عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2017, 06:58 PM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وتقول في المقطع الثالث:
"هَا تَوَحُّدُنَا لَيْسَ يَكْتَمِلُ/ إِلَّا فِي وَهَجِ الْجُنُونِ/ وجُنُونِي .. لَيسَ يَشْحَذُهُ/ إلَّا دَبِيبُ نَبَرَاتِكِ النَّقِيَّةِ!/ دَعِينَا نَأْتِيهِ/ مِنْ حَيْثُ تَكُونُ لَذَائِذُهُ/ فِي انْتِظَارِنَا".
"هَا تَوَحُّدُنَا لَيْسَ يَكْتَمِلُ": وتكرر الشاعرة حرف التنبيه "ها" في قصيدتها مرتين، وللتكرار وظائف فنية وجمالية ينهض بها في النص و“الشاعر من خلال تكرار بعض الكلمات والحروف والمقاطع والجمل، يمد روابطه الأسلوبية لتضم جميع عناصر العمل الأدبي الذي يقدمه، ليصل ذروته في ذلك إلى ربط المتضافرات فيه ربطاً فنياً موحياً، منطلقاً من الجانب الشعوري، ومجسداً في الوقت نفسه الحالة النفسية التي هو عليها، والتكرار يحقق للنص جانبين، الأول: ويتمثل في الحالة الشعورية النفسية التي يضع من خلالها الشاعر نفسه المتلقي في جو مماثل لما هو عليه، والثاني: ( الفائدة الموسيقية)، بحيث يحقق التكرار إيقاعاً موسيقياً جميلاً، ويجعل العبارة قابلة للنمو والتطبيق، وبهذا يحقق التكرار وظيفته كإحدى الأدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل موقفه وتصويره؛ لأن الصورة الشعرية على أهميتها ليست العامل الوحيد في هذا التشكيل”(16).
قد يسهم تكرار الحروف، إضافة لدوره الصوتي وحضور الحالة الموسيقية أو النغمية للقصيدة، في ربط الجمل ليدخل في تكوينها، وربط الجمل فيما بينها، فيكون لتكرار الحروف دور بنيوي يتعدى الحالة الموسيقية ليدخل في تركيبها، و“التكرار لا تقتصر وظيفته على تلخيص الغرض، أو توكيده بهدف التأثير في المتلقي وتنبيهه، ولا على اعتباره لازمة تفصل المقطع عما يليه، وإنما يؤدي التكرار دوراً بنائياً داخل بنية النص الشعري بوصفه يحمل وظيفة إيقاعية وتعبيرية؛ الغرض منها الإعلان عن حركة جديدة تكسر مسار القراءة التعاقبية،لأنها توقف جريانه داخل النص الشعري، وتقطع التسلسل المنطقي لمعانيه،وهذا كله يتطلب البحث عن عمق الدلالة النفسية لأثر التكرار في تحقيق جمالية النص وقوته البلاغية”(17).
"إِلَّا فِي وَهَجِ الْجُنُونِ":كناية عن العمل الخارق للعرب في نفي خلافاتهم والشروع في لحق ركب العالم المتحضّر، فعلى العرب الانطلاق نحو التوحد وينطلقوا بالسير بشكل جنوني؛ ليصلوا مرادهم ويشاركوا في الركب الحضاري العالمي عوضا عن التفتت والتشتت وتضييع ثرواتهم للأجنبي المُمَزِّق، والصورة الشعرية جليَّة وواضحة، فللجنون وهج كما لقبسات النار.
"وجُنُونِي .. لَيسَ يَشْحَذُهُ": والصورة الشعرية هنا تتمثل في أن الجنون يٌشحَذ ويُسَن كما السكين.
"إلَّا دَبِيبُ نَبَرَاتِكِ النَّقِيَّةِ! ": وقد شبَهت الشاعرة دَبِيبُ نَبَرَات العرب النَّقِيَّةِ بالمِسَنّ...استعارة مكنية، وللنبرات دبيب، وهذا انزياح إضافي، "فالمتلقي عندما يسمع كلمة "دبيب" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "الدابّة" مثلا لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "نبراتك" ، ومنه أيضا "نَبَرَاتِكِ النَّقِيَّةِ! فجاءت "النقية" صفة لل"نبرات" وهذا الانزياح يولد الإثارة في نفس المتلقي، وهو من جماليات الانزياح بمختلف أشكاله.. وذلك بخلخلة بنية التوّقعات ولإحداث فجوة، تعمّق حسّ الشعريّة في نفس المتلّقي، ممّا يكسب النص توتّراً وعمقاً دلالياً خاصاً، فقد تفجّر المُركَّب بالشعرية باعتباره نقطة التحوّل ومنبع اللذة والإمتاع.
"دَعِينَا نَأْتِيهِ"/ "مِنْ حَيْثُ تَكُونُ لَذَائِذُهُ": وتنتقل الشاعرة للأسلوب الإنشائي وهو الأمر الذي يفيد التمني، فتتمنى الشاعرة من العرب التوحُّد والابتعاد عن التفرقة والتشتت والتمزّق، وفي هذا تتجلى اللذة النفسية والروحية.
"فِي انْتِظَارِنَا": وهنا انزياح، فاللذائذ تنتظر كما ينتظر شخص من شخص اللقاء والالتقاء.
