الموضوع: المبدعون
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2010, 01:51 PM
المشاركة 7
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي العز بن عبد السلام 3
خدمته للأمة على المستوى العام:
كان العز.بن.عبد.السلام مدافعا أيضا عن مصالح الناس الاقتصادية والمالية العامة فهو يدافع عن أموالهم ويمنع الظلم والاعتداء على حقوقهم وإليك مثالا يوضح ذلك:
فعندما أراد حاكم مصر أن يقاتل التتار رأى أن أموال خزينة الدولة لا تكفي ورأى أن يأخذ أموالا من الناس فجمع العلماء وقال لهم: ما رأيكم نريد أن نأخذ من الناس أموالا نستعين بها في تجهيز الجيش والسلاح ودفع رواتب الجند وما أشبه ذلك من المصالح التي لابد منها ونحن نواجه عدوا اجتاح بلاد العراق والشام ووصل إلينا وما في الخزينة لا يكفي لإعداد الجيش فقال له العز.بن.عبد.السلام: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقدا وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم في ذلك الوقت اطلب القرض وأما قبل ذلك فلا فأحضر السلطان والعسكر كل ما عندهم من ذلك بين يدي الشيخ وكان الشيخ له عظمة عندهم وهيبة بحيث لا يستطيعون مخالفته فامتثلوا أمره وانتصروا.
هذا الموقف تناقلته الأمة وعرفت من وراءه وأن الذي حفظ أموالها وحماها من أن تغلب أو يؤخذ مالها بغير حق هو العز.بن.عبد.السلام .
معايشته للواقع
إن من أهم الأمور التي جعلت الأمة ترتبط بالعز ابن.عبد.السلام معايشة الواقع.
فلم يكن العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - معزولا عن هموم الأمة ومشاكلها وأوضاعها بل كان يعيش أولا بأول مشاكل الأمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية...
وقد علمنا مما سبق من مواقفه كم كان يعيش مشكلات الأمة وهمومها ولكننا بالإضافة إلى ذلك لو نظرنا إلى كتبه لوجدنا أن لها علاقة كبيرة بالواقع.
فصحيح أن العز.بن.عبد.السلام كانت له كتب في الفقه والحديث والأصول والتفسير وغيرها ولكنه مع ذلك كانت له كتب أخرى لها ارتباط بالواقع مثل:
كتاب: "الفتن والبلايا والمحن والرزايا" الذي يتكلم فيه عن المصائب والصبر عليها وما أشبه ذلك وهذا له علاقة كبيرة بالمصائب والمشاكل التي كانت تعيشها الأمة في عصره.
وله كتاب اسمه: "ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام" وقد ألف هذا الكتاب لما اجتاح الصليبيون بلاد الشام وبدؤوا يحاربون المسلمين ففزع كثير من المسلمين وبدؤوا يفرون إلى الأمصار الأخرى ويتركون الشام خلفهم فكيف عالج العز هذا الأمر
لقد ألف هذا الكتاب الذي يثبت به المسلمين ويحاول أن يجعلهم يقيمون في بلاد الشام ولا يخرجون منها بل يحث المسلمين في الأمصار الأخرى أن يحرصوا على الانتقال إلى بلاد الشام وسكناها ومدافعة الأعداء فيها.
وله كتاب اسمه: "أحكام الجهاد" تكلم فيه عن الجهاد وأحكامه وما يتعلق به وفضله إضافة إلى أنه هو نفسه كان يقوم بالجهاد مباشرة ويشارك فيه حتى إنه في إحدى المرات لما غزا التتار بلاد مصر جبن أهل مصر عنهم وضاقت بالسلطان وعساكره الأرض فاستشاروا الشيخ عز الدين فقال : اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر فامتثلوا أمره وكان العز.بن.عبد.السلام في جيشه يثبت الناس ويرفع معنوياتهم ويقويهم ويلهب حماسـهم حتى كانت الدائرة على الأعـداء وانتصر المسلمون.
ومما صنف العز.بن.عبد.السلام وله تعلق بالواقع أيضا ما كتبه في الفتاوى حيث ناقش في هذه الفتاوى بعض القضايا المتعلقة بعصره.
تضـامن العلمـاء معـه
إن من أبرز الجوانب في حياة العز.بن.عبد.السلام والتي ساعدت على نجاحه: أن العلماء كانوا متضامنين معه فلم يكن العلماء يقفون عند العز.بن.عبد.السلام ليقولوا: هذا سرق منا الأضواء وهذا فعل وفعل وما أبقى لنا شيئا بل كان العلماء يدا واحدة خاصة العلماء العاملين ومما يدل على ذلك:
موقف عبد العظيم المنذري معه:
كان المفتي في مصر: هو الإمام عبد العظيم المنذري فلما جاء العز ابن.عبد.السلام قال الإمام المنذري: قد كنت أفتي ولم يكن الإمام العز موجودا أما الآن فإن منصب الإفتاء متعين عليه.
موقف جمال الدين الحصيري معه:
عندما غضب أحد أمراء الشام على العز بن عبد السلام ومنعه من التدريس وفرض عليه الإقامة الجبرية ذهب أحد الفقهاء الأحناف وهو جمال الدين الحصيري -وكان فقيها مهيبا- إلى الحاكم في قلعته ووقف عند الباب على حماره فقال الحاكم: دعوه يدخل فلما دخل قام الحاكم إليه وأنزله بنفسه وقدمه وقدره وأبى أن يأكل إلا بعده فقال الشيخ: ما جئت إلى طعامك ولا إلى شرابك فقال له السلطان: يرسم الشيخ ونحن نمتثل مرسومه قال: ما الذي حدث بينك وبين الإمام العز.بن.عبد.السلام قال: حدث كذا وكذا وذكر القضية فقال هذا الفقيه: والله لو كان العز.بن.عبد.السلام في الهند أو في أقصى الدنيا لكان جديرا بك أن تسعى في أن يحضر إليك فإنه شرف لك أن تملك أمة فيها مثل العز.بن.عبد.السلام فينبغي أن تسترضيه فوافق على ذلك وأرضى العز بن.عبد.السلام وجعله في مقام رفيع.
إذن القضية هي تربية العز التي تلقاها من مشايخه من أمثال: ابن عساكر وعبد الصمد الحرستاني ومن ثم أدى الأمانة وسلم الراية إلى من بعده كابن دقيق العيد وغيره من التلاميذ.
فائدتان عظيمتان من حيــاة العــز
وأختم الحديث عن العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - بذكر فائدتين مهمتين من حياته.
وهاتان الفائدتان من المصلحة أن يعرفهما كل من يدرس حياة العز.بن.عبد.السلام وما يتعلق بمواقفه البطولية الجهادية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفائدة الأولى: طلبه للعلم في الكبر:
قد يظن بعض الناس أن هذا العالم الجليل قد طلب العلم في صغره وهذا غير صحيح فقد كان جاهلا أول أمره وكبرت سنه وما تعلم وهذا عبرة لمن كبروا ولم يتعلموا.
وبعد ذلك أغفى إغفاءة بسيطة وسمع أحدا يقول له في النوم: هل تريد العلم أو العمل قال: أريد العلم لأن العلم يقود إلى العمل.
فلما أصبح الصباح أخذ كتاب التنبيه في فقه الشافعي وجلس عليه حتى حفظه ثم بعد ذلك ظل يطلب العلم حتى أصبح -كما يقول السبكي- أعلم أهل زمانه وكان كثير التعبد لله - جل وعلا -.
الفائدة الثانية: ثباته عند الممات:
إذا كانت الفائدة الأولى متعلقة ببداية طلبه للعلم وبداية حياته العلمية فإن الفائدة الثانية تتعلق بنهاية حياته.
ففي نهاية حياته ولما حضرته الوفاة وقرب موته وكان ذلك في حكم السلطان بيبرس الذي كان يحب العز ابن عبد السلام حتى إنه لما مات قال: لا إله إلا الله ما اتفق موت الشيخ إلا في زمني - أي: هذا ليس بخير أن يموت الشيخ في زمني- فجاء السلطان بيبرس إلى العز في مرض موته وطلب منه أن يعين أحد أولاده في منصبه وكان للعز أكثر من ولد من أشهرهم: عبد اللطيف طالب علم ومترجم له فقال له العز: ما فيهم من يصلح.
فالمسألة ليست مجاملات ولا أمور تتم بهذه الطريقة أولادي ما فيهم من يصلح إنما أعين فلانا وجاء برجل بعيد أجنبي وقال: إنه هو الذي يصلح وهو الجدير بمثل هذه المناصب.
وهكذا ضرب العز مثالا للتجرد عن المصالح الشخصية ورغبات النفس وأكد على ضرورة ابتغاء وجه الله تعالى ورعاية صالح الأمة في كل وقت وحين حتى على فراش الموت ولعل هذا من علامات الثبات عند الممات فرحمة الله على هذا الإمام الجليل
نقلا عن قناة الرسالة