عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
1063
 
إبراهيم ياسين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


إبراهيم ياسين is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
387

+التقييم
0.23

تاريخ التسجيل
Sep 2019

الاقامة

رقم العضوية
15917
01-21-2021, 07:19 PM
المشاركة 1
01-21-2021, 07:19 PM
المشاركة 1
افتراضي السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

ها قد جاء يوم الفرج أخيراً ! لقد طلبها الزّبون و اختارها حصراً دون سواها ؛ لم تكن تعلم بالتحديد ما الذي ميّزها عن صديقاتها حتّى ابستم لها القدَر في صباح ذلك اليوم. لكن ما كانت تعلمه أنها ستَكُفّ عن مشاهدة العالم الخارجي من وراء واجهةٍ زجاجيّة؛ لتجرّب الإنغماس الفعليّ في الدنيا عوضاً عن تجرّع مسلسل الشارع اليومي مع الإعادة و إعادة الإعادة.

في الطّريق إلى المنزل، استَرَقت نظرةً خاطفةًً داخل الكيس إلى الوصفة الطبيّة. انفَرَجت أساريرها طرباً عند رؤية درجات الضّعف المتقدّمة لدى صاحبها. "سأجلس أمام عينيه طويلاً إذاً" حدّثَت نفسها بلهجة المُنتصر.

و هناك أمام المرآة، استَوَت أخيراً فوق مقعدها الأبدي على أنف الرّجل لترافقه في حلّه و ترحاله. اتّفقا معاً على أن يَقْتسما المَشَاهِد سويّاً؛ ستَحتَفِظ بنسخةٍ من كلّ ما تُشاهده لنفسها، و تُرسلُ نسخةًً أخرى لعينيه.

كانت تحتضن أذنيه بكلتي ذراعيها؛ لا تتركهما إلّا في ساعات النوم حين تضمّ ذراعيها إلى صدرها و تنام في سريرها الجلديّ، مستَذكرةً كلّ ما مرّ بها من أحداث و أماكن و أشخاص. كانت قد كوّنت صداقات لا بأس بها مع نظيراتٍ لها قابلتهنّ على أنوف أشخاصٍ آخرين. كانت تُضيف فصلاً جديداً لمسلسل حياتها في كلّ يوم، و تُمنّي النّفس ألّا تخفّ درجات الضعف بعيني صاحبها.

لقد أحبّها أكثر من اللّزوم! أحبّها لدرجة أنّه لم يعد يقوى على فراقها حتّى في ساعات النوم. نام في إحدى اللّيالي بثقل خدّه على إحدى ذراعيها فكسرها؛ و كرّر الأمر نفسه مع الذراع الأخرى في ليلةٍ ثانية. لَعِب بها مباراةً لكرة القدم؛ فأُصيبَت بركلةٍ حرّةٍ مباشرة أفقدتها القدرة على الجلوس الصحيح. كما غاص بها تحت البحر ذات صيفٍ فَخَرجَت مُحمَلةً بما تيَسّر من أملاحٍ و طحالب.

لقد هَرِمت قبل أوانها؛ و قبل انقضاء عامٍ كامل على شرائها. أُلقِيَ بها في غياهب الدُرْج مع مستَلزماتٍ أخرى أنْهَت خدماتها، و قَبَعَت يائسةً في ذلك المأوى الخشبيّ الصغير.

في أحد الأيّام، تسلّل النور على غير عادته إلى ظُلَمات الدُرْج فاستَرَقت النظر إلى خارجه لتلمح نظّارةً أخرى و قد احتلّت مكانها.

ابتَسَمت بهدوء، و راحَت تُفسِح المكان لعجوزٍ مثلها ستُؤنِس وِحْدتها بعد بضعة أشهر.