عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 10:40 PM
المشاركة 765
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إلياس فركوح

ماذا يعني أن يعمل كاتبٌ على إنشاء موقع له على شبكة الإنترنت؟
أهو فعل إشهارٍ وإعلام، أم ثمّة ما هو أعمق في دلالته يقارب إعلان الحضور الفاعل في العالم ، والجهر بوجود كينونة تملكُ إضافتها المتواضعة إلى هذا العصر ؟ بمعنى : تملك "مذاق" أسئلتها الوفيرة حيال حفنة إجابات مفتوحة·
رُبّما هي هذه الأسباب والدوافع جميعاً ·
ولمَ لا ؟
قد تكون هذه الشبكة الكونية الحرّة في انفتاحها حتّى أقصاها ، حين الحضور الدائم في خلاياها ، هي المنفذ الأنسب للخروج من "شبكة/مصيدة" الإعلام المتخلّف الذي يشرنقنا (ككتّاب عرب) حدّ الاختناق، ويجعلنا رهائن مزاجية الأفراد وأنانياتهم تارةً ، والمصالح الضيّقة للسُلطات وآنيّاتها تارةً ، وعماء الصحافة "الشعبية": هذه المهتدية ، غالباً ، بصلف الإسم وسطوة العلاقات·
وبالمقابل : أهي>"شبكة علاقات" من نوعٍ آخر ، مغاير ، ومضاد ؟
أجل ·
ولمَ لا تكون كذلك ، حيث يُصبح التأكيد في كل لحظة على أنّ الشجرة ، مهما طالت وتطاولت ، فلن تكون هي الغابة ولن تختزلها أبداً، أو تنطق بصوت آلاف أشجارها ·
إنّ نشيد الأحراش والبراري ليس سوى همس ملايين الأوراق المعلّقة في أذرُع الريح وسواعد الأشجار : الخضراء منها ، والصفراء ، وتلك المابين ·· أيضاً·
نحنُ ، حين نحدّق كثيراً في اللامع المضاء بصخبه العالي ، نعمى فلا نُبصر·
ونحنُ ، لحظة نُغمض أعيننا حيال المترائي الشفيف المتخايل ، نتبصّر ما لا يُدركه غيرنا.

==
2010/11/14،
إلياس فركوح: اكتب ما دامت معرفتي ناقصة ومدينتي تتفلتُ مني حاوره: محمود منير
اختار مدينته والسرد معاً. تؤثث ذاكرته رواياته عن مكان يهوى الأقنعة ويرفض الإفصاح والإبانة, في ثلاثة أعمال روائية أصدرها خلال فترة جاوزت عقدين من الزمن, وبقدر إخلاصه لمدينته المختلة نبش أرشيفاً استثنائياً يمتد ستين عاماً تبدأها الحرب والأسئلة لتنتهي عنده عبارة حاسمة هي: لا شيء يكتمل.
إلياس فركوح وعَمّان على موعد قديم لم يتغير منذ الصفعة وطيور عمّان تحلّق منخفضة ومجموعات أخرى, لكن القصة القصيرة دفعته إلى تجديد مواعيد أخرى مع مدينته في الرواية, فنشر رواياته: قامات الزبد, أعمدة الغبار وأرض اليمبوس, لذلك كانت فكرة محاورته تفترض لحظة تداعي لا تحتمل تلصص الصحافة بل اعترافات متدفقة متوالية حملته على نشرها جملة تداعيات, أرسلتها له عبر البريد الإلكتروني, تمثل قراءة متأملة لروايته الأخيرة.
اعترافات فركوح ل¯ العرب اليوم ابتعدت عن المباشرة في تناول تجربته الإبداعية المتعددة في القصة والرواية والترجمة والنشر والكتابة الصحافية, إنما أتت نصاً موازياً لها يشبه كاتبها وتقترب من مناطق قد تبدو معتمة بقصد إضاءتها, لكن منطقة وسطى تبقى ملازمة له.
* في أرض اليمبوس, تبدأ الحيرة ولا تنتهي, وربما كانت عمّان كذلك, هل كانت عباراتك لا زلتُ لا أعرف. لا زلتُ أكتب, هي مفتاح الكتابة ومفتاح المدينة في آن?
- بعد قطعي لشوطٍ في التجربة القصصيّة, وخلال كتابتي لقصص المجموعة الثالثة إحدى وعشرون طلقة للنبي, أدركتُ بأنني فقدتُ كثيراً من ركائز اليقينيات التي انبنت في سياقها القصص السابقة; إذ بِتُّ على غير ثِقةٍ بما كنتُ أراه رؤية العَين! ففي لحظات إعادة تشكيل تلك المرئيات, عبر كتابتها باللغة, وخلال بذلي المجهودَ لاصطيادها على هيئاتها المُجَرَّبَة, وجدتني أُصابُ بما يشبه الفَزَع! كانت تنفلتُ من تشكيلاتها الأُولى عندما أعملُ على التحرّش بها, حائراً ومتسائلاً عن النقطة, أو الزاوية, التي سوف أبدأُ منها لأستطردَ من ثَم في عمليّة بِنائها بالكتابة. كانت تتحررُ من أجسامها الأُولى وتمثلاتها السابقة لتتخذ لنفسها أجساماً وتمثلاتٍ جديدة! جديدة ومغايرة كأنما ما كانَ موجوداً هناك, في الخارج قبل الكتابة, ما عادَ ليتكررَ ثانيّةً هنا, عند الكتابة وفي داخلها! كأنما التماسُك الظاهر للعيان في (المصادر) و(المراجع) لا يعدو أن يكون وهماً, أو سراباً سرعان ما يتلاشى عند إخضاعه للامتحان برؤيا الكتابة; فلقد تحوَّلَت محسوساتُ العالَم الواقعي المنتظمة والمتسقة والصلبة إلى حالاتٍ من الهشاشة بحيث افتقَرَت لِمْا يشدُّّ ويُمَتِّنُ عناصرَها, وبالتالي لِمْا يؤهلها لأن تكون ذات تعيين متَفَقٌ عليه, أو أشتركُ فيه مع غيري!
عندها, اكتشفتُ بأنني لا أكتبُ قِصصاً بالمعاني المتعارَف عليها, تلك السائدة, وإنما هي حالاتٌ تستبطنُ قصصها المتعددة القابلة, بدورها, للتكاثر أكثر. كما أنها قابلة, أيضاً, لكثرةٍ لا تنفدُ من تقنيات التناول الفني. فإذا كان ذلك كذلك, أعني مرئيات العالَم الواقعي بمحسوساته الجامدة وحيواته المتحركة, فإنَّ المراهنة على جوهرٍ حقيقي فيها ليست سوى مراهنة خاسرة. كما أصبحَ التسليمُ بما نراه, والقبول به, والرِضا عنه, من المحظورات التي يأباها الوعي الكتابي في أعماقي وينفرُ منها. وأحسبني أصبتُ بالتعبير عن هذا كلّه, عندما خصصتُ في بداية رواية أعمدة الغبار صفحةً لأشهدَ بالتالي:
كلّما حاولتُ ذاكرةً تسترجعُ ما فاتَ;
انكسرتُ على شفرة الغياب.
قلتُ: لعلَّ الكلمات هي القادرة.
لكنَّ شيئاً, في الخارج, لم يحدث.
إذَا; ولأني افتقدتُ الثقةَ في ثَبات الموجودات على أحوالها عند الكتابة, والتفَّت الريبةُ حول ثبوتيتها لدى (المنطق) الفني إبّان إعادة تشكيلها على الورق; أصبحَ العالَمُ يتحركُ في دوائر من الاحتمالات. والاحتمالات, كما نعرف, مجموعة افتراضات لا بُرهان عليها قبلَ إخضاعها للفحص والتجربة. ولكن; ماذا يحدث لتلك الاحتمالات/ الافتراضات في ورشة الكتابة الأدبيّة? وهل نبتغي الوصول إلى البُرهان, أم نكتفي بما يمنحنا الفحصُ والتجربةُ من فضاءاتٍ انفتَحَت لنا لتنفتحَ, بالتالي, الكتابةُ السرديّةُ على احتمالاتٍ تجددُ نفسها من خلالها? ناهيكَ عن أنَّ ما تخرجُ به ورشةُ الكتابة الأدبيّة والفنيّة لا يخضع لقياس ومعايير العمل في المختبرات! وبذلك; فإنَّ السعي الأدبي (السعي الأدبي الواعي, أعني) لا يريد الوصول إلى بُرهانٍ هو زائفٌ بمعايير العِلْم الوضعي, بقدر ما يستمتعُ بالوقوع على عوالَم جديدة أخرجتها الكتابة, وأنضجتها جسارةُ المُضي في ملاحقة احتمالاتها المحمولة على خَيالٍ يرى ما أسميته (المصادر والمراجع) دون التنكُّر لسياقها الاجتماعي والتاريخي ولحظتها السياسيّة, ولكنه لا يلتزمُ إلاّ بآليّة إعادة التركيب ومنطق الحذف والإضافة.
نعم, الكتابةُ رحلتي نحو المعرفة التي أضاعت نفسها وسط فوضى العالَم. أو لعلّني أنا مَن تاهَ داخل أكاذيب العالَم وتلفيقاته القيميّة وتوليفاته المضادة للإنسان الفرد وإخصائها لحريّته في الحلم والتخييل, تلك المسنودة بأيدولوجيات شتّى تَدّعي بناء عالَمٍ نظيف, لكنها, حين تصطدمُ بلحمنا وترتطمُ برؤوسنا, تَسقطُ وتُسقطنا معها في مستنقعات الدم ومدارات الوهم القاتل. لأنها كذلك; فهي كتابةٌ تتلبسها الحيرةُ المشفوعة بالمرارة ابتداءً. حيرةٌ تجاه المدينة, رغم أنها مدينتي أنا. مدينةُ هذه الذات المكلومة على وَقْع الجروح المفتوحة في أرواح ساكنيها, التي لن تشفيها أو تغلقها جميعُ أبراج الإسمنت المتعاليّة عليهم وعلينا وعلى الفضاء الذي تتواقح لتغلقه أيضاً!
سأواصلُ الكتابةَ ما دامت معرفتي ناقصة, ومدينتي تتفلتُ مني. سأواصل بالكتابةِ حَفْري المعرفي المتواضع بحثاً عَني أنا. أبحثُ عني في مدينتي, وأبحثُ عن مدينتي فيَّ. لأننا, ندري أو لا ندري, نحن الذين نُسْكِنُ المُدَنَ فينا! نحن, كُلُّ واحدٍ مِنّا, إنما يحتفظُ في داخله بمدينةٍ تخصّه وحده.. رغم أنها تخصُّ سواه في الوقت نفسه.
* معرفة لن تكتمل, ومدينة تهوى التفلت, إلى أين ستمضي ببحثك عن نفسك في عمّانك, وعن عمّانك فيك?
- حين نباشرُ سَرْدَ المدينةِ إنما ننطلقُ, بحَذَرٍ وبما يقاربُ الخوفَ من أن ننزلقَ إلى حيث لا نقدر على الفكاك من أسْرِ اللغة واستطراداتها المغوية, من صورةٍ ما, معينة ومحددة بمعنى أنها واحدة. غير أنَّ الانطلاق, بحسب تجربتي, لا يكون نحو الأمام باتجاه توسيع الصورة وتطويرها بمراكمة فضاءات تتعدّاها, لكن بالحفر فيها ومحاولة معاينة ما تخفيه تحتها من أصداءٍ هي التي أبْقَت عليها ماثلةً تنتظرُ مَن يكتبها. الصورةُ المُرادُ البدء منها صورةٌ جامدة, أو هي مركونةٌ في ثَلاّجة الذاكرة مُجَمَدَةً, لكنها ليست فوتوغرافيّة أبداً. إذ تختزنُ المجموعةَ الكاملةَ من الروائح, والأصوات, والألوان, وذبذبات الكلام الكثير - أو القليل - التي تتفاوتُ في درجات وَخْزِها لذاكرتنا حتّى تفيق.
هي الصورةُ إذَا نعاينها الآن, لحظة الكتابة. وإنها قديمة. الصورةُ القديمةُ نفسها نستعيدها من زمنها الذي انقضى لنُحييها, ونبعثها جديدةً بكلماتٍ ينبغي أن تكون, هي أيضاً, جديدة. ولكن: كيفَ تتجددُ الصورةُ إنْ ظَلَّت كما انتهت إليه في لحظة زمنها العتيق? هل نُبقي على عناصرها كاملةً, أم نُضيفُ إليها أو نحذفُ منها? هل نحافظُ على علاقات تلك العناصر ببعضها, وبما/ بمن جاورها وحايثها وارتبطَ بها, أم نعملُ على خَلْقِ/ اختلاق علاقات مغايرة قد لا تقلبها رأساً على عقب; لكنها تجعلُ منها صورةً أقربُ إلى المنظور إليها من زاوية جديدة?
حَسَنٌ; ما الزاوية الجديدة? ماذا أقصدُ ب¯الزاوية تحديداً?
الاجتهادُ, في نَظَري, قراءةٌ جديدةٌ, أو قُلْ معاينةٌ جديدةٌ لصورةٍ قديمة أبتغي رسمها بكلماتٍ تشيرُ إليها وتأنفُ من نسخها أو استنساخها. فالكاتبُ فيَّ, وبإصرارٍ نهائيّ لا رجعةَ عنه, ليس ناسخاً, وليس مقّلداً, وليس مصوِّراً, وليسَ ذاكرةً صافيةً لا يشوبُ شفافيتَها الخالصة عَكَرٌ, أو شَغَبٌ يحطّمُ الانسيابيّةَ الكاذبة التي يتوهمها الخيالُ الكسيحُ المستكينُ إلى قُدسيّة الواقع وقداسته!
إذَا: نحنُ حيالَ آليّة الخَلْق من جديد. نحنُ بمواجهة زيف اليقينيات نعملُ على زحزحةِ أعمدة الماضي/ التاريخ, ونجتهدُ في تقويض أركان المعابد المُكّرَسَة لتبجيل وَثَن السَلَف الذي لم يكن صالحاً غالباً, ولا نشبعُ من التهامِ كُتَل التَمْر في أصنامِ هُبَل وغيره; إذ نحنُ لا نعبدُ الزائلَ لا بل, في حقيقتنا, إنما نجعلُ من ذاك الزائل عنصراً نستثمرهُ في نصوصٍ تستبيحُ عِصْمَتَهُ الكاذبة, وتشهدُ على فَرادةِ الفرد مِنّا في مواجهته لهذا العالَم المُريب بأسئلةٍ لا تجيب عنها مزاعمُهُ الصفيقة.
الإفصاحُ والإبانةُ غايةُ صورة الكاميرا (الثابتة دائماً رغمَ وجود المتحركة), لكنها ليست مهمة الكتابة أبداً. فالكتابةُ, في المبتدأ منها وفي مطافها الأخير, حالةٌ دائمةُ التغيُّر ودائبةُ الانقلاب على سابقها من نُصوصٍ هي مَحَلُّ شَكٍّ; إذ ثمّة العَينُ المستطلعةُ تُمْعِنُ في أن تَدَعَ الصوَّرَ تتألبُ على نفسها لكي تتداعى.. ولكن شريطة الاحتكامِ إلى بصيرة الوعي المستريب. وبذلك; فإنَّ الاستثناءَ في أرشيفي عن مدينتي عمّان يطلعُ من منطقةٍ غائرةٍ لا ترى محتواها سوى عَيني أنا, لا عَين سواي. ولذلك; فإنَّ عَمّاني ليست كمثل أيّ عَمّانٍ أُخرى. كما يجدرُ التذكير, لكُّلِ الذين يَنسون, أنَّ لِكَّلِ واحدٍ مِنّا مدينته, حتّى وإنْ كُنا نشتركُ جميعاً في العيش داخلَ هذه الواحدة المتعددة المُسمّاة: عَمّان!
* بدأت أرض اليمبوس بالحرب وانتهت بها, كأنها اليقين الوحيد, ومَرّت بينهما نساءٌ كثيرات وحبٌّ يتحوَّل ويتغيّر... ولا شيء يكتمل. هل هي لعبة السرد وغوايته, أم هي ضرورة المكان وخُلاصة التاريخ فيه?
- أهي فجيعتُنا بفقدان أحبّتنا بالموت الذي تجلبه لنا الحروب, رغم عدم رغبتنا فيه وفيها, ورغم هشاشتنا حيال وحشيتها الطالعة مِنّا? أم هي رهبتُنا الشخصيّة من ذاك الآتي إلينا يخطفنا إلى العَدَم, أو المجهول, بعد أن كُنّا ذات تاريخ? أم هي خِشيتُنا من هذه الوحشة والتوّحُد, في حياتنا الراهنة لَمّا نتنفس, وتالياً من ذاك التلاشي والاندثار والاندغام بالتراب لَمّا نقضي, فنمضي?
نحن نقضي. إذَا: نحن ننتهي.
ولكن: أين نمضي, حقاً, لنبدأ من جديد?
وهل ثمّة جديد ينتظرنا, أو ننتظره?
ربما يكون هذا هو السؤال الوحيد المفتوح على آخره, وبلا حدود, ومن دون أي نهاية. إنه سؤالُ الفراغ! هو كذلك لأنَّ فراغاً محتوماً, مهما أعملنا الخرافةَ, والأسطورةَ, والإيمانَ الديني, والعقلَ في تعبئته بالإجابات, فلسوف يبقى بُرهاناً يشهدُ على نفسه فقط, ليتركنا في رَحِمٍ مُصابٍ بالحمل الكاذب! ولستُ هنا بصدد البحث عن حَلٍ ما حيال هذا الفراغ والعُقْم, لكنني أبحث, بالأحرى, عن تعبئة عَيشي الشخصي, الفردي, ما دُمتُ أتنفسُ, بما يقيني من أن أنتهي قبلَ أن أقضي. كما لستُ أخجلُ من الجَهْرِ بخوفي من الفراغ, وتحديداً ذاك الفراغ الذي يعني خُلو ذاتي من المعنى. أيّ معنى. صحيحٌ أنَّ لا شيء يكتمل, غير أنَّ قدراً هائلاً من المعنى نتحلّى به لحظةَ اعترافنا بنقصنا. لسنا مخلوقات كاملة, لكننا, في الوقت نفسه, لسنا كائنات تسبحُ في فراغ المعاني.
هذا يقينٌ أؤمنُ به, مثلما أؤمنُ إيماناً كاملاً بواقعة الموت. لكني أجدني أستطردُ متسائلاً عن أشكال الموت وضروبه. إذ ليست الحرب وحدها تعادلُ الموتَ. فالحُبُّ, في موازينه المختلَّة وأهوائه المتقلبة, والمتحرك ضمن سياقات لسنا أحراراً في اختيارها, إنما يضعنا وجهاً لوجه أمام (موتٍ ما) ربما نعاني قسوته وضراوة خساراتنا فيه أكثر مما نتوقع من ذاك الحامل للعَدَم! مَن يدري? وها نحنُ نتخبطُ وسط المتاهة. متاهة ما نريد الاكتمال به, ومعه, وفي داخله, غير أننا, وعلى صدور محبوباتنا وفي عيونهنَّ, نبدأ بخوض حروبنا المهزومة حتّى الثمالة نتجرعها محاذين, بصمتنا الرُخامي المكابر, حجارةَ المدافن الملوكيّة التي خَضَّرتها عُفونةُ السراخس والجهنميات الناغلة في بقايانا!
أيُّ معنى يتبقى لنا, والحالةُ هذه, سوى أن نكتب? أعني أنا: أن أكتب?
فأن أكتبَ خُلاصةَ تاريخ المكان هو أن أكتبني في حالات الوجد الشفيف, وثمّة المرأة وجهي الآخر الذي خطفتهُ الحربُ مني. وأن أكتبَ هو أن أكتبَني في حُمّى اشتعالات الحروب الخاسرة, وثمّة المرأة التي غادرَت المكانَ وخلّفتني وحدي لأستنسخها صُوَراً لن تكون هي أبداً. فعَن أيّ حروبٍ نكتب, إذَن?
ليست غواية السرد ما يكمن خلف أرض اليمبوس. ربما هي كذلك في قلب تلك الأرض التي أُقيمُ عليها, أنتظرُ امرأتي تأتيني بالجوابِ عني أوّلاً, عَلّني, إنْ فَعَلَت, أحظى بقليلٍ من الطمأنينةِ عند خطوي عَتَبَةَ الما بعد. عَلّها تمحضني, بلمسة أصابعها الحرير, راحةَ روحٍ أتعبها النقصان.