عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
3456
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
10-11-2017, 06:56 PM
المشاركة 1
10-11-2017, 06:56 PM
المشاركة 1
افتراضي الغموض في قصيدة "دعيني.. أُقَـــشِّـــرُ لِـــحَـــاءَ عَـــتْـــمَـــتِــــكِ"


الغموض في قصيدة "دعيني.. أُقَـــشِّـــرُ لِـــحَـــاءَ عَـــتْـــمَـــتِــــكِ" للشاعرة آمال رضوان بقلم د. عبد المجيد جابر اطميزه
أولا: النص
"دعيني.. أُقَـــشِّـــرُ لِـــحَـــاءَ عَـــتْـــمَـــتِــــكِ"
شعر / آمال عوّاد رضوان

مُنْذُ ظَمَأٍ بَعِيدٍ
وَأَغْبِرَةُ صَمْتِي
مَا نَفَضَهَا شِتَاءُ دَلَالِكِ!
رُحْمَاكِ
أَعِينِينِي عَلَى ظَمَئِي
وَلَا تُصَافِحِي بِالنَّارِ .. سَبَئِي!
هَا نَبْضُ صَوْتِكِ
حَبِيسُ أَدْرَاجِ هَيْكَلِي المَسْكُونِ بِكِ
يُذْكِي وَجَلِي الْمُؤَجَّلَ
ويَفُضُّ خَوْفِيَ الطَّاغِي!
***
أَيَا آسِرَتِي .. تَرَفَّقِي بِي
أَطْلِقِي حَفِيفَكِ .. مِنْ قُمْقُمِهِ
لِيُمَارِسَ رَقْصَتَهُ
وَلِتَشْحَذَ نَايَاتِي.. أَنْهَارُكِ الْمَدْفُونَةُ!
***
هَا تَوَحُّدُنَا لَيْسَ يَكْتَمِلُ
إِلَّا فِي وَهَجِ الْجُنُونِ!
وجُنُونِي .. لَيسَ يَشْحَذُهُ
إِلَّا دَبِيبُ نَبَرَاتِكِ النَّقِيَّةِ!
دَعِينَا نَأْتِيهِ
مِنْ حَيْثُ تَكُونُ لَذَائِذُهُ
فِي انْتِظَارِنَا
***
أَيَا قَصِيدَتِي الْخَالِدَةَ
دَعِينِي
أُقَشِّرُ لِحَاءَ عَتْمَتِكِ
أُضِيءُ كُلَّ تَفَاصِيلِكِ
لِتُكَلِّلِينِي بِالْفَرَحِ
فَمَا انْتِظَارِي
إِلَّا وَجَعَ لَذَائِذِي الْمُؤَجَّلَةِ
الْــ مَا عَرَفَتْ طُرُقَ الْتِحَامِهَا
***
أَيَا سَلِيلَةَ هذَا الْقَلْبِ الْمُعَنَّى
حَسْبُكِ .. أَمَسُّكِ مَسًّا
فَتَشْتَعِلِينَ خَفْقًا
كَحَالِ قَلْبِي .. الْــ تَمَسُّهُ أَطْيَافُكِ!
ثانيا: التحليل الأدبي
جو النص: يتمثل في الخلاف والاختلاف بين الدول العربية، فمنها من تحالف مع الغرب لتدمير دول عربية تعتبرها الدول الغربية حجر عثرة أمامها في تنفيذ سياساتها المتمثلة في إضعاف العرب والسيطرة على أموالهم والاستيلاء على منابع النفط ووارداته.
العنوان: "دعيني.. أُقَـــشِّـــرُ لِـــحَـــاءَ عَـــتْـــمَـــتِــــكِ"
ويتكون من جملتين فعليتين، الجملة الأولى، فعلها فعل أمر "دعيني..."، والثانية فعلها فعل مضارع "أقَـــشِّـــرُ" وفاعلها: ضمير مستتر "أنا" ومفعول به "لِـــحَـــاءَ عَـــتْـــمَـــتِــــكِ" والعتمة رمز لدياجير الظلام وتدمير القلاع العربية بأيدٍ عربية وتخطيط أجنبي. ومردّ ذلك الخلافات العربية العربية.
والعنوان موحِ بانزياحه الإضافي، فللعتمة لحاء، وللعنوان أهمية كبيرة في النص، و"يرى رولان بارت أن العناوين عبارة عن أنظمة دلالية سيميائية، تحمل في طيّاتها قيماً أخلاقية واجتماعية وإيديولوجية، هي رسائل مصكوكة مضمنة بعلامات دالة، فبارت يهتّم بالعنوان، وكُل هذا الاهتمام كونه مقتنعاً بأنّ مهمّة السّيميائيات هي البحث عن الخفيّ والمسكوت عنه والموحى إليه إيحاءً."(1)
وعنوان النص عند شاعرتنا دال "فالعنوان طاقة حيوية مشفّرة قابلة لتأويلات عدّة قادرة على إنتاج الدلالة".(2)
"وعموما فالعنوان هو مجموع العلاقات اللّسانية التّي يمكن أن ترسم على نص ما من أجل تعيينه، ومن أجل أن نشير إلى المحتوى العام و أيضا من أجل جذب القارئ". (3)
و"العنوان يحظى باهتمام بالغ في الدراسات السيميائية، فيعتبر "أكبر ما في القصيدة، إذ له الصدارة، و يبرز متميزاً بشكله وحجمه." (4) كما في قصيدتنا هذه.
إن الإحساس الصادق في شعر الشاعرة هو انعكاس لنبضات قلبها وخفقات وجدانها وتوق روحها إلى خلاصٍ ما، ويجب احتواء الشعر على ديباجة قوية وأسلوب ممتاز؛ ليمكن قراءته ولكي يثير المسامع والروح معاً، لهذا فقد تميز شعرها بالجمالية والعناية الفائقة.
تقول الشاعرة في مستهل نصها:
"مُنْذُ ظَمَأٍ بَعِيدٍ"/ "وَأَغْبِرَةُ صَمْتِي"/ "مَا نَفَضَهَا شِتَاءُ دَلَالِكِ!" "رُحْمَاكِ"/ "أَعِينِينِي عَلَى ظَمَئِي"/ "وَلَا تُصَافِحِي بِالنَّارِ .. سَبَئِي!" /"هَا نَبْضُ صَوْتِكِ"/ "حَبِيسُ أَدْرَاجِ هَيْكَلِي المَسْكُونِ بِكِ"/ "يُذْكِي وَجَلِي الْمُؤَجَّلَ"/ "ويَفُضُّ خَوْفِيَ الطَّاغِي!".
"مُنْذُ ظَمَأٍ بَعِيدٍ": كناية عن أن الشاعرة ترنو إلى الوحدة العربية ونبذ الخلاف فيما بين دولها منذ شبابها، وفي السطر انزياح إضافي؛ فالموصوف "ظمأ" يتوقع المتلقي عند سماع تلك الكلمة أن يتلوها صفة ككلمة "شديد" لكنه يتفاجأ بسماع كلمة "بعيد" والانزياح أو الانحراف عن المعيار من أهم الظواهر التي تميز اللغة الشعرية عن السردية مع منحها شرف الشعر وخصوصيته. وهذا النوع من الانزياح يتسم ببعض السمات المصاحبة له كالابتكار والجدة والنضارة والإثارة. ومن الأمثلة على الانزياح الدلالي ما يسمى بانزياح النعوت عن منعوتاتها المتعارف عليها، وهذا مثال على ذلك.
ونلاحظ عند شاعرتنا توظيفها للانزياح بشتى أشكاله، ولا شك أن قمة الانزياح تحدث في قصائدها، حيث تعتمد على الكثافة والغموض الشعري والصور المتخيلة التي تبتعد عن الصور الواقعية كما في الشعر الرمزي أو المدرسة الرمزية في الشعر.
"وَأَغْبِرَةُ صَمْتِي"/ "مَا نَفَضَهَا شِتَاءُ دَلَالِكِ! ": كناية عن أن صمت الشاعرة على التفرقة العربية كان صمتاً قلقاً، و"الكناية من أجمل فنون البلاغة العربية، لأنها ترمز لمراد البليغ بشكل يعجب السامع ويسافر بخياله، وهي في الاصطلاح (تعبير أُطلق وأُريد به لازمُ معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى) فالكتاية - إذن - تجعل النص مكُثَّفاً له ظاهر وباطن، مما يحرك فطنة المتلقي ويثير خياله.."(5)
وهنا تتوالى الصور الشعرية والانزياحات، فللصمت والسكوت غبار، وللشتاء دلال قابل للنفض.
"رُحْمَاكِ": وهنا تنتقل الشاعرة للأسلوب الإنشائي المعروف في العبارة بلادي رحماكِ، وهي مفعول به ثانٍ لفعل محذوف تقديره (أسألك) وهذه جملة معترضة تفيد الدعاء.
"أَعِينِينِي عَلَى ظَمَئِي": وتلجأ الشاعرة إلى الرمز، و"الظمأ" يرمز لتوق الشاعرة للعرب أن يتركوا الخلافات والفرقة وتتطلع للسعي إلى الاتحاد، والسطر صورة شعرية جميلة.
"وَلَا تُصَافِحِي بِالنَّارِ .. سَبَئِي!": كناية عن انشغال العرب بخصوماتهم وقتال بعضهم بعضا كما انشغلت به سبأ بعد انتهاء فترة ازدهارها وتشتت كلمة قبائلها ومحاربة بعضهم بعضاً، وتُكثر شاعرتنا من توظيفها لفن الكناية، "فإذا كانت الكناية معنى المعنى فإن لفظها محتمل للمعنى، ومعنى المعنى في الوقت ذاته، فمن وقف على المعنى فهو في إطار الحقيقة ومحيطها، ومن انتهى إلى معنى المعنى فقد تجاوز الحقيقة والتعبير المباشر" (6)
فالقارئ الناقد "يعلم إذا رجع إلى نفسه، أن إثبات الصفة بإثبات دليلها وإيجابها بما هو شاهد في وجودها، آكد وأبلغ في الدعوى من أن تجيء إليها فتثبتها هكذا ساذجاً غفلاً وذلك أنك لا تدعي شاهد الصفة، ودليلها إلا والأمر ظاهر معروف، وبحيث لا يشك فيه ولا يظن بالمخبر التجوز والغلط " (7)
والكناية من التعبيرات البيانية الغنية بالاعتبارات والمزايا وأما الملاحظات البلاغية، فهي تضفي على المعنى جمالاً، وتزيده قوة، ويستطيع الأديب المتمكن والبليغ المتمرس أن يحقق بأسلوب الكناية العديد من المقاصد والأهداف البلاغية. وهي لفظ أو تعبير لا يراد ظاهر معناه ولكن ما يرمز إليه. تأتى بالمعنى مصحوباً بالدليل في إيجاز وتجسيم .
والكناية من وسائل وأدوات التي تتشكل منها الصور الفنية و"الصورة الشعرية كيان فني نابض بالحياة الإنسانية" (8)
وشبهت الشاعرة التقاء السيوف بالمصافحة...استعارة تصريحية، وكاتبتنا تتسلح بوسائل علم البيان، فإن "البيان ملكة يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده, فيستطيع أن يصدع بحجته في المقام والأحوال التي تقتضي الإبانة والإفصاح من ذلاقة اللسان وقوة القلب ورباطة الجأش والقدرة على التصرف في القول." (9).
وفي السطر أيضاُ تناص أدبي يذكرنا بالمثل القائل: "تفرقوا أيدي سبأ، وذهبوا أيادي سبأ"...الذهاب معروف يقال: ذهب بالفتح يذهب ذهاباً والأيادي جمع أيدٍ، والأيدي جمع يد، وهو بمعنى الجارحة وبمعنى النعمة وبمعنى الطريق. وسبأ قيل أبو قبائل اليمن، وهو لقب واسمه عبد شمس بن يشجب بن يعرب، وسمي سبأ قيل لأنه أول من سبى السبي. وقيل سبأ اسم أمهم، وتسمى البلدة سبأ باسم سكانها، وكانت أخصب بلاد الله كما قال الله تعالى: "جنتانِ عن يمينٍ وشمال" فلما تفرقت قبائل سبأ هذا التفرق، وتمزقوا هذا التمزق، ضربت العرب بهم المثل، فقالوا: ذهب القوم أيدي سبأ وأيادي سبأ، أي تفرقوا في كل طريق ووجهة، إما على أنَّ اليد بمعنى الجارحة، لأنهم كانوا، إذ كانوا مجتمعين، يداً واحدة. فلما تفرقوا صارت اليد أيادي كثيرة؛ أو بمعنى النعمة، أي تفرقوا تفرق نعم سبأ، أو كائنين كنعم أهل سبأ، أو بمعنى الطريق، أي تفرقوا في كل طريق أهل سبا، حيث تمزقوا، وأيدي سبأ جعل اسماً مركباً كمعدي كرب وسكنت الياء تخفيفاً وإنَّ انتصب.
ذهبوا تحت كوكبٍ.
جاء في لسان العرب باب سبأ:
"وقال كثير:
أيادي سبا، يا عز، ما كنت بعدكم فلم يحل للعينين بعدك منظر
وضربت العرب بهم المثل في الفرقة لأنه لما أذهب الله عنهم جنتهم وغرق مكانهم تبددوا في البلاد. التهذيب: وقولهم ذهبوا أيدي سبا أي متفرقين، شبهوا بأهل سبإ لما مزقهم الله في الأرض كل ممزق، فأخذ كل طائفة منهم طريقا على حدة .
قال اللَّه تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)
ولكنهم كفروا بأنعم اللَّه، وأعرضوا عن إتباع رسله، وعبدوا الشمس والكواكب، فعاقبهم اللَّه بسيل العرم، فخرّب سدهم، وأتى على أموالهم وزروعهم وبيوتهم فدمرها، كما قال القرآن:
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}
وقد تفرقوا بعد خراب السّد في البلاد مزقًاً، كما قال اللَّه عنهم:
{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
وضرب العرب بتفرقهم الأمثال، فقالوا:
واليد الطريق، يقال: أخذ القوم يد بحر، فقيل للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة "ذهبوا أيدي سبأ" ؛أي فرقتهم طرقهم التي سلكوها كما تفرق أهل سبأ في مذاهب شتى. والعرب لا تهمز سبا في هذا الموضع؛ لأنه كثر من كلامهم، فاستثقلوا فيه الهمزة، وإن كان أصله مهموزا. وقيل: سبأ اسم رجل ولد عشرة بنين، فسميت القرية باسم أبيهم. والسبائية والسبئية من الغلاة وينسبون إلى عبد الله بن سبإ".(10)
"هَا نَبْضُ صَوْتِكِ": و"ها" حرف تنبيه، وفي عبارة "نبض صوتك" انزياح إضافي، فللصوت نبض كنبض الكائن الحيّ.
"حَبِيسُ أَدْرَاجِ هَيْكَلِي المَسْكُونِ بِكِ": كناية عن هموم الشاعرة في أمر العرب وحبِّها الشديد لهم ولوحدتهم. والصور الفنية نابضة بالحيوية، فللشاعرة هيكل له أدراج تحتفظ بحبها فيها للعرب.
إن ما يميز شعر آمال عن غيرها هو الصدق الفني الشعري النابع والصاعد من القلب إلى العقل وليس العكس، إذ نلحظ بأن مخيلتها الشعرية ليست مخيلة محضة. وهذه خصيصة واحدة من أهم خصائصها الشعرية المتمثلة بتيار التجربة الروحية.. في مقابل التجربة الشكلية.. فمخيلتها الشعورية والشعرية هي ثمرة رؤية باطنية تمتص جذورها من أعماق عواطفها ووجدانها المتلظي.
"يُذْكِي وَجَلِي الْمُؤَجَّلَ": كناية عن شدة اشتعال نار حبها للعرب، فللشاعرة وجل قابل للاشتعال والزيادة كاشتعال النيران، وهذا الوجل أو الحياء قابل للتأجيل...صور شعرية متتابعة وانزياحات متتالية.
"ويَفُضُّ خَوْفِيَ الطَّاغِي!": كناية عن شدة المخاوف التي تحيق بالشاعرة وتعصف بقلبها خوفاً من فرقة العرب وافتراقهم وحروباتهم الداخلية.
والسطر صورة شعرية جميلة، فالخوف يُفَضّ ويطغى وازداد عن حدّه كثيراً. فشاعرتنا تجعل من الشعر عالماً موازياً لعالم الواقع، إذ يمتاز أسلوب الشاعرة بعد كل هذا بما يعرف بالتعبير بالصور أو محاولة إيجاد المعادل الموضوعي في الأدب، لذا فقد كان شعرها بمثابة العالم البديل لعالم الواقع المرفوض، فالشعر يكشف عن هويتها، وهوية الإنسان الذي وراءها بصورة تبدو أحيانا طبيعية وغريزية.
ولم تستخدم شاعرتنا أدواتها الفنية في سطورها إلا بعد أن غمرتها بألوانها الروحية القلقة الدافئة فكانت أكثر تميزاً وفرادةً، إذ جاء شعرها ليشكل ظاهرة فريدة في شعرنا العربي الحديث، تجلت في جوانب كثيرة، لعل أبرزها وقعاً، وأكثرها فاعلية ما كان في عملية الخلق الشعري عندها في تعبير متطور متجدد، وتوصيل غني بالإحساس، والديناميكية التي تستثير المشاركة والغليان الاجتماعي والضياع السياسي. ولعل سياق القصيدة عندها ما زالت في حاجة إلى دارس يستطيع استقصاء صياغتها الفنية وعناصرها الحيوية التي طورت الإحساس واتسعت بالمعنى، وشكلت الصور الشعرية ذات الانفعال الحسي، وهو أمر يرتبط بمعمارية القصيدة، وبنسيجها الداخلي، وعلاقتها بالحركة الشعرية الجديدة(11).
وما يميز شاعرتنا أن الشعر قد وجد في روحها وطناً نما فيها وترعرع بين أحضانها، فـما يبدو جميلا لديها.. هو الحقائق الجديدة والمفاجئة في خبرتها الداخلية الفريدة لا في صوره الجديدة المفاجئة، إن الجمال لا ينفرد في الصورة بل هو الذي ينفرد في حالة الكشف عن معنى، عبر مشاعرها.
والغموض سمة من سمات هذا النص الشعري، ونرى أن في الغموض إثارة وجمالا، ويعرف الفرق بين رؤية النقد الحديث ورؤية أغلب النقد القديم، وقصيدة النثر تتميز بالغموض. ويرى الدكتور عبد الفتاح صالح نافع أن "النقاد القدامى وجهوا اهتمامهم إلى الوضوح، وجعلوه مهمة الاستعارة، ولم يدر بخلدهم أن جمال الاستعارة في خفائها ودقّتها»(12)
ولعل مرد الغموض في هذه القصيدة "هو السمة الطبيعية الناجمة عن آلية عمل القصيدة العربية وعناصرها المكونة من جهة، وعن جوهر الشعر الذي هو انبثاق متداخل من تضافر قوات عدة من الشعور والروح والعقل مستترة وراء اللحظة الشعرية»(13).
وتقول في المقطع الثاني:
"أَيَا آسِرَتِي .. تَرَفَّقِي بِي/ أَطْلِقِي حَفِيفَكِ .. مِنْ قُمْقُمِهِ/ لِيُمَارِسَ رَقْصَتَهُ/
وَلِتَشْحَذَ نَايَاتِي.. أَنْهَارُكِ الْمَدْفُونَةُ!" :
"أَيَا آسِرَتِي .. تَرَفَّقِي بِي": والشاعرة في هذا المقطع تستخدم الأسلوب الإنشائي، والنداء في هذا السطر يفيد التمني، فتتمنى الشاعرة من الأمة العربية التي استحوذت على حبها وملأت وجدانها أن ترفق بها فتتحد وتبتعد عن الخصومات والفرقة.
"أَطْلِقِي حَفِيفَكِ .. مِنْ قُمْقُمِهِ": والأمر هنا أيضا يفيد التمني، فتتمنى الشاعرة من العرب أن يخرجوا من قمقمهم وينطلقوا ليصلوا الركب الحضاري العالمي فيبدعوا، وفي عبارة"أَطْلِقِي حَفِيفَكِ" انزياح إضافي يثير لهفة المتلقي .
"مِنْ قُمْقُمِهِ": كناية عن عزلة العرب.
"لِيُمَارِسَ رَقْصَتَهُ": كناية عن تطلع الشاعرة لتطور العرب وابتعادهم عن الفرقة والاختلاف.
"وَلِتَشْحَذَ نَايَاتِي.. أَنْهَارُكِ الْمَدْفُونَةُ! ": وتتزاحم الصور الشعرية في هذا المقطع، فالنايات تُشحذ وتُسنّ كما السكين، والأنهار مدفونة وتعمل عمل المِبرد، وفي السطر انزياح تركيبي، والتقديم والتأخير في النحو مظهر آخر من مظاهر الانزياح، فقد قدمت الشاعرة ما حقه التأخير المفعول به وهو "ناياتي" على ماحقه التقديم وهو الفاعل " أنْهَارُكِ الْمَدْفُونَةُ" والانزياح له دور في رسم صورة فنية راقية للعبارة "فمنح الصورة الفنية لغة إيحائية خاصة هذه اللغة هي ما أسماه الناقد الأسلوبي جان كوهن اللغة بالانزياحية، أما بيار جيرو فقد أورد تعريفا للأسلوب (نسبة إلى بول فاليري) فحواه أن الأسلوب هو انزياح écart بالنسبة إلى معيار norme مضيفا أن : "كل انزياح لغوي يكافئ انحرافا déviation عن المعيار على مستوى آخر، مزاج، وسط، ثقافة ..." ، أما قاموس جون ديبوا فيشير إلى أن الانزياح حدث أسلوبي، "ذو قيمة جمالية يصدر عن قرار للذات المتكلمة بفعل كلامي يبدو خارقا transarressant لإحدى قواعد الاستعمال التي تسمى معيارا norme يتحدد بالاستعمال العام للغة مشتركة بين مجموع المتخاطبين بها ." (14)

ولعل مراد الشاعرة في لجوئها للغموض خلق حالة من التوازن،. «ولكن التوازن والهدوء الوجودي غاية لا تدرك عند الشاعر في رؤية الشعر. والفن سيختفي عندما تصل الحياة إلى درجة أعلى من التوازن»(15)
يتبع