عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2013, 03:19 PM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ عبده الزبيدي
مزيد من الأسئلة أي مزيد من المعرفة.
سأعود أن شاء الله لاستكمال ما بدأت شرحه كيف أن الفلسفة توصل إلى الحكمة، لكني سأخصص هذا الرد على هذه الجزئية:
" و ألفت عنايتكم إلي هذا السؤال (أي ناتجالشك) الذي قاله جمع من الأنبياء و سجله الله في قرآنه المحكم عنهم:
ّ( قالت لهمرسلهم : أفي الله شك فاطر السموات و الأرض؟".
حسب رأي المتواضع ..حتى نفهم القصد والغاية الاعجازية من هذه الآية لا بد أن نأخذها ضمن السياق الذي وردت فيه.
الآيات : "وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ . أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ . قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ . ".سورة إبراهيم.
فالواضح أن هذه الآيات من سورة إبراهيم تخبرنا بأن سيدنا موسى عليه السلام وفي معرض دعوة قومه للإيمان يخبرهم بأن كفرهم ليس له وزن عند الله سبحانه وتعالى فهو غني حميد...
وفي نفس الوقت يحذرهم أن يقعوا فيما وقع فيه من جاء قبلهم من أقوام رسل الله سبحانه وتعالى وهم أقوام ( نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) فعلى الرغم أن هؤلاء الرسل عليهم السلام قد جاءوا اقوامهم بِالْبَيِّنَاتِ لكنهم رفضوا دعوة رسلهم وقالوا ( وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) فكان رد الرسل عليهم السلام (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وهو سؤال استنكاري أي أن المقصود هو : كيف يمكنكم أن تشكوا في الله وهو فاطر السموات والأرض؟
لاحظ أن الدعوة هنا مقرونة بما يشير إلى عظمة الله (الْبَيِّنَاتِ) وهي هنا تحديدا قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السموات والأرض.
وتوضح الآية لاحقا أن سبب ذلك الرفض هو تمسك تلك الأقوام بما كان يعبد آباؤهم ولأنهم نظروا إلى الرسل بأنهم بشر مثلهم وأرادوا أن يأتوهم بسلطان مبين...ولكن الآية هنا تبرز دور النظم المتوارثة في رفض كل ما هو جديد حتى ولو كان مقرونا بالبينات والأدلة على صحته.
لاحقا في نفس السورة تخبرنا الآيات انه وعندما يبرز من أصر على الكفر أمام الله سبحانه وتعالى للحساب والعقاب يقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؟ وفي ذلك دلاله مهمة وهي أن من الناس من يظل وفي لما تربى عليه وكنتيجة للموروث، ومن الناس من يرى الحق والبينات لكنه يستكبر ويظل يرفض الدعوة إلى الحق ومن الناس من يكونوا مجرد أتباع لمن استكبر... والمهم هنا أن الإلحاد هو نتاج للاستكبار وليس للشك.
" وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ".
ونجد أيضا في سورة الأنبياء هذه المرة أن سيدنا إبراهيم عليه السلام يخاطب قومه في معرض دعوته لهم للإيمان فيسألهم هذا السؤال الاستنكاري (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ) فنجد الرد من قومه مشابه لرد الأقوام الآخرين فمن ناحية قالوا لقد وجدنا آبائنا لها عابدين فيخبرهم أنهم كانوا هم وآبائهم في ضلال.. ويقدم لهم الدليل (الْبَيِّنَاتِ) وبنفس الكلمات حيث يقول لهم إنما ربكم هو الذي فطر السموات والأرض:
" وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ . قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ .
فماذا نستفيد من هذه الآيات:
اجتهد هنا وأقول ... يتضح بان هذه الآيات الكريمة أنما تبين لنا أمرا اعجازيا في المجال التربوي والنفسي والعقلي هذه المرة.
وهي إنما تخبرنا بأن دعوة الرسل هي أمر منظم وتتبع منهجا تربويا ونفسيا وعقليا معينا وواضحا ومتكاملا يراعى الطبيعة البشرية ويقوم على منهجية محددة تراعي هذه الطبيعة البشرية:
ويقوم هذا المنهج حسب ما يتضح على:
1- تبين الآيات بأن الشك هو جزء من التركيبة الذهنية للإنسان الفرد وللعقل الجماعي للناس.
2- الناس بطبيعتهم يتمسكون بما هو قائم ويقاومون ويرفضون كل ما هو جديد، ويظهر ذلك في تمسك كل الأقوام بما كان يعبد آباؤهم...وهو مؤشر على أهمية اثر البرمجة الذهنية على عقل الإنسان حيث يكون أحيانا غارق في الضلال وهو غير مدرك لذلك...حيث يكون برنامجه الذهني والذي هو عبارة عن منظومة من الأفكار المتوارثة عبارة عن فلسفة تبريرية قد تدفعه لرفض الحق على الرغم من وجود الشواهد.
3- بشكل عام يحاول الناس التشكيك في الدعوة ويطلبون الدليل المبين على صحتها انطلاقا مما توارث لديهم من نظم فكرية وبرامج ذهنية.
4- يكون دور الرسل عليهم السلام عند الدعوة أولا خلخلة النظم الفكرة القائمة والمتوارثة في أذهان الناس (البرمجة العقلية القائمة على ما هو سائد ومألوف) وذلك من خلال تشكيكهم فيما هو قائم وهذا التشكيك يأتي على عدة أشكال منها مثلا طرح الأسئلة الاستنكارية (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
5- يقدم الرسل عليهم السلام منظومة ذهنية بديلة لما هو سائد ومألوف مقرونة بالبيانات أي الأدلة العقلية كدليل على صحة ما جاءوا به من خلال دعم قولهم بالبيانات العظيمة والمذهلة.
6- لإزالة الشك عن صدق الدعوة يلجأ الرسل عليهم السلام إلى تقديم أعظم الأدلة على الإطلاق وهي في المثالين أعلاه خلق السموات والأرض.
7- الذي يشير إلى أن هذه البينة هي الأعظم على الإطلاق هو الآية الكريمة من سورة غافر" لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" .
8- دعوات الرسل عليهم السلام كانت دائما تأتي مقرونة بالأدلة ( الآيات أو البينات ) التي تدلل على عظمة الله خالق كل شيء.
9- الشك وسيلة للتخلص من الموروث والوصول إلى الحق المدعم بالأدلة والبيانات أما الإلحاد فسببه الاستكبار رغم وجود كل هذه البيانات.
10- لولا الشك ...الذي هو أداة ووسيلة عقلية لخلخلة الموروث والتخلص منه لكان من الصعب إقناع الناس بما هو حق على الرغم من وجود الأدلة والبينات.
11- عند دعوة شخص لما ترى بأنه الحق لا بد أن تظهر له وتبين له ضعف موروثه الذهني وخطأ برمجته العقلية وتأتي له بالدليل العقلي على صحة البديل.
12- الدعوة تكون بالحسنى ومن خلال ايضاح نقاط ضعف ما هو قائم وموروث في ال1ذهن وتقديم الادلة والبراهين والبينات العقلية والذهنية على صحة البديل.