عرض مشاركة واحدة
قديم 04-19-2012, 11:31 PM
المشاركة 443
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائى صبرى موسي : تخليت عن التقاليد الشكلية لفن القصة القصيرة ...



القاهرة - العرب اونلاين - وكالات :

تتسم كتابات الروائى صبرى موسى بالعمق والتغلغل فى النسيج الاجتماعى والقيمى والأخلاقي، نتيجة لرحلاته المختلفة فى كافة أنحاء مصر، فأصبح متسلحاً بمعرفة ميدانية واشتباك حقيقى مع الأشياء فى الكون. وقد كتب بقوة الأدب وروح الأديب المغامر وحرفية الصحافي، مما أضفى على كتاباته عذوبة وجاذبية خاصة، ولم ينفصل فى أعماله الأدبية عن تطورات عصره، فقد عبرت رواية "السيد من حقل السبانخ" عن موضوع التغيير الأخلاقى المطرد على المستوى الإنساني، وهو ما دفعه إلى كتابتها فى إطار مسرحى مرة أخري، وتمنى أن يكون رساماً، فأصبحت الصورة تحتل جزءاً كبيراً من تركيبته، الذهينة والنفسية، واعتمدها كركن أساسى فى نسيج تعبيره الأدبي.

أعدت كتابة رواية "السيد من حقل السبانخ" على حلقات بعد زمن من صدورها، فما الأسباب وراء ذلك؟
نعم انا كتبتها فى إطار مسرحى مرة أخري، لغير سبب، فموضوع الرواية ذاته أصبح موضوعا آنيا كما انه متجدد ومؤرق وجدير بالكتابة المستمرة، وهو موضوع التغيير الأخلاقى المطرد على المستوى الإنساني، مما جعل الإنسان فى مفترق طرق، فالحضارة التكنولوجية الحديثة تعطيه من الوسائل والأدوات ما يجعله يقبل على حياة شديدة الرفاهية، وشديدة الوفرة وهى حكر على عدد محدود من البشر فيما نجد الشريحة الإنسانية الأعظم فى اندحار وفقر ومرض ومعاناة ومن المدهش أن تجد فى كل أدب الخيال العلمى الشائع على مستوى العالم، وكذلك فى الميديا، اهتماما بإبراز هذه الطفرات التكنولوجية، ولكنها تتجاهل تماما أية طفرة على المستوى الأخلاقي، وفى مستوى الوعى والشعور بالإنسان وتقديره وبقليل من هذا التصور يمكن أن نتخيل مستقبل البشرية الذى سيفضى إلى تدنى النوع الإنسانى فى مقابل إعلاء شأن الآلة، أما عن دواعى كتابة الرواية فى شكل مسرحي، فلعلها تكمن فى أن الرواية طبعت أكثر من أربع مرات ولم يعد موجودا منها أى نسخة، فى مقابل تعاقب أجيال جديدة من القراء لم يقرأوها، وفوق هذا يكمن إيمانى بأن العرض المسرحى يستقطب جمهورا أكبر.

رواية "فنجان قهوة قبل النوم" تبدو أسطورية التحقق والكتابة فكنت قد بدأت كتابتها منذ عدة سنوات إلا أنها تبدو عصية على الكتابة. ما سبب تأخر إنجازها كل هذا الوقت؟ نريد ايضا أن نقف على أبرز ملامحها والذاتى والملحمى فيها؟
ربما يعود تأخرى فى إنجاز هذه الرواية، لكونها مركبة بعض الشيء حيث هى مزيج بين روح السيرة الذاتية وسيرة جيل عبر تأملى للحياة وعلاقاتى الإنسانية فيها، وما أنجزته من كتابة فى مشروع هذه الرواية، يصلح لأن يكون ثلاث روايات، فهى أيضا تتضمن تأملى للنصف قرن الأخير، وتجاربى فيه مع الآخرين وما حدث فى مصر، وأنا ليس من طبيعتى إنجاز أعمال ملحمية بل إننى فضلت أن أترك العنان لتداعياتي، كما أننى بطبيعتى لست متعجلا، ويمكن إلى حد ما أن أميل للكسل والتأمل والحركة البطيئة، فضلا عن أنني، حينما أفرغ من العمل الروائى لا أعود إليه، ولا أغير فيه ويظل العمل بعد اكتماله، ملقى أمامي، خاضعا للتأمل والتغيير إلى أن تلح عليّ كتابته النهائية، التى لا رجعة فيها.

