالتزام موضوعًا حيًّا ومؤثّرًا في حياة الناس، ومن الممكن إيضاح مفهوم الالتزام من خلال الخطوط التالية:

· ليس الالتزام بالقضايا القومية والسياسية والاجتماعيّة والانسانيّة موقفًا مسقطًا على الأدب من خارجه، وإنّما هو شيء قائم في طبيعة الأدب نفسه.

· إنّ ما تفعله نظريّات الالتزام هو مجرّد تنظيم لفعاليّة الالتزام القائمة أصلاً في طبيعة الأدب، بحيث أصبح بإمكاننا اليوم الحديث عن التزام منظّم، وطوعي، وتلقائي.

· في جميع حالات الالتزام فإنّ الإبداع لا يتحقق إلا بالابتعاد عن الخطابيّة والإسراف من جهة، وبمراعاة الأفق الإنساني والمنظور المستقبلي من جهة أخرى، وهما ينقذان الأدب من الارتباط المباشر بالمناسبة، وتسمح لقطاعات كبرى بالمشاركة في تذوّق النصّ والتفاعل معه.

إنّ مقتل الأدب السياسي بارتباطه بالمناسبة، أو الانغلاق القومي أو الوطني أو الحزبي أو المذهبي، ومقتل الأدب الاجتماعي بالإسراف في العاطفة وتصوير البؤس وكأنّه قدر مفروض.

>>> يتبع..