عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-2010, 08:13 PM
المشاركة 48
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المشهد العشرون
( محمولا في النعش )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة الميتون عما قريب
ومرحبا بكم في مشهد آخر من مشاهد الرحلة الى المقابر

لقد تم تجهيزك بأسرع ما يمكن فالاستعجال في تجهيز الميت من السنة
حيث تم في المشهد السابق غسلك وتطهيرك وتكفينك ووضع الأربطة عليك خوفا من أن يفك الكفن عنك -
والآن ستذهب الى القبر وحدك
ولكن لن تذهب الى القبر ماشيا على أقدامك
بل محمولا في نعشك على الأكتاف
والكل حولك يهلل ويكبر والناس تقول مات فلان بن فلان وهذا يقول : مسكين كيف مات ؟ البارحة فقط كان هنا وكنت اكلمه البارحة قال لي كذا وكذا
رحمة الله عليه
المسكين نام ولم يصح من نومه وكان يعد اليوم أن يفعل كذا وكذا
أذكر أنه قال لي : أريد أن أكمل تعمير الشقة لأتزوج
المسكين كان يحلم بعروسه
كيف ستزف اليه وفي أي صالة سيقيم عرسه - لقد كان صحيح الجسم مفتول العضلات شاباً في ريعان الشباب
لا يعيبه شيء -
فسبحان من قال ( ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا تعقلون )
**تؤمل في الدنيا طويلا ولا تدري ** اذا جن الليل هل تعيش الى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة ** وكم من عليل عاش دهرا بعد دهر
وكم من فتى صحيح يصبح آمنا ** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

= روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
إذا تقارب الزمان انتقى الموت خيار أمتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من الطبق )
= فإنا لله وانا اليه راجعون .
إنا لله الذي أذهب عنا الأخيار وبقينا في غمار مع الأشرار
فلا للموت نعمل قبل اتيانه .. ولا أحد منا يقطع عن عصيانه-

= معاشر الموتى وأبناء الموتى أنتم موتى لا محالة وإنما سبقكم إخوانكم الى مناخ القبور-
فاذا استكمل ولد آدم من أولهم وآخرهم قام الكل للعرض والنشور على الملك شديد العقاب
على الملك الغفور- فهيا بنا نستعد جميعا لذلك المقام ونجتنب الأوزار والآثام ولنبادر بالتوبة قبل نزول الحمام
قبل أن نحمل الى القبور فهذا الذي تأخذه الدنيا بغرورها ينسى أنه ميت بعد حين
بعدها لا يبقى أي وقت لتصحيح ما مضى ..
يدفن أمه وأباه ويواري أخته وأخاه - ويحملهم بيده الى السكن الجديد-
ويلقي بهم تحت التراب ويعود
يا مـن سينأى مسرعـاً كمـا نأى عنه أبـوه
مثل بقلبك قولهــــم جــاء اليقين فلقنــــوه
وتحللــوا من ظلمـة قبـل الفـراق وودعــوه
وينسى المسكين أن غداً قريب
سيأتي اليوم الذي يكون هو الميت وينتظرمن يلقنه الشهادتين ويغسله ويكفنه
وينسى المسكين أن قيامته تقوم عند وفاته
فيتركه الأهل والخلان والأحبة والجيران وما أن يلفظ أنفاسه حتى يسارع الكل في دفنه ومواراته تحت التراب .
حكي عن بعض الصالحين رحمة الله عليه أنه قال :
دخلت على مريض
وهو في شدة سكرات الموت فقلت له :
كيف تجدك؟ فبكى بكاء مرّاً ثم قال يرثي
نفسه متأسفا على ما مضى :
رحلت عن الدنيا وقامت قيامتي ** عداة أقل الحاملـون جنازتــي
وعجـّل أهلي حفر قبري وصيّروا ** خروجي وتعجيلي اليه كرامتي
كأنهم لم يعرفوا قط صورتي ** غداة أتــى يومي علـيّ وساعتي

