عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2011, 12:32 PM
المشاركة 87
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المجتمع اللا اجتماعي..دراسة في أدب فؤاد التكرلي
عن دار التنويرفي بيروت صدرللناقد علي حاكم صالح كتاباً نقدياً جديداً بعنوان ( المجتمع اللا اجتماعي / دراسة في ادب فؤاد التكرلي ) وتضمن الكتاب قراءة نقدية في قصص وروايات الروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي وابتدأ الكتاب بمقدمة كتبها الناقد حسن ناظم جاء فيها “ الناقد الذي كتب هذا الكتاب والروائي الذي درست رواياته درسا خاصا يتشاركان هنا في رؤية واحدة ومزاجا واحدا.

ففي عصر يعج بالروايات العربية التي تعسر ملاحقتها كلها، ينتخب علي حاكم صالح روايات فؤاد التكرلي لغاية خاصة في نفسه. فهو يوجه عبرها، في كتابة تحليلية تليق بمجتمع لا اجتماعي، بصفة آخرى في وجه الحياة، بعد ان فعل ذلك فؤاد التكرلي نفسه قبل نصف قرن في رواياته (بصقة في وجه الحياة) المنشورة في العام 2000. ومن المؤكد ان بصقة الرواية غيرها بصقة الكتابة النقدية. لقد وجد علي حاكم صالح نفسه وعزلته (كتب الكتاب في الدنمارك)، وعجزه وغربته في مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الثمانينيات والتسعينيات، مثلما وجد فؤاد التكرلي نفسه غريبا على مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الخمسينيات ، فكتب تلك الرواية ولم ينشرها الا بعد خمسين عاما. هذا الوضع يثير سؤالين محددين: الاول: الم يتغير ذلك المجتمع اللا اجتماعي عبر نصف قرن من الزمان؟ والثاني: الم يكن نفي الكاتب نفسه، طوعا او كرها، نوعا من الحل للخلاص من المجتمع اللا اجتماعي؟ ان الكتابة الروائية التكرلية هي “كتابه انتهاكية” لكنها ايضا “ترياق” والكتابة النقديه لدى على حاكم صالح كتابة تحليلية، وهي ايضا ترياقا. وحين انقذت الكتابة الروائية صانعها الروائي من مجتمعه اللا اجتماعي في خمسينيات بغداد القاسيه، انقذت الكتابة النقدية صانعها الناقد من مجتمعين لا اجتماعيون في الواقع: الاول هو المجتمع اللا اجتماعي العراقي ابان الثمانينيات والتسعينيات، والثاني هو المجتمع اللا اجتماعي الدنماركي من العام 2000 حتى العام 2010؛ والعام الاخير هو عام عودة الكاتب الى العراق، وذلك بالانهماك بالبحث والقراءة والكتابة والترجمه، طاويا تحت كل ذلك احساسا فريدا بما يجري وقدرة على تحويله الى كتابه. وفي هذه العودة الى العراق، وضع علي حاكم صالح حداً لهذه الكتابة المعلق بوضع حد لذاته المعلقة، فوضع خلاصته وهو في خضم مجتمع العراق الغاطس في اللا اجتماعية حد الجنون، مجتمع تشظى نسيجه المتهرئ اشد التشظي، وتحول من مجتمع الارتياب الخائف والتفسخ المطلي بطلاء الانسجام الى مجتمع الكراهية الصارخة والعفونة البادية، مجتمع عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية وكشف المكبوت والمكتوب من “طبيعة المجتمع العراقي”.
فالذي دفع الروائي التكرلي الى موقفه ذاك، والذي شكل ازمته الروحية هو عينه ما عاشه الناقد وشكل ازمته الروحية :”حرمان، واستلاب، وقهر، وكبت اجتماعي وسياسي” ، واذا كانت الثمرة الوحيدة التي جناها الروائي من كتابة عمله “بصقة في وجه الحياة” ابان الخمسينيات، حين قرر عدم نشره، هي “حفظ توازن شخصية كاتبه”، فان علي حاكم حفظ توازن شخصيته في كتابته النقدية ايضا “.

كما كتب مؤلف الكتاب مقدمة آخرى مهد من خلالها للكتاب جاء فيها “ بدأً بروايته بصقة في وجه الحياة المكتوبة بين عامي 1948 – 1949 وانتهاء بروايته اللا سؤال واللاجواب المكتوبة بين عامي 205 – 2006، تتوارت في ادب التكرلي بثبات بضع موضوع (تيمات).
ويأتي الجنس، السوي منه والشاذ (سفاح المحارم) في مقدمة هذه الموضوعات. وسأكتفي بالتنويه هنا الى ان حضور هذه الموضوعة لم يكن بنفس الدلالة. فدلالاتها، وابعادها الترميزية، تتغير من عمل الى آخر، ولكن مع ذلك يظل هناك خيطا دلاليا واحدا ينتضم بعض الاعمال التي ترد فيها. وهناك موضوعات آخرى، كموضوعة اثر التكوين الثقافي على الفرد، تحمل الدلالة نفسها تماما في كل ما كتبه التكرلي. اما موضوعة فساد العائلة كوحدة اجتماعية فهي الاكثر اثارة والاكثف دلالة على موضوعة الحياة الاجتماعية غير السوي، او غير الانسانية، او بحسب تعبير هذا الكتاب حياة لا اجتماعية. ان العائلة في جميع اعماله تقريبا عالما زائفا مبنيا على علاقات التواجد المكاني لا اكثر، لان اصل قيامها، الزواج، لم ينبن على علاقة حب حقيقية. والمفارقة التي تضعها امامنا اعماله هي ان شرط البناء السليم للعائلة اعني الحب، لم يتحقق في جميع اعماله الا خارج “مؤسسة العائلة” بالضبط. وهذا ما يسلمنا الى موضوعة مركزية آخرى في نتاجه؛ اعني اللذة الحسية الصرفة، التي تبلغ احيانا عند بعض شخصياته حد الانتهاك الصارخ لكل قيمة اجتماعية، حتى انها في الغالب تأتي في صورة منحرفة لا تكترث باي قيمة اجتماعية كافعال سفاح المحارم، او محاولة الشروع فيها “.