عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2014, 07:35 AM
المشاركة 1259
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عمل إبداعي متميّز على الصعيدين العام والخاص
الكتاب: سابع أيام الخلق
المؤلّف: عبد الخالق الركابي
الناشر: المؤسّسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 2011

> لا يجيد الروائي عبد الخالق الركابي لعبة الترويج للنفس، وهي صناعة باهتة لكل من صار يعبث على الورق بركام من السخام، ويطلق عليه زوراً تسمية «رواية»، كما يطلق منحرف على نفسه لقب قديّس. هذا الروائي تعرّض لحادث مؤسف أوشك على أن ينهي حياته، وتوقّع محبّوه أن ينتحر بعد تلك الاصابة التي حوّلته كومة لحم لا تتحرّك إلا من خلال كرسي متحرّك ولا شيء فيه ـ في المراحل الأولى ـ يتحرّك غير رموشه...! ولولا الدعم والمؤازرة اللذان تلقّاهما من حفنة أصدقاء، ومن زوجته على نحو خاص، لمات الركابي على كرسيّه منتحراً في أقرب فرصة تحرّكت فيها يده بصورة مفاجئة بقوّة الأمل والحب والصداقة.
وهذا الروائي الذي توقّع كثيرون أن ينهي حياته من فوق كرسيّه المتحرّك، فاجأ الجميع حين قرّر إطلاق النار لا على نفسه، بل على التاريخ والزمن والحقارة البشرية التي صار هناك من يحتفل بها ويتلقّى برقيّات التهاني بسبب موهبة الحقارة وحدها..! إنه زمن عراقي رديء تماماً. ويبدو أن عبد الخالق الركابي، الذي يعيش الكتابة الروائية بصدق وصمت وسرّيّة ومن دون ضجيج، لم يعد مشغولاً بما كتب أو يكتب عنه، لأن كل هذا لن يفيده بشيء في اللعبة الروائية الشديدة المراوغة والالتباس. فمن حصار الداخل على الابداع الروائي، والرواية تزدهر في مناخ الحرّيّة، الى حصار الخارج حيث مرجعيّات النقد والكتابة هي مرجعيّات حزبية، عائلية، قبلية، شخصية، مزاجية، ويغيب تماماً السؤال الثقافي، وتتلاشى المعايير النقدية الجدّيّة لمصلحة الهوى والمزاج والرغبة والعلاقة، فليس غريباً أن يمدحك شخص ما ويتوقّع أن تجلب روايتك لك الأعداء، وتجد نفسك كما قال أحدهم «داخل نسيج عنكبوت، من دون رؤية العنكبوت» وبعد أيام لا أكثر، يقوم هذا العنكبوت نفسه، وبلا مقدّمات، بقيادة حملة صبيانية وغوغائية كأنه أراد أن يثبت نبوءته، أو أراد قول ما هو أهمّ، وهو: إن القول وعدمه/ المدح والذمّ/ الحب والكراهية/ يتساويان في تقاليد الغوغاء، وهذه طبيعة العقل المنهار. وحسب الناقد حمزة الحسن، فإن «سابع أيام الخلق» هي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصّة نسيها النقد في الخارج، ولم يتعرّض لها أحد، كما لو أن الركابي متّهم بارتكاب جريمة العيش في وطن تقلّصت حدوده الى مجرّد كرسي متحرّك، يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الأزمنة. قال عنها الشاعر المبدع رعد عبد القادر: «إن الروائي الركابي قد ارتقى في ـ سابع أيام الخلق ـ الى مستوى الأعمال الابداعية المتميّزة على الصعيدين الخاص والعام. والرواية بعد ذلك هي نوع من الأعمال التي تعادل حياة، وهي ـ أيضاً ـ رواية بحث عميق في المعرفة الشرقية ودقائقها، تتمتّع هندستها بعمليات خلق مرئيّة وغير مرئيّة...».
هذه الرواية كتبت سنة 92، وطبعت سنة 94، ووزّعت لأول مرّة سنة 97، وللمرّة الثانية، وهذه الفترة بين الكتابة والطبع، أعطت الروائي، كما قال هو في مقابلة، فرصة إعادة النظر في النص أكثر من مرّة، وهو أمر لم يحصل في أعماله الأخرى.
تتعرّض هذه الرواية الملحمة الى فترة قرون عدّة من تاريخ العراق، وتعتمد في البناء على مرجعيّات تاريخية ومعرفية وأسطورية مختلفة، من أجل تدعيم فكرة النص، وتعزيز البناء الروائي، وهذه المرجعيّات التي وضعت كخلفية للتخيّل، لم تستخدم كما هي، بل قام الروائي بمنحها بعداً أسطورياً، وهنا أيضاً يفترق الروائي عن المؤرّخ.
والرواية تعتمد على مستويين من الزمن: زمن الحكي، أي زمن الرواية، وزمن الأحداث؛ وكما قال الروائي، إن البؤرة الرئيسية في الرواية ونقطة تلاقي الأزمنة هو: عملية الخلق. أي أن النص يُخلق خلال الكتابة، وخلال تداخل الأزمنة، وتلاقي الشخوص، وليس قبل أو بعد ذلك. وكما حصل في رواية أندريه جيد ـ مزيّفو النقود ـ، فإن إحدى شخصيات رواية الركابي هو روائي ينعزل من أجل كتابة رواية، وهذه طريقة في الحكي الروائي تعتبر من تقنيّات الحداثة الروائية، حيث يقوم الروائي بمساءلة نصّه من داخله... كتب الدكتور مهنّد يونس عن هذه الرواية في مقال له: في «سابع أيام الخلق» هناك بحث لا ينتهي، وهناك رواية داخل أخرى، ولكن بتقنيّة خاصّة تختلف كثيراً عن روايات أخرى من هذا النوع. ونذكر في هذا المجال رواية جيد ـ مزيّفو النقود ـ حيث نعثر من بين الشخصيات على كاتب روائي يكتب روايته المستقلّة داخل رواية جيد الكبيرة... «سابع أيام الخلق» هي أيضاً عودة الى أساليب الحكي التراثية، ومحاولة كتابة روائية بلغة تراثية، وهذه العودة، كما يقول الروائي، ليست استنساخاً، بل استبطاناً وبحثاً عن ذات مغيّبة. وفي هذا النوع من الروايات تقترب تجربة الركابي مع تجارب عربية أخرى، كتجرية الروائي المصري جمال الغيطاني في روايته «الزيني بركات»، وتجربة الروائي المغربي سالم حميش في روايته «مجنون الحكم»، وهي تتحدّث عن فترة حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وهي شخصية مثيرة للغرابة والتنوّع والفرادة. إن هاجسنا في هذا العرض هو توسيع دائرة النقاش والرؤية والفحص والسؤال، من أجل خلق مرجعية نقدية وثقافية غير هذه التي نعرفها، والخروج من حبس القراءة الواحدة والرأي الواحد الى فضاءات أوسع في الكتابة والحرّيّة، حتى ولو كان ذلك لا يمرّ إلا من خلال أشراك كثيرة، وفخاخ المصادرة، والرأي الواحد والشبيه، غير المسموح بتعدّده إلا عبر التناسخ والتشابه على حساب المغامرة الابداعية، وهي مغامرة الحرّيّة أصلاً >