أسلوب خاص

ما هو سبب اهتمامك بالصورة وعناصر المشهد وتفاصيله فى القصة والرواية والسينما والتحقيق الصحافى الميداني؟
هذا أسلوب، وهذه طريقة، يختص بهما كل كاتب على حدة، فكل روائى صاحب طريقة، ومصدره الأساسي، هو الحياة، والحياة عمادها الأساسى هو الإنسان، بتصرفاته، وإبداعاته التى تشكل هذه الحياة ومن بينها إبداع الصورة، وربما تجد الصورة أكثر حضورا عندي، لأنها تشكل جزءا كبيرا من تركيبتى الذهنية، بل والنفسية، لأننى كنت أتمنى أن أكون رساما، ولذلك فإنك تجدنى اعتمد الصورة جزءا أساسيا فى نسيج التعبير، حتى أن الموقف عندى يتحول إلى صورة، لها اطارها وعناصرها الداخلية.

كنت قد وصفت جيلكم بأنه الجيل الذى سقط سهوا .. ما دلالة هذه المقولة ؟
هناك تعبير آخر يفسر هذا الوصف وكان للناقد الراحل سيد النساج، حيث وصف جيلنا بانه الجيل الذى سقط بين جيلين، ولكن الوصف امتد. إلا أن جيلنا كان له الفضل فى كسر الحائط الكبير، الذى كان يفصل بينه وبين إمكانية تحققه فى ظل حضور وعنفوان جيل العمالقة، الذين سيطروا على المشهد الروائى والقصصى بل والأدبى بأحقية وجدارة، فكنا أشبه بعصافير بين النسور، وكان سؤالنا: كيف لنا أن نتحقق فى حضور جيل يتربع على قمته العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ويحيى حقى وسعد مكاوى ويوسف إدريس، وصغارهم إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وأمين يوسف غراب ويوسف جوهر ومحمود البدوي، وعلى الرغم من هذا، فإننى أكاد أزعم أن جيلنا كان له الفضل فى إرساء جملة من التقاليد الروائية الجديدة التى تجاوزت زمنها، وفى مقابل هذا فإننى لا أنكر أن الكثير من أسماء جيلنا قد سقط فى الطريق لكن بقيت علامات قصصية وروائية مختلفة تدل علينا، ولما هلت علينا رياح الستينيات كنا قد تأكدنا كأسماء فى المشهد الروائى المصري، ونحن فى ذروة التحقق، ومجددون فى أسلوب القصص، تاركين أثرا غائرا لا يمحى رغم تعاقب الأجيال وصولا للجيل الأحدث.

ضمير أحادي

تحمل مجموعة حكايات صبرى موسى عناوين ذات ضمير أحادي، ثم يفاجئنا بتعدد الضمائر والشخصيات داخل العمل الأدبي، فما دلالة ذلك؟
بالفعل تجد فى حكايات صبرى موسى توغلا أكثر فى النسيج الاجتماعى والقيمى والأخلاقى من خلال رحلات عفوية وعشوائية كنت أقوم بها فى أنحاء مصر المختلفة وكانت بالفعل هذه الحكايات تنشر على حلقات فى صباح الخير ومن ثم يمكن القول إنك ستجد صياغتها مختلفة عن المجموعة السابقة عليها أو التى اعقبتها مثل "مشروع قتل جارة". أما تعدد الضمائر والأصوات فيتحقق فى تلك الشخصيات المتحدثة ولقد كان لهذه الحكايات أسلوب سردى خاص، وقد يتأكد لك هذا حينما تقرأ ما كتبه يوسف الشاروني، أو صبرى حافظ، أو مجدى توفيق، أو كمال النجمي، عن هذه المجموعة كما أنك تجد أن أساليب السرد متعددة داخل هذا العمل بل أنك تجد استثمارا لفنون أخرى مثل المسرح والسينما والغناء والموال متخليا تماما عن التقاليد الشكلية لفن القصة القصيرة فهذه المجموعة مغايرة فى أسلوب الحكى وقد كان اختيارى لهذا الأسلوب الذى يدل عليه العنوان هروبا من التهالك النقدى بالهجوم عليها كحيلة فنية مراوغة.

