الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-2019, 08:15 AM
المشاركة 2132
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: ( مليون رد ) ك ش ك و ل = م ن ا ب ر
(4)
هذا وقد طغي على هذا العصر لون من الشعر شغل الناس عن كثير مما عداه؛ ذلك اللون إنما هو مدح، ولهذا أطلق على هذا القرن قرن المديح. نعم، إن هذا الغرض كان قد فتن الناس به منذ العصر العباسي الثاني ولكنهم تركوه إلا قليلاً في عهد المماليك والعثمانيين، يوم كدست سوقه وبارت بضاعته. ثم عادوا فمهدوه مرة أخرى في العصر الحديث للوصول إلى المال وأسفوا فيه حتى أزجوه لمن يستحق ومن لا يستحق ومن الحديث المعاد أن نذكر أن في شعر المديح إلا قليلاً تكلفاً ورياء يبعدان به عن منهاج الشعر، فإذا أنضم إلى هذا ضآلة في الثقافة وضعف في اللغة جاء ضعيفاً هزيلاً. ومن الخير أن نسوق هنا كلاماً ترجمه المنفلوطي في رواية الشاعر يستبين منه القارئ، كيف يعرض الشاعر المطبوع عن المدح، وكيف يقبل عليه بغير قلبه فلا يوفق فيه: (أتريد أن أحمل نفسي على عاتقي كما يحمل الدلال سلعته، وأدور بها في الأسواق منادياً عليها. من منكم أيها الأغنياء والأثرياء والوزراء والعظماء وأصحاب الجاه والسلطان يبتاع نفساً بذمتها وضميرها وعواطفها ومشاعرها بلقمة عيش وجرعة ماء. أتريد أن تستحيل قامتي إلى قوس من كثرة الانحناء، وأن تتهدل أجفاني من كثرة الإطراق والإغضاء، وأن تجتمع فوق ركبتي طبقة سميكة من كثرة السجود والجثو بين أيدي العظماء أتريد أن يكون لي لسانان لسان كاذب أمدح به ذلك الذي صنعني واجتباني، ولسان أعدد عيوبه وسيئاته، وأن يكون لي وجهان: وجه راض عنه لأنه يذود عني ويحميني ووجه ساخط عليه لأنه يستعبدني ويسترقني؟ ذلك ما لا يكون)

إذا علمت هذا فاقرأ معي مديحاً لعبد الرحمن الزيلمي لتدرك فيه مقدار التكلف في اللفظ والمعنى على السواء:

بلغت مقاماً لم تنله الأوائل ... وحزت كما لا تبتغيه الأفاضل

ولست براء غير فضلك يرتجى ... لكل ملم فيه تدمى الصياقل

ولولاك لم تدر العلوم بأنها ... تجل وأن قد بان منك دلائل

يطول لسان الفخر في فضلك الذي ... بنيت له ركناً ليرجع ثاكل

وليس في هذا الكلام شئ إلا أنه كلام، لا يحمل من المعاني إلا ما يقع للعامة ولا من الخيال والألفاظ إلا ما يضحك كما في قوله (يطول لسان الفخر. وأقبح من هذا خيال الشاعر عبد الحميد الموصلي يمدح ناصيف اليازجي:

كبش الكتائب والكتاب وإنه ... بالنحو ينطح هامة ابن خروف

متوقد الأفكار يوشك في الدجى ... يبدو له المستور كالمكشوف

فطن تمنطق بالفصاحة وارتدى ... جلباب علم النحو والتصريف وهذه الأخيلة من مثل قوله (بالنحو ينطح هامة ابن خروف) (وارتدى جلباب علم النحو) وإن كانت تؤدي معاني إلا أنها عارية عن الذوق، خالية من مراعاة المقام.

للكلام بقية

أحمد أبو بكر إبراهيم