عرض مشاركة واحدة
قديم 12-13-2011, 09:17 AM
المشاركة 127
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ابراهيم عبد المجيد:
أجرى الحوار: على ديوب

تواعدنا في مقهى ريش، و كان هذا الحوار:

* لفترة التكوين في حياة المبدع أهمية خاصة؛ فهي من جهة تحتوي على منابع تشكل الشخصية المبدعة، و من جهة ثانية تضيء منطقة التفاعل و التأثر بين كل من المبدع و معاصريه و بين المؤثرا ت البيئية و الاجتماعية.. هل تحدثنا عن تلك الفترة؟

** في الطفولة . إذ يبدو من حسن حظي أن والدي كان رجلا متدربا يعرف الكثير من القصص? (القرآن بصورة أساسيه), فكانت حكايته لنا عن الأنبياء والصحابة, و أبطال السيرة الشعبية.. تراث شفوي ضخم كان يمتاز به، نظراً لمنشئه الريفي..و لما كان حفظة القرآن يعفون من الجندية ( و كان هذا قبل الثورة), و قد كانت خدمة شديدة الصعوبة- حتى ان الكثير من الريفيين كانوا يلجأون لخلق عاهات في أجساديهم ليهربوا من الجندية؛ و كان والدي كان حافظا للقرآن , فقد أعفي من هذه الخدمة الشاقة.. هو لم يكن يعمل في الدين , لكنه كان يحمل تربية دينية تدفعه لتربيتنا بالقصص الديني( في الأماسي) ، بدلا من طقوس الجن والعفاريت.

اضافة إلى ذلك كان يحب الرواة الشعبيين , فكان كثيرا ما يصحب معه عازف ربابة , حتى يحقق لنا جوا اكتفائيا خاصا، يحمينا من اللجوء الى الشارع. من جهة ثانية كان يحب الرسم, اذ كان يزيّن و يملأ كراساتي بالرسوم.

في ذلك الحي القديم، حينا، كان يقطن الكثير من الفقراء الغرباء المحملين بالقصص والحكايات, و كان والدي يصحبني إلى جلساتهم، لأكون الولد الوحيد بينهم.. ؛ و هذا كان يتيح الفرصة للطاقات الروحية والمواهب الكامنة في داخلي لأن تخرج الى النور، دونما خوف.. ما منحني حرية في التعبير والكلام والحركة.

المدرسة ايضا كانت مهمة، نظرا لراحة التعليم ( وجود عدد قليل في الفصل - 15 على الأكثر ) اضافة الى ما كانت تشتمل عليه من انشطة ثقافية وهوايات, منها الشعر, الخطابة, الرسم, النحت, الموسيقى.. على يد أساتذة, الذين يملكون غنى مزدوجا. و لحسن الحظ أن الذين درسوني العربية كانوا من محبي الأدب، و المحدثين عن أعلامه الكبار. و كان المنهاج المدرسي يتضمن حصتين( مطالعة حرة) اسبوعيا، فيهما نقرأ بحرية، ثم يحكي كل منا للآخر عما قرأ.. و هو ما كان يعطينا جميعاً فرصة الإفادة المضاعفة، في الإلقاء والإصغاء.

و كانت المدرسة تقوم برحلة اسبوعية( يوم العطلة/ الجمعة) إلى السينما، منذ الابتدائية. و هذا ساعد على فتح و تخصيب خيالاتنا الطفلية، و زودنا بالجرأة في التقاط الصورة وتمثلها.

و علاوة على ذلك فقد كان الحي الذي أقطنه, مثل كل الأحياء المصرية سابقا، يحتوي على سينما شعبية- هي سينما مصر- و كنت من المواظبين يوميا على دخولها.. و كان هذا يتاح لنا مجاناً، أحيانا!

في مناخ كهذا، كان لابد للطاقات والمواهب الكامنة لديّ و لدى كثير من زملائي أن تنطلق؛ فمن لم يصبح منهم أديبا، غدا مشهورا في حرفة ما.

هذا التنوع الرخي: سينما، قراءة، لعب كرة، و شطرنج، و مطالعة؛ و غير ذلك الكثير مما كنت أشعر بالشراهة و النهم و الإدمان عليه، من ضروب التمتع المبكر و الذي كنت أجد الوقت الكافي له كله ... مكنني من أن أعيش فترة المراهقة بيسر و سهولة- كبقية أبناء مرحلة تمتاز بالرومانسية.

* و إذن من أين، و كيف ولد ذلك الطفل الرافض، في داخلك؛ من أين نبع توقك للتحرر?

** الواقع الذي تحدثت عنه كان جميلا، لأنني كنت طفلا. و ليس بالضرورة لأنه كان جميلا.. فعندما دخلت عالم القراءة اكتشفت انه عالم فقير جدا, و لا يليق بهؤلاء الناس، الذين يستحقون ما هو أفضل- و الذين كنت أكتبهم، بحب, لأنهم لم يكونوا، باعتقادي، مسؤولين عن هذا الواقع. و قد كانوا سعداء، لأنهم كانوا يخلقون عوالم أخرى من خيالهم..!

و لعل هذا لم يكن ليحدث قبل المرحلة الثانية من حياتي- مرحلة النضج الكلي- و التي أعقبت التقائي بأشخاص ماركسيين.. و بالمناسبة كانت تلك مرحلة صعبة، لأنها أعقبت هزيمة 1967التي كشفت لي أن هذا الواقع مؤلم, ينخره السوس.. و كان هذا يعني لي شيئا قاسيا, عرى أحلام جيلي، و كشفها أنها كلام في الهواء.. ؛ إذن: لقائي بالماركسيين- صدفة- دفعني لإعادة قراءة الواقع على ضوء المنهج الماركسي.

في الجامعة، رغم الميول الماركسية, إلا ان الفلسفة الوجودية استحوذت عليّ بسرعة ( كدارس للفلسفة).. و وجدت أن فكرة الاغتراب- الفكرة المحورية في الماركسية- هي نفسها موجودة في الفلسفة الوجودية، و لكن لأسباب أخرى.

أدركت قلق الاغتراب، من دون التفسيرين الماركسي والوجودي.. و ان حياتي تحفل به.. و لذلك تعتبر فكرة الاغتراب محورية في اعمالي. فأبطالي غير متوافقين مع المكان و لا الزمان. عندهم صبوات و رغبات اكبر من طاقاتهم المادية.. و هذا هو ما يسبب لديهم الشعور بالاغتراب، و التأزم الروحي.

* عادة ما يضيع الإبداع تحت أقدام محاربي القضايا الكبرى؛ هل استطعت النجاة بنفسك وسط النقع؟

** في أعمالي القضايا الكبرى ليست مباشرة, انما هي عناصر في تكوين الشخصيات، من أجل عرض قضايا اكبر.

ربما كانت روايتي الاولى( في الصيف 1967) مكرسة- كما هو واضح من عنوانها- لإعادة تقييم ما أتت به النكسة؛ لكن رغم ذلك فهذه الرواية حملت حوارا عن العالم و الوجود، هو اوسع من السياسة. ففيها من شعر الحلاج، و غيره، الكثير... إذن من البداية القضايا الكبرى موجودة، و لكن الى جانب، و بالتماذج مع قضايا الحياة اليومية, و هذا ما ظهر بشكل اوسع في روايتي الثانية( المسافات)، التي احتلت فيها قضايا الوجود المكان المحوري, و اصبحت السياسة و القضايا الكبرى روافد خفيفة.. فهي رواية مكان طارد للبشر- كأنها بحث عن فردوس مفقود.

* هل قدمت لك مدينتك( الاسكندرية) أكثر مما قدمت لها?

** لم أشعر أنها قدمت لي، و لا أشعر أني قدّمت لها؛ أنا أكتب عنها لأنني ممزوج فيها. و لا أجد فصلا بيني و بينها. فأنا لا أكتب لأني أريد ذلك؟ بل لأني و إياها شيء واحد, و اذا كان ثمة فضل لأحد الطرفين فهو للاسكندرية, و ليس لي. انا ولدت فيها لكنها هي التي صنعتني: تاريخها، حاضرها، ملاهيها، ناسها، و ثقافتها.. كل هذا كون ابراهيم عبد المجيد.

* أشخاص رواياتك ممسوسون بجنون خفي، يكشف طيبتهم و عمقهم معاً؛ هل هم أنبيائك المنتظرون؟

** الممسوسون في رواياتي هم كذلك بسبب من عدم توافقهم مع المجتمع. فهم أشخاص أكثر براءة من غيرهم. لا يستطيعون تحمل كل هذه القسوة، فيخرجون إلى مدار كوني آخر يرتاحون فيه.

==
صاحب "لا أحد ينام فى الإسكندرية"
يحكى عن علاقته الحميمةبالمكان
معتبرا العودة إلى تقاليد السرد "حداثة من نوعآخر"
إبراهيم عبد المجيد: أروى حكايات مجانين وشخصياتىمألوفة

أجرى الحوار فى عمان: موسىبرهومة



*أنت مسكون بحب الإسكندرية، كما لو كنت غارقا فى تأمل المطلق، ألهذاالحد يمكن أن تصل درجة الوله بالمدينة؟
**هذا تعبير قوى يتجاوز ما هو جار. العلاقة بينى وبينالمدينة حميمة، وأعتقد أن كل كاتب منذور لمكان ما، وهو المكان الذى قضى فيه السنواتالمؤثرة فى حياته، فى الإسكندرية أمضيت السنوات الأولى من عمرى، ورأيت العالم منخلالها، ومن الطبيعى عندما أكتب أن أكتب عنها، فأنا لا أعرف حتى الآن أن أكتب عن شئآخر، أو عن مكان آخر غير الإسكندرية.


وللمزيد للكاتب على هذا الرابط
مجلة أمواج سكندرية