نريد أن نتحدث عن بواعث هذا الحس والمناخ الأسطورى التى تفردت به روايتك "فساد الأمكنة" وهل يمكن اعتبار جولتك الصحافية السابقة على الرواية بين جبال الصحراء الشرقية على مدى عام وكتاباتك الصحافية عنها بمثابة مخاض أول سبق كتابتها؟
استطعت خلال رحلتى للصحراء الشرقية وجبالها أن أتعرف إلى القبائل واعرافها وقوانينها، وهذا خلق لدى نوعا من الحميمية مع المكان، حتى إننى حينما كتبتها على حلقات كتبتها بقوة الأدب، وبروح الأديب ومغامرة وحرفية الصحافي،مما جعل هذه المادة عذبة وجاذبة للقراءة، بل وقادرة على إثارة انتباه المسؤولين تماما مثلما فعلت مع رحلاتى للبحيرات وكان الغرض من رحلتى للبحيرات والحلقات التى كتبتها عنها هو التصدى لدعوة المعونة الأمريكية آنذاك لتجفيف هذه البحيرات، لزراعتها، وقد نجحت حملتى فى صرف نظر المسؤولين عن فكرة التجفيف، ولكن لنعد إلى الصحراء الشرقية فلقد تأسست علاقتى الحميمة مع هذه الأماكن من خلال جولاتى الصحافية وحققت نوعا من المعايشة المباشرة والحقيقية معها، ورحلتى للصحراء بدأت بعد رحيل المحتل الإنجليزى عنها إلى حدود البحر الأحمر، فكانت رحلة لمكان اعيد حديثا لمصر، بعد انتهاء هذه الرحلات واستيفاء الغرض الصحافي، وجدتنى ما زلت مشحونا ومسكونا بخصوصيتها وعبقريتها، خاصة الصحراوية والجبلية منها، على نحو يفوق الغرض الصحافى أو كتابة الرحلات، ورأيت أن عملا روائيا لهو خليق باستثمار وتوظيف هذه الشحنة الروحية والأسطورية فى داخلى عن هذا المكان الجامع لتراث مصرى عربى افريقى رومانى فرعوني، بقبائله المحملة بتراث خرافى لدرجة جعلت المكان أسطوريا والبشر أسطوريين.

عاشق للسينما

نريد أن نتوقف عند تجربتك فى كتابة السيناريو للسينما، فهل يرجع نجاح روايتى "قنديل أم هاشم"، و"البوسطجي"، لأنهما مأخوذتان عن عملين ليحيى حقي، بالإضافة إلى "الشيماء" عن عمل لأحمد على باكثير؟
أريد أن أشير إلى ملاحظة مدهشة يجب أن اذكرها وهى أن الأفلام الثلاثة هذه لم يلحق بها أى تغيير أو تعديل أو تحريف فى السيناريو الذى كتبته وتم تنفيذها حرفيا تقريبا باستثناءات قليلة لا تذكر، وهذا يعكس تفاهما واتساقا بين فكر المؤلف الأصلى وكاتب السيناريو والمخرج، واذكر أن الأفلام الأخرى لم يتم الالتزام الدقيق بما كتبته مثل "رحلة داخل امرأة " و"حادث النصف متر" وغير ذلك، حتى أننى أكاد لا اذكرها، إذا ما تحدثت عن تجربتى السينