عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2010, 07:38 AM
المشاركة 66
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
التَّوارِي من البطْش حلٌّ مؤقَّتٌ ريثما يبرُقُ الفرجُ

قرأتُ كتاب ( المتوارين ) لعبدِ الغني الأزديِّ ، وهو لطيفٌ جذَّاب ، يتحدَّث فيه عمَّن توارى خوفاً من الحجاجِ بن يوسف ،
فعلمتُ أنَّ في الحياةِ فسحةً ، وفي الشَّرِّ خياراً ، وعنِ المكروهِ مندوحةً أحياناً .
وذكرتُ بيتينِ للأبيورديِّ عن تواريهِ ، يقولُ :
تستَّرْتُ مِن دهري بظِلِّ جناحِهِ

فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسألِ الأيام عنُي ما دَرَتْ

وأين مكاني ما عرفت مكاني

هذا القارئُ الأديبُ اللامعُ الفصيحُ الصَّادِقُ ، أبو عمرو بنُ العلاءِ ، يقولُ عن مُعاناتِه في حالة الاختبار :
« أخافني الحجَّاجُ فهربتُ إلى اليمن ، فولجتُ في بيتٍ بصنعاء ، فكنتُ من الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ ، إذْ سمعتُ رجلاً يُنشدُ:
رُبَّما تجزعُ النُّفوسُ من الأمـ
ـرِ لهُ فُرْجَةٌ كحلِّ العِقالِ

قال : فقلتُ : فُرْجةٌ . قال : فسُررتُ بها . قال : وقالَ آخرَ : مات الحجّاجُ .
قال : فواللهِ ما أدري بأيِّهما كنتُ أُسَرُّ ، بقولهِ : فرْجةٌ . أو بقولِه : مات الحجّاجُ » .
إنَّ القرار الوحيد النافذ ، عند من بيده ملكوتُ السماواتِ والأرضِ ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ .
توارى الحسنُ البصريُّ عنِ عين الحجَّاج ، فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فسجد شكراً اللهِ .
سبحان اللهِ الذي مايز بين خلْقِه ، بعضُهم يموتُ ، فيُسجدُ غيْرُهُ للشُّكر فرحاً وسروراً ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ﴾ .
وآخرون يموتون ، فتتحوَّلُ البيوتُ إلى مآتِم ، وتقرحُ الأجفانُ ، وتُطعنُ بموتهم القلوبُ في سويدائِها .
وتوارى إبراهيمُ النَّخعِيُّ من الحجَّاج ، فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فبكى إبراهيمُ فرحاً .
طفح السرورُ عليَّ حتى إنني
منْ عظمِ ما قد سرَّني أبكاني

إنَّ هناك ملاذاتٍ آمنة للخائفين في كَنَف أرحمِ الراحمين ، فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ الظالمين والمظلومين ،
والغالبين والمغلوبين ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ .
ذكرتُ بهذا طائراً يسمَّى الحُمَّرة ، جاءت تُرفرفُ على رسولِ الله  ، وهو جالسٌ مع أصحابِه تحت شجرةٍ ،
كأنها بلسانِ الحالِ تشكو رجلاًَ أخذ أفراخها منْ عشِّها ، فقال  : (( منْ فجع هذه بأفراخِها ؟ رُدُّوا عليها أفراخها )) .
وفي مثل هذا يقولُ أحدُهم :
جاءتْ إليك حمامةٌ مُشتاقةٌ

تشكو إليك بقلبِ صبِّ واجفِ

منْ أخبر الورْقاء أنَّ مكانكم

حَرَمٌ وأنَّك ملجأٌ للخائِفِ

وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : واللهِ لقد فررتُ من الحجَّاج ، حتى استحييتُ من اللهِ عزَّ وجلَّ .
ثم جيءَ به إلى الحجّاج ، فلمَّا سُلَّ السيفُ على رأسِه ، تبسَّم . قال الحجاجُ : لِم تبتسمُ ؟
قال : أعجبُ منْ جُرأتك على اللهِ ، ومن حِلْمِ الله عليك . يا لها من نفْسٍ كبيرةٍ ، ومن ثقةٍ في وعدِ اللهِ ،
وسكونٍ إلى حُسْنِ المصيرِ ، وطِيبِ المُنقلَب . وهكذا فليكُنِ الإيمانُ .