= فالله الله عباد الله عظوا أنفسكم بآباكم وأحبابكم وجيرانكم وإخوانكم فان ذلك
بلاغاً لمن تذكر وعبرة لمن تفطر إخوانكم كانوا بالأمس معكم هنا كانوا يجلسون
وكذا وكذا كانوا يحبون بالأمس فقط كانوا يأكلون مما تأكلون ويلبسون مما تلبسون-
فأصبحوا اليوم وقد صارت القبور لهم بيوتاً وصاروا بين أطباق الثرى
خفوتا قد قسم الوارث أموالهم وبكاهم الناس وتذكروا أحوالهم
وما هي إلا أيام ونسوهم وتركوهم في وحشة القبور وحدهم لا أنيس ولا جليس-
تحوم حولهم حيات وزنابير عقارب وصراصير
صاروا طعاماً لدود الأرض
رأيت الموتى لا يبقي خليلاً ** على خل وإن عاش زمانا
فكن منه على حذر فإنـــي ** رأيـت الموت لا يعطي أمانا
أنسـنا غـُرّة منـه كأنــّـا ** بمـا نعنـي به يعنـي سوانــا
وكـم للمـوت من دار ودار ** أبـان عميرها عنا فبانـا
فكـم ذي نخـوة وعزيـز قـوم** أذل الموت عزته فهانـا
كأنـّا قد نظرنـا عن قريب ** إلى ما قـد وعدناه عيانـا

= وذكر أن شيخا من تيماء كان يجلس إليه أصحابه وهو في أشد حالات المرض
وكأنه يودّع الدنيا فلما همّوا بالقيام من عنده قال لهم : قوموا قيام من يئسوا من المعاودة حذراً من القاطف للنفس ( ملك الموت ) ثم بكى وبكوا معه أصحابه .

= غدا سيشيع جثمان فلان إلى مثواه الأخير ما رأيك أن ترافقه الى المقابر
وترى ما يفعل به عند إنزاله القبر وتتخيل أنك أنت المكفن المحترم وأنت الذي
سيلقى على وجهك التراب لا تغتر بصحتك وشبابك
ستغادر المقبرة وريقك
قد جف من هول ما رأيت فتسرع الى كوب من الماء البارد تلقيه في جوفك تخفف به عن نفسك وجع ما رأيت

= روى أيو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أول ما يحاسب بها العبد
يوم القيامة أن يقال له : ألم أصحّ جسمك وأرو ِك من الماء البارد ؟
فلا تغترّ بصحتك واحمد الله عليها وعلى هذا الماء البارد الذي سكن خوفك
غدا تموت
وكأنك لم تذق لقمة هنيئة في حياتك
وكأنك لم تشرب الماءالبارد قط
سلام على أهل القبور الدوارس ** كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة ** ولم يأكلوا من خير رطب ويابس
ألا خبروني أين قبر ذليلكم ** وقبر العزيز الباذخ المتنافس

فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس
الصحة والفراغ )
= وحكي عن ابن السماك :
أنه حضر يوما جنازة .. فلما نظر الى القبور بكى
وقال لأصحابه : معشر الاخوان ألا متأهبّ لموت يوصف له ويراه أمامه ؟
ألا مستعد ليوم فقره ونزوله الى حفرته وقبره ؟
ألا شاب حازم قد بارز لمنيته وما اغتر بقوته ؟
ألا شيخ قد بادر لانقضاء مدته فشمر السير فيما بقي من رمقه؟
ماذا ينتظر من دفن أباه وقبر أمه وأخاه ؟؟
ألا انما الدنيا بلاء وفتنة ** وبينا الفتى فيها مهاب مسود
إذا انقلبت عنه وزال نعيمها ** فأصبح من ترب القبور يمهد
فكن خائفاً للموت والقبر بعده **ولا تك ممن غره اليوم أو غد

قال الفضيل بن عياض :
تلقى الوالدة ولدها يوم القيامة فتقول له يا بني :
ألم يكن بطني لك وعاء ؟ ألم يكن ثديي لك سقاء ؟
ألم يكن حجري لك وطاء ؟
فيقول بلى يا أماه .. فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي فتحمل عني منها ذنبا واحداً
فيقول : اليك عني فأنا مشغول بنفسي عنك يا أمي
أتركيني وحـِملي .

هذا هو حالي وحالكم فالسلام عليكم أهل مضايق اللحود
سلام عليكم أيها الميتون عما قريب
انتهى المشهد
ألقاكم غداً بإذن الله تعالى .. هذا إن عشت ليوم الغد
لا تنسوني من الدعاء


....... يتبع
مع تحياتي ... ناريمان الشريف