عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2012, 11:30 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثالثا : التيار السلفي ..

يخطئ من يتعامل مع التيار السلفي بعمومه كتيار واحد متصل , إذ أنه تيارات متباينة ومختلفة بل وتظهر الخلافات الجوهرية بين رموزه فى الجماعة الواحدة ..
وبعيدا عن التقسيمات الأيدلوجية فيمكننا تقسيم التيار السلفي إلى فرعين رئيسيين التيار السلفي الجهادى وتيار السلفية العلمية ,
وتيار السلفية الجهادية هو التيار المعروف الذى لجأ إلى استخدام السلاح فى مواجهة السلطة , وله ما له وعليه ما عليه ..
أما التيار الأكثر بروزا وتأثيرا فى الحياة العامة هو تيار السلفية العلمية باتجاهاته المختلفة ,
وقد اختار تيار السلفية الجهادية موقفه الإيجابي من الثورة وكان هذا متوقعا , بعد أن عانى رموزه عبر المدى الطويل من معتقلات وبطش النظام ,
أما تيار السلفية العلمية فقد تعددت توجهاته بتعدد رموزه على الفضائيات وغيرها ..
وإن كان الأغلبية منهم قد اختاروا جانب النظام فى أمر متوقع منهم حيث دأبت هذه الأغلبية على التعامل مع السلطات تعامل الحليف طمعا فى عدم استعداء السلطة عليهم كى لا توقف نشاطهم ,
وهو الأمر الذى لم يرق لبعض أتباعهم من الشباب فتمردوا على تلك الوجهة , لا سيما بعد أن شجعهم الإتجاه السلفي المناصر للثورة والذى تمثل مثلا فى د. وجدى غنيم والشيخ حازم أبو إسماعيل ود. راغب السرجانى ود. صفوت حجازى والشيخ أحمد السيسي وغيرهم
فهؤلاء وغيرهم كانوا من أشد المنادين بالثورة وليسوا من مناصريها وحسب , ولم يكتفوا فقط بأن ناصروا الشباب وأصلوا التأصيل الشرعى لوجوب خروجهم فى المظاهرات ـــ وليس السماح به فحسب ـــ وإنما حملوا حملة عظيمة كذلك على المشككين فى شرعية المظاهرات من أصحاب السلفية الفضائية ــ إن صح التعبير ـــ وكان من أبرز الذين ردوا على تلك الآراء المثبطة للهمة د . وجدى غنيم .. وكان مرضيا لهؤلاء الشباب الذين وقفوا حائرين أمام بعض شيوخهم وهم يتلقون أوامر النهى عن المظاهرات والتسبيح بحمد النظام الحاكم قبل وبعد الثورة ..
وكان وجدى غنيم نموذجا للسلفي المستند إلى أصوله , وكان همه فى خطبه الهتاف بالإصلاح السياسي والتصدى لظلم النظام الحاكم والدفاع عن الشريعة التى ينتهكها النظام ولم يسلك كغيره مسلك خطب العبادات وحسب وكفي الله المؤمنين القتال , بل تصدى للنظام ودفع الثمن تشريدا واعتقالا حتى اضطر إلى الهرب بدينه حتى اليوم بعد أن لفق له النظام محاكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن ظلما فى قضية ملفقة
وبعد الثورة كان يستطيع العودة لو أنه نافق ــ كغيره ــ المجلس العسكري الحاكم فى مصر إلا أنه استمر على نهجه ومنواله لأن نظام مبارك لم يتغير وانتقد المجلس العسكري فى كافة سياساته ورفض العودة مقابل المنافقة

وما يهمنا فى موضوع اليوم ــ موضوع الثورة المضادة ــ هو التعرض للشبهات وللأقاويل التى أثارها بعض الدعاة حول مشروعية المظاهرات واستمروا على نفس الوتيرة بعد الثورة فى مناصرة المجلس العسكري وأصبحوا أداة فى يد المجلس للتشكيك فى الثوار وتخوينهم واتهامهم واتهام الثورة بشتى ألوان التهم الأخلاقية المنافية للحقيقة , حيث مثّلوا ــ وبحق ــ فصيلا كبيرا من فصائل الثورة المضادة ..
ومما يحمد لعلماء الثورة أنهم ما سكتوا عن هذا كما لم يسكتوا عن فساد النظام السابق , فبينوا وأبانوا الحق لمتبعيه ..

وهذه المجموعة من الدعاة التى جعلت نفسها أداة من أدوات الثورة المضادة هم أنفسهم الذين كانوا فى العهد السابق أداة للأنظمة الحاكمة جميعها ــ وليس النظام المصري فحسب ـــ وانتهجوا فى سبيل ذلك طريق علماء الدين فى المؤسسات الرسمية وكانوا هم جبهة علماء السلطان , والذين كانت تركن إليهم سلطات الأمن فى تجنب ثورة الشباب تجاه أى جريمة من جرائم النظام ..
وقد تضاربت مواقفهم وآراؤهم وفتاواهم تضاربا شديدا فيما قبل وبعد الثورة وكان هذا التضارب سببا فى ثورة العديدين من الشباب السلفي الذين شارك بعضهم بكثرة فى كافة فعاليات الثورة سواء ضد النظام السابق أو ضد المجلس العسكري بعد أن اكتشفوا أن شيوخهم يتلاعبون بهم فى الواقع !
ومن هذه المواقف المخزية موقف التيار السلفي فى الإسكندرية من حادثة مقتل الشاب السلفي سيد بلال والتى أعادت للأذهان عملية قتل الشاب السكندرى خالد سعيد وكلاهما كان من إرهاصات الثورة , حيث رفضت القيادة السلفية هناك أن يخرج الشباب السلفي فى مظاهرات منددة ضد جرائم أمن الدولة , وبدا هذا الموقف بالغ الغرابة لا سيما إن وضعنا إلى جواره موقف بقية التيارات السياسية التقليدية التى هبت فى مظاهرات حاشدة تدافع عن سيد بلال وتتضامن مع أسرته بينما رفض التيار السلفي التجاوب مع تلك المظاهرات بإرهاصات من أمن الدولة !
ويبدو هذا الموقف متضاربا فى شدة مع المظاهرات الحاشدة التى سيّرها التيار السلفي فى قضية كاميليا شحاته مثلا ! , تلك القضية التى أعاد السلفيون إثارتها بعد أن هدأت عقب الثورة وتسببت فى فتنة ذهب ضحيتها قرابة 12 مواطنا هى وفتنة جديدة لبطلة جديدة تُسمى عبير !
ولا أحد يدرى لماذا كانت المظاهرات فى قضية عبير وكامليا مشروعة , بينما فى سبيل سيد بلال وخالد سعيد مُجرّمة وكبيرة من الكبائر ؟!
وذهبت كل تلك المظاهرات هباء عندما خرجت كامليا شحاته بشخصها فى أشد القنوات المسيحية تحريضا على الإسلام وهى قناة الحياة , لتعلن أنها ستظل على دينها باقية عليه !

ومن هذا المدخل نتعرف على كنه هذا الإتجاه المؤثر داخل التيار السلفي ألا وهو تيار المهادنة مع الدولة مهما بلغت جرائم النظام , ليس هذا فقط بل والدفاع عن النظام بشراسة ضد دعاة الإصلاح فى سبيل الحفاظ على العلاقة الوثيقة بينهم وبين أجهزة الأمن ..
وفى نفس الوقت الذى كانت فيه ممارسات أمن الدولة ــ ضد الإسلاميين بالذات ـــ كانت أهم أوجه قيام الثورة كان رموز المهادنة من التيار السلفي يمتدحون الشرطة ويلتمسون لها الأعذار بل وأشاد بعضهم بمبارك ونظامه فى كل مواقفه فى خطب علنية وكأنه صار خليفة من خلفاء المسلمين ..
وفى وقت الثورة استخدمهم النظام استخداما تاما حيث حفلت خطب هؤلاء الدعاة بتحريم الخروج للمظاهرات وأفتى أكثرهم بأنها تعتبر خروجا على الحاكم وهو الجريمة الكبري فى الشريعة الإسلامية وانصرف بعضهم إلى تحميل المظاهرات مسئولية افتقاد الأمن والأمان وأن المتظاهرين هم أسباب فتنة ينبغي استئصالها ..
وبعد هذا الموقف وبعد أن نجحت الثورة بفضل الله وقعوا فى التناقض الأكبر ..
إذ قام السلفيون الذين هاجموا الثورة بشراسة وأفتوا بعدم مشروعيتها باستغلال ثمار الثورة والحرية التى جلبتها وقاموا بتنظيم أنفسهم سياسيا وحزبيا وتقدموا إلى الإنتخابات النيابية وصاروا الحزب الثانى على مستوى أعداد المقاعد فى مجلس الشعب ..
كل هذا ..
دون أن يخرج منهم واحد يبرر لنا هذا الموقف المتناقض الرهيب الذى تمثل فى عدة نقاط ..
أولها : ما دامت الثورة كانت خروجا على الحاكم ــ وفق فتاواهم ــ فلماذا استثمروا نجاحها بهذا الشكل ودخلوا فى العملية السياسية .. وكانوا قبل ذلك مجرد كائنات مستأنسة سياسيا ليس لها أى ذكر أو حساب فى الحرب المستعرة بين الشعب والنظام وحكومته ولا حتى فى معارك النظام ضد الإسلام !
ثانيها : ما هو مبرر عزوفهم عن دخول الحياة السياسية فى الماضي أثناء عهد النظام السابق , فإذا كان مبررهم أن هذا النظام نظام ظالم لا يسمح بالحرية فلماذا وقفوا معه فى الثورة إذا واعتبروه شرعيا ؟!
ثالثها : كان للسلفيين فتوى سابقة تصف الإلتحاق بمجلس الشعب على أنه خروج عن التوحيد ــ وفق ما قاله وجدى غنيم ردا عليهم ــ ولهم فى ذلك كتاب شهير عنوانه ( القول السديد فى أن دخول مجلس الشعب ليس من التوحيد ) وهو عنوان يعبر تماما عن المضمون ..
فما الذى تغير بعد الثورة ؟!
هل أصبح مجلس الشعب قبلة التوحيد بمجرد أن نجحت الثورة فى الإطاحة بمبارك ؟!
وإذا كان الأمر كذلك فمعنى هذا أن الثورة هى التى نقلت البلاد من حالة الشرك إلى حالة التوحيد .. وعليه يظل السؤال قائما لماذا تخرجوا فيها أو على الأقل لماذا لم ترحموا الثوار من ألسنتكم ؟!
رابعها : ما دامت أحداث الثورة ومظاهراتها هى السبب الوحيد الذى منحتكم شرعية العمل السياسي بعد الكبت السابق , فكيف يستقيم أن تتسلط القنوات الفضائية على التيار السلفي وتتخصص فى مهاجمة الثورة والثوار باتهامات ليس عليها دليل أو حتى شبهة دليل , فى مقابل استمرار مسلسل النفاق من نظام مبارك إلى نظام المجلس العسكري ..
بل إن الأمر بلغ بقناة الناس أن توزع أوامر كتابية على ضيوفها من الشيوخ بعدم انتقاد المجلس العسكري بأى صورة من الصور وتحت أى ظرف من الظروف وهو الأمر الذى استفز الشيخ محمد عبد المقصود ورفضه بعد أن أعلنه على الهواء فى أحد برامجها ..
وهذا ما يعكس بوضوح وجلاء أن أصاب هذا الإتجاه ليسوا مخلصين للدعوة ولا للحق بل هم مخلصين للنظام , وتكشف تلك الواقعة فى وضوح كيف أن النظام السابق كان يستخدمهم ــ برضاهم أو غصبا ـــ فى مصالحه مقابل منحهم الحق فى ممارسة العمل فى الفضائيات والأنشطة الدينية شريطة مناصرة النظام , ومن النظام السابق ورث المجلس العسكري تلك السيطرة الغريبة على فضائيات السلفيين وضيوفهم , والتى دفعت المجلس للتعامل مع القنوات كأنها قنوات حكومية بل وأكثر !
ومكمن الفضيحة هنا أن المجلس العسكري لا يستطيع ــ مهما فعل ــ أن يُملي على القنوات العلمانية تلك السياسة أو أن يعاملهم كمعاملته للقنوات الإسلامية , بل تعج الفضائيات الحرة بانتقادات للمجلس العسكري وسياساته كيفما شاءت ودون أن يرهبها شيئ
والذى يهمنا هنا أن المجلس العسكري بلغ به التجبر أنه لم يكتف أن القنوات الإسلامية هى بطبيعتها تطبل وتزمر له ليل نهار بل مارس عليها القهر إلى درجة مطالبته لهم رسميا ـــ كما رأينا ـــ بانعدام النقد نهائيا لسياسة المجلس وهو ما خلا منه حتى التليفزيون المصري نفسه ـــ والذى يعتبر علامة فى النفاق والتبعية ــ حيث أن بعض برامجه تجاوزت الخط الأحمر وانتقدت المجلس انتقادات هينة , ولكنها انتقادات على أية حال
وهذا ما يوضح لنا كيف أن السلطة تلاعبت بالنشاط السلفي وأن السلفيون قبلوا ذلك حرصا على مصالحهم الإقتصادية فى تلك القنوات والجمعيات التابعة لهم .. ولهذا وقفوا صفا كالبنيان المرصوص سواء للنظام السابق أو للمجلس العسكري وريث سلطة مبارك .. والفتاوى المنظمة والمصنوعة والمفصلة حسب مقاس أفعال النظام تخرج فى ثوان لتكون فى خدمة أفعاله !

وكما أنه من المستحيل أن تجد لأحد منهم انتقادا واحدا جديا ضد نظام مبارك فالمستحيل الأقوى أن تجده فى مواجهة المجلس العسكري .. بل كان تعاملهم الدائم مع سياسة المجلس العسكري هو التبرير على طول الخط مهما بلغت فداحة الجرائم التى ارتكبها المجلس بسياسته المتخبطة فى إدارة المرحلة الإنتقالية ..
وبدا هذا واضحا فى موقف القنوات الفضائية التابعة للسلفيين من مظاهر القتل والإعتقال والضرب والسحل الذى مارسه المجلس العسكري فى عدة مظاهرات انتهت بكارثة مظاهرات نوفمبر .. والتى رأينا فيها الدعاة يبرزون ويبررون للمجلس العسكري أفعاله حتى وصل الأمر بهم للتحريض العلنى المباشر ضد المعتصمين فى شارع مجلس الوزراء واعتبار قتلهم وسحلهم أمرا شرعيا باعتبارهم يعطلون مصالح الدولة !
وهذا الأسلوب المنافق المستفز هو الذى دفع الداعية وجدى غنيم لاعتبار حزب النور ينتهج سياسة ميكافيللي ودعاه أيضا لانتقادات شديدة اللهجة ضد هؤلاء الدعاة الذين شككوا خصومهم فضلا على أتباعهم فى حقيقة ما يأمر به الإسلام , وهل هو دين الصدع بالحق فى وجه كل ظالم أو دين الخنوع والخضوع والمداهنة !!