عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
22

المشاهدات
12616
 
عمر مسلط
من آل منابر ثقافية

عمر مسلط is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
614

+التقييم
0.10

تاريخ التسجيل
Sep 2007

الاقامة
الأردن

رقم العضوية
3984
08-23-2012, 02:12 PM
المشاركة 1
08-23-2012, 02:12 PM
المشاركة 1
افتراضي مسلسل عمر .. غياب العَبقرية .. في نمطية السرد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رؤية فنية بقلم / عمر مسلط


" لقد تحولت الدولة الإسلامية في عصر عمر من إمارة عربية إلى قوة عالمية ، وخلال هذه الفتوحات الرائعة وضعت سياسة عمر المنضبطة جدا ، المبادئ لإدارة البلدان المفتوحة, وان تركيبة الإمبراطورية الإسلامية التي قد حكمت بعده بما تتضمنه من خبرة قانونية ، يعود الفضل بوجودها إليه " (الموسوعة البريطانية/ إصدار 2009)

... بعيدا عن السياق التاريخي لفترة خلافة عمر ، ومع إقرارنا بحسن النية لكل من ساهم في هذا المسلسل ، إلا أن تقمص شخصية بحجم هذا الخليفة العظيم يحتاج لجهد وطاقة استثنائيتين ودراية للبعدين الفكري والنفسي لإنسان وضع أسس الدولة الإسلامية المترامية الأطراف قانونياً وإدارياً وسياسياً وعسكرياً ... فالوصول إلى أقرب حد لهذه الشخصية شبه مستحيل ، فهي شخصية مركبة انتقلت من قمة القسوة الى ابعد حدود الرحمة وهي التي عُرفت باتخاذها إما أقصى اليمين او اقصى اليسار، فكيف لنا أن نغوص في اعماقها ... وأكاد أقول لو أن هذه الشخصية عُرضت على شين كونري نفسه لتردد في تجسيدها ، كيف لا وهي من قيل بحقها لو كان نبيا من بعدي لكان عمر ... ونتساءل .. هل كان عمر سيقبل بأن تعرض سيرته بأي شكل من الأشكال على فضائياتنا المعاصرة ، وبقراءة تاريخية ودرامية (خاصة) لا نعلم مدى مصداقية (بعض) تفاصيلها والتي ربما وضعت لخدمة البعد الدرامي للمسلسل لا أكثر ... وهنا تكمن خطورة تمييع الشخصية وتبسيطها كي تفقد بريقها وعظمتها المتخيلة في عقل المشاهد !

إن تجسيد شخصية فكرية أو سياسية معاصرة قد يحتاج لمراجعة تاريخية وجهد ليس بالهين للتًمكن من هذه الشخصية ، ومع ذلك يخرج علينا النقاد والمحللين بسيلٍ من الإنتقادات والإعتراضات على هذه الشخصية...

فنياً .. لا نحتاج لكثير من الجهد كي نلاحظ بعض الأخطاء التقنية والإخراجية للمسلسل ، فعملية القطع بين بعض المشاهد جاءت بطريقة مربكة وسريعة لا تخدم السياق العام لمشهد قد يكون بالغ الاهمية ، مثل مشهد حديث عمر لأولاده بعد توليه الخلافة ... إضافة الى بعض الهفوات التي لا تصدر عن طاقم فني محترف الا اذا كانت نتيجة الارهاق الذي اصاب طاقم العمل وهذا ما اجزم به .. أما تمثيل المعارك فما زال كما عودتنا عليه الدراما العربية سطحياً وهزيلاً ومُستهلكاً ، وبدون قراءة فنية إخراجية ( شاملة) لزوايا وتفاصيل المشهد ، فتحريك الجموع ما زال يفتقد للإنضباط والسيطرة ، وطريقة رمي السهام وتوقيت مقتل من تصيبه ما زالت تتم بأسلوب تمثيلي بعيداً عن الإحتراف ، ما يؤثر سلباً على أناقة المشهد وجمالية اللقطة ، وكم أخرجتنا اللهجة السورية والمغربية من جو النص والعمل بشكل عام .. ولست دارساً للتاريخ ، كي أقرر مدى توافق شخصية سراقة بن مالك مع ذلك المهرج الذي شاهدناه في المسلسل ، ومثلها شخصية ابو هريرة والتي تُشكك بوضوح في مصداقية الرجل .. وما يثير التساؤل في كثير من المسلسلات التاريخية هو إظهار الجموع بتعابير وجوههم القاسية والمتجهمة والقلقة.. لا شك انها الصحراء .. لكن ألم تنجب ذات الصحراء أناساً جمعوا بين الرجولة والفروسية والوسامة في أبهى صورها ؟!