وللشاعرة حرية لجوئها للسريالية والغموض، فنحن "إذا حددنا للشاعرة أطر الصورة، وألزمناها بهذه الأطر الواضحة الحدود، وطلبنا منها أن تقدم صورة واضحة ضمن هذه الأطر، فإننا بهذا الإلزام نحد من خلقها وإبداعها، ونقف حائلا دون حريتها في التصور"(18).
وتستمر الشاعرة في قصيدتها قائلة في المقطع الرابع:
"أَيَا قَصِيدَتِي الْخَالِدَةَ/ دَعِينِي/ أُقَشِّرُ لِحَاءَ عَتْمَتِكِ/ أُضِيءُ كُلَّ تَفَاصِيلِكِ/
لِتُكَلِّلِينِي بِالْفَرَحِ/ فَمَا انْتِظَارِي/ إِلَّا وَجَعَ لَذَائِذِي الْمُؤَجَّلَةِ/ الْــ مَا عَرَفَتْ طُرُقَ الْتِحَامِهَا"
"أَيَا قَصِيدَتِي الْخَالِدَةَ"/ "دَعِينِي"/ "أُقَشِّرُ لِحَاءَ عَتْمَتِكِ":
وتستمر الشاعرة في شدوها موظفة الأسلوب الإنشائي الذي أنهت به مقطعها السابق، والنداء يفيد التمني، وكذالك الأمر في قولها "دعيني" وقد أوضحنا ذلك سابقا في حديثنا لعنوان النص.
"أُضِيءُ كُلَّ تَفَاصِيلِكِ": صورة جميلة وانزياح عذب، فللعتمة تفاصيل والتفاصيل تُضاء، والشاعرة تعنى بصورها الفنية "فقيمة الشعر تنبثق- غالباً- من لغته التصويرية المحسوسة التي تجسد المعاني والمشاعر، في هيئات وأوضاع بشرية عن طريق التشبيه أو الاستعارة أو التمثيل، ومعنى ذلك أن الشعر إنما يقوم بوظيفته الفنية حين يقدم صوراً يدركها المتلقي إدراكاً حسياً فتؤثر في وجدانه، وتنفذ إلى مشاعره، فالحواس هي أبواب المشاعر والنوافذ الطبيعية إليها(19).
"لِتُكَلِّلِينِي بِالْفَرَحِ": كناية عن فرح الشاعرة وهي تتحدث عن واقع العالم العربي الذي تنتمي إليه وتضع الأصبع على الجرح لتضميده، وللفرح إكليل كما للعروس، فلا يغمر قلب الشاعرة الفرح إلا بتوحدهم وتقدُّمهم.
"فَمَا انْتِظَارِي"/ "إِلَّا وَجَعَ لَذَائِذِي الْمُؤَجَّلَةِ": وها هي الشاعرة تنتظر زوال الخلافات العربية، وتصهل الصورة الشعرية، فلِلّذائذ وجع والوجع قابل للتأجيل.
"الْــ مَا عَرَفَتْ طُرُقَ الْتِحَامِهَا": وهنا تلجأ الشاعرة لتوظيف تقنية الانزياح بالحذف في قولها "ال" والتقدير "التي" وللانزياح متعة يتلذذ بها المتلقي.
وتزخر السطور بالصور الشعرية بشتى أنواعها، ومنها الصورة السريالية الغامضة التي "تفور فورانا من أعماق اللاوعي. إنها الصورة الشرارية اللامعة المتفجرة من أعماق العقل الباطن." (20).
والنص الشعري لأي شاعر "تركيبة معقدة ومحصلة لعوامل متعددة فيها الأيدلوجي والاجتماعي والسيكولوجي والثقافي وغير ذلك، وإن اللغة هي الوعاء الذي تنصهر فيه" (21)
وتختتم الشاعرة النص في المقطع الخامس قائلة:
"أَيَا سَلِيلَةَ هذَا الْقَلْبِ الْمُعَنَّى"/ "حَسْبُكِ .. أَمَسُّكِ مَسًّا"/ "فَتَشْتَعِلِينَ خَفْقًا"/ "كَحَالِ قَلْبِي .. الْــ تَمَسُّهُ أَطْيَافُكِ!".
"أَيَا سَلِيلَةَ هذَا الْقَلْبِ الْمُعَنَّى": وتستهل الشاعرة هذا المقطع موظفة الأسلوب الإنشائي مستخدمة النداء ومخاطبة نبض قلبها المتمثل في قصيدتها هذه، والنداء يفيد التمني، فتتمنى نجاحها في وصف واقع العالم العربي المنقسم على نفسه، وتتأسى الشاعرة وتحزن –والحزن دوما متربع على قلبها- على هذا الواقع الأليم الذي يخدم الطامع والعدو.
"حَسْبُكِ .. أَمَسُّكِ مَسًّا": وتتمنى الشاعرة توفيقها ونجاحها في وصف مكابدة العالم العربي.
"فَتَشْتَعِلِينَ خَفْقًا": كناية عن أن الحزن والمرارة حاضران في ثنايا حروف القصيدة كحضورهما في أقبية قلب الشاعرة.
"كَحَالِ قَلْبِي .. الْــ تَمَسُّهُ أَطْيَافُكِ!": كناية عن أن القصيدة انعكاس عن رؤى الشاعرة وما تكابده، وفي السطر انزياح بالحذف في قولها "ال" وقد أوضحناه آنفاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين