عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2012, 02:01 PM
المشاركة 405
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مؤنس الرزاز

قراءه في الروائي الكبير والمبدع المتميز (مؤنس الرزاز )

لقد بدا منذ اللحظات الاولى لرحيلة انه جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء جميع التيارات السياسيه والفكريه على اختلافها وتناقضاتها , لقد ولد رحيل مؤنس حالة عامه من الحزن بدا فيها الجميع شركاء في التضامن حتى ظهر انهم يعزون انفسهم ويستقبلون العزاء في الوقت ذاته .
يقول الشاعر العربي الكبير (سميح القاسم ) خسارتي في مؤنس الرزاز مثلثة خسرت فيه صديقاً عزيزاً ومثقفاً عربياً إستثنائياً , مؤنس الرزاز كان تجسيداً حياً وأصيلاً للصديق الوفي في زمن أصبح فيه الوفاء عملة نادره وهو من المثقفين القوميين التقدميين , فبقدر ما كان متشبتاً بعروبته وأصالته فقد كان منفتحاً على الآخر مقتدياً بروح الحضارة العربيه الاسلاميه , وأضاف حزني على مؤنس عميق وهو إضافة موجعه الى حزن الامه والوطن .
ولد مؤنس الرزاز في العام 1951 في مدينة السلط الاردنيه وقد تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة المطران بجبل عمان فيما كان يسمى جبيل اللويبده مكان سكن العائله تاريخياً وفي عام 1965 رحل الى دمشق في اعقاب أنتخاب والده منيف الرزاز اميناً عاماً للقيادة القومية لحزب العبث العربي الاشتراكي ومع بداية السبعينات توجه مؤنس الى جامعة اكسفورد في بريطانيا لدراسة اللغه الانجليزيه , مكث فيها سنة وعاد بعدها ليرحل الى بيروت لدراسة الفلسفه في جامعاتها غير انه لم يستطع اكمال دراسته بسبب اندلاع الحرب الاهليه اللبنانيه ليواصل دراسته بعد ذاك في العراق ويتخرج من جامعة بغداد وقد ولدت شهدت تلك الفتره ولادة مجموعته القصصيه الأولى (البحر من ورائكم ) وغادر بعدها الى الولايات المتحده الامريكيه لمواصلة دراسته العليا في الفلسفه من جامعة (جورج تاون ) غير انه عاد قبل أقل من عام الى بغداد ليشهد أنتخاب والده اميناً عاماً مساعداً للقيادة القومية لحزب البعث .
وبعد أعوام قليله قضاها في بيروت عمل خلالها باحثاً في مجلة (شؤون فلسطينيه ) عاد مؤنس الى عمان في العام 1982 وقد انطلق منذ منتصف الثمانينيات الى عالمه الإبداعي لتصل مجموع اعماله الى ما يربو على 15 عملاً استحق عنها مجموعة كبيرة من التكريمات والجوائز , فنال جائزة الدولة التشجيعية في الرواية وجائزة الدولة التقديريه في الآداب وميدلية الحسين للتفوق , كما اختارت اليونسكو روايتة الذاكره المستباحه لتقدمها للقارئ العربي في ثلاثة ملايين نسخة ضمن مشروع (كتاب في جريدة ) إضافة الى أنه كتب عنه العديد من الدراسات وأطروحات الدكتوراه والماجستير في الآداب .
عمل مؤنس منذ العام 1992 مستشاراً لوزير الثقافه ورئيساً لتحرير مجلة افكار الشهريه إضافة الى كتابته لمقال يومي في جريدة الرأي والزمان كما ترأس الهيئه الأدارية لرابطة الكتاب الاردنيين في دورة عام 1993 – 1994 وأستقال منها , كما اختير أميناً عاماً للحزب العربي الدميقراطي وتركه ايضاً .

الأدب في حياةمؤنس الرزاز

لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها .
فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه .
ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية ةالهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
وفي رواياته الخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها , ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً .
دراسات ورسائل عن أدبه وتجربته .
حول تجربة الاستاذ مؤنس أعدت وأنجزت عشرات الرسائل الاكاديميه سواء في درجة الماجستير أو الدكتوراه وقد نشر بعضها في كتب وما زال الكثير منها مخطوطاً في الأدراج الاكاديميه للجامعات .
من ضمن تلك الرسائل نوقش في عام 2002 وفي قسم اللغه الانجليزيه بالجامعه الاردنيه أطروحة دكتوراه للباحثه (ريما مقطش ) تتناول فيها وبالمقارنه تجربيتي الروائي الإيرلندي جيمس جويس والراحل مؤنس من ناحية كتابة الرواية النفسيه .
حيث قامت بتحليل ومقارنة عمليه من أنتاج كل كاتب من حيث (صورة الفنان في شبابه 1916) وعوليس 1922 لجيمس جويس وأحياء في البحر الميت 1982 ومتاهة الأعراب في ناطحات السراب 1987 لمؤنس الرزاز مع بيان نقاط التشابه والاختلاف بين كلا الكاتبين .
مؤلفاته :-

.احياء في البحر الميت
. حين تستيقظ الاحلام
. سلطان النوم وزرقاء اليمامه
. فاصله في آخر السطر
.عصابة الورده الدامية
. الذاكرة المستباحه قبعتان ورأس واحد
. ليلة عسل
. أعترافات كاتم صوت
يقول الاستاذ حسين جلعاد
تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً ...
لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله .

المرجع : مجلة افكار الاردنيه لعام 2002