ما لفت انتباهي وكثيراً من المشاهدين هو رصد الكاميرا المشبوه وبطريقة مكشوفة لتعابير وجه علي بن ابي طالب وحركة عينيه المُشككة بصمت مريب في كل ما يدور حوله وهو الذي لم يكن يخشى في الحق لومة لائم ، فكيف يلوذ بالصمت عن امر لا يرضيه وهو من أعرق منتسبي المدرسة المحمدية ، منهجا ورأياً وشجاعة .

... في معرض حديثي هذا ، أنا لا أبحث عن أخطاء بقدر ما أعبر عن دهشتي لمسلسل كلف الملايين وتم الترويج له بإثارة وتشويق ، لكننا لم نجد ذلك الإبهار البصري المتوقع ، وتلك اللقطات المثيرة للمعارك ، مع الإقتصاد في تكريس سحر الصورة مع المؤثرات الصوتية لإيجاد لقطة قد تبقى في الذاكرة لسنوات طويلة .. فهل نسينا لحظة استشهاد حمزة في فلم "الرسالة" .. تلك اللقطة التي أبدعها العقاد باحترافية مدهشة ، في فلم اختصر قصة الإسلام في ساعتين أو ثلاث ، مع موسيقى تصويرية لم يأتِ أحداً بمثلها حتى الآن ، فجاءت منسجمة مع النص بطريقة مذهلة ، فلم تزل عالقة في الذاكرة حتى هذه اللحظة .. لأن " موريس جار" إستوحاها من الأذان الذي نسمعه خمس مرات في اليوم ... فكان إبداعاً عز نظيره !

... بقي أن نقول ، أن الخط الدرامي العام للعمل كان يوصلنا في بعض الحلقات ومن دون قصد إلى قوالب جاهزة للأقوال الشهيرة والعظيمة لعمر، وهذا يحدث كثيراً في الأعمال الفنية ، لأن النص المكتوب غالباً ما يختلف ويتغير عند تصويره تلفزيونياً أو سينمائياً ، أما عبقرية الشخصية فكأني إستشعرت غيابها في طول ونمطية السرد .. ومن جَسَّد شخصية عمر في هذا العمل ، استطاع وباجتهاد مضنٍ ، ان يصل للبعد الخارجي الأوَلي للشخصية .. أما استحضار البعد الداخلي ، فلا شك أنها عملية بالغة التعقيد .. ففي هذه الحالة يجب عليك أن توائم بين البعدين بتوازن مرهفٍ دقيق .. بمعنى أن تحول في لحظة سريعة ، القسوة والجدية والحزم والشموخ والكبرياء ، إلى رقة ورأفة ودموع وبكاء ، وما أظن أن هذا بالأمر الهين على أي ممثل كان .. وفي النهاية أنت تتحدث عن رجل وافقه القرآن في عدة مواضع ، وعن رجلٍ أسس دولة ، وغَيَّر تاريخ ... ولا شك .. أنك تتحدث عن عمر !


سَيدَتي ... أجمَلُ الوَرد .. هُو الذي تُغطيه الأوراق !