الموضوع: ندى الحرف
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2021, 11:32 AM
المشاركة 245
خديجة قاسـم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: ندى الحرف
سباق
تطلق الحياة صافرتها معلنة بدء سباقها اليومي.. هنا فكرة تضيق أنفاسها فتتهالك على قارعة الإهمال، وهناك إحساس يعدو بأقصى سرعة علّه يبلغ المرام، وآخر يلهث بعد طول جري ليفاجأ بسراب مخاتل يصفعه بكف السخرية ونظرة الاستهزاء، وخليط قليل من هذا وذاك يتلقف سترة النجاة -ربما في اللحظة الأخيرة- ليصل بوابة الخلاص.
يكثر المتسابقون في المضمار الذي بات يضيق بأعدادهم، فتارة يعرقل هذا وأخرى يشدّ ذاك وقلّما يحتفي بأحدهم ويسهّل له درب الوصول.
البعض يأخذ استراحته على ناصية السكون الذي يطرب على زقزقة طيور الصباح تهدي الكون قصائدها الرقيقة، والبعض الآخر يحث خطاه لينهي مسيره في هذا المضمار بأقل الخسائر
وهناك من لا يزال مقيما في محراب ليله يذرف دمع يأسه وهو يلوك أفكاره التي سكب فيها ليله ألوانه فلا يبصر وجه البكور الناطق بالنور والحبور
تتجمع المتناقضات وتتصارع في داخل الإنسان الذي بالكاد يدري أين يجد لقدميه موطئا في زمن الغاب والخراب..
يريد أن يحيا، يحيا فقط، وما الحياة كائنة إن كان وقودها كرامة، وما الحياة هانئة إذ تلبس طوق العبودية وقيد الهوان
يريد أن يحيا، يحيا فقط، بإنسانية لم يعرفها مذ حبست في كهوف الظلم والجبروت .. بحب ما عاد يبصر معالمه مذ غدا في مهب ريح الزيف والخداع.. بصفاء تكدرت مشاربه فما يظفر بالماء المعين..
يريد أن يحيا، إنسانا وما الإنسان فيه بمنأى عن سهام العابثين!
في قلبه جمرة توقد جمارا.. وفي روحه أحلام غدت أصفارا ، وفي عقله شتات وصراع وضجيج لا تهدأ طبوله المزعجة ولا يصمت دويّه الذي يصمّ هدوء النفس وسكونها، وفي يديه خواء يكاد يخلو حتى من الهواء!
رغم أنف الحياة.. يختال الموت العابث في طرقاتها، يطرق أبوابها بقوة أكبر من قوة الأجل الذي له موعد وكتاب، يستفز هذا وينال من ذاك، ويحبس في النفوس أنفاسها مشتهية زفيرا يخفف وطأة الآه من هذا البؤس والمتاه
يبدأ انتشار السكون الذي ما هو إلا كالقش الذي يخفي الجمار.. يؤوب الناس إلى ليلهم يتلمسون فيه شيئا من هدوء يلملم أوصال فكرهم وشتات أحاسيسهم .. يعقدون هدنتهم اليومية على أمل بقادم أفضل ..
سويعات ويستيقظون على ذات الصفارة ..
ويبدأ السباق!