عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2019, 04:43 PM
المشاركة 171
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلـــــة إلى المقابــــر ....مـن يشارك ؟؟


زين العابدين ,,, ولحظات الموت
ليس الغريب غريب الشام واليمن

إن الغريب غريب اللحد والكفن

إن الغريب له حق لغربته

على المقيمين في الأوطان والسكن

سفري بعيدُ وزادي لن يبلغني

وقوتي ضعفت والموت يطلبني

قصيدة لخصت مأساة الوجود الإنساني بين الحياة والموت، مأساة الإنسان وضياعه في عالم غامض وحياة خادعة غرورة، لم تستوقفني في حياتي قصيدة بقدر ما استوقفتني هذه القصيدة التي تهز كل أوتار القلب وتزلزل الكيان البشري الضعيف المعرض للانكسار في أي لحظة،

هذه القصيدة ل زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله ولم أعرف من قبل شاعراً أبلغ ولا أدق منه في وصف هذه اللحظة المريرة، لحظة خروج الروح بكل عذابها وسكراتها المرعبة وغربتها حيث لا غربة أعظم من غربة الإنسان في قبره كما تحدث في هذه القصيدة عن عظمة الذنوب مقابل عظمة عفو الخالق فقال:

تمر ساعات أيام بلا ندم

ولا بكاء ولا خوف ولا حزن

يا زلة كتبت في غفلة ذهبت

يا حسرة بقيت في القلب تحرقني

دعني أنوح على نفسي وأندبها

وأقطع الدهر بالتذكير والحزن

ثم يأتي زين العابدين إلى لحظة خروج الروح، لحظة تتضمن شريطاً سريعا لما مر به في الحياة ليكتشف كم هي تافهة الحياة أمام هذه اللحظة حيث تتمزق الأوتار الدقيقة المشدودة في أعماق الإنسان والممتدة عبر الآخرين يقول الشاعر:

كأنني بين تلك الأهل منطرحاً

على الفراش أيديهم تقلبني

وقد أتوا بطبيب كي يعالجني

ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني



واشتد نزعي وصار الموت يجذبها

من كل عرق بلا رفق ولا هون

واستخرج الروح مني في تغرغرها

وصار ريقي مريرا حين غرغرني

وغمضوني وراح الكل وانصرفوا

نحو المغسل يأتيني ليغسلني

هنا تتزلزل الأعماق حسرة وخوفاً، فهل كانت حياتنا تستحق ما فعلناه بها وهل الهدف من الحياة هو ممارسة الحياة وكفي؟؟

ثم إنني أتساءل من أين جاء الإمام زين العابدين بهذه الصورة الذهنية الواضحة عن حال الإنسان في لحظة ما بعد الموت؟؟

في هذه الأبيات المثقلة بإحساس غامض مشحون بالرهبة، إحساس باللا جدوى واللا معنى وبالمقابل مليئة بهذا التنوع الغريب والغني في تفسير الموت على عدة مستويات يواصل زين العابدين علي بن الحسين وصفه الدقيق لهذا المشهد ويقول:

فجاءني رجل منهم فجردني

من الثياب وأعراني وأفردني

وأودعوني على الألواح منطرحا

وصار فوقي خرير الماء يغسلني

واسكب الماء من فوقي وغسلني

غسلا ثلاثا ونادى القوم بالكفن

وألبسوني ثيابا لا كمام لها

وصار زادي حنوطي حين حنطني

وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا

على رحيل بلا زاد يبلغني

صلوا عليّ صلاة لا ركوع لها

ولا سجود لعل الله يرحمني

هذه القصيدة تفجير لغربة الإنسان وتكريس لوحشته ووحدته وزيف علاقاته والتقاء مع الإنسانية المتعبة البائسة، والإنسان الذي يرحل عن الدنيا لا يحمل منها أكثر من قطعة قماش أبيض..

أما عن القبر وظلمة القبر فللشاعر هذا الختام في قصيدته الطويلة البليغة والتي أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال بعض معانيها وأبياتها إليكم.

في ظلمة القبر لا أم هناك ولا

أب شفيق ولا أخ يؤنسني

فريد وحيد القبر يا أسفا

على الفراق بلا عمل يزودني

تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا

وصار وزري على ظهري فأثقلني

فلا تغرنك الدنيا وزينتها

وانظر إلي فعلها في الأهل والوطن..

وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها

هل راح منها بغير الحنط والكفن؟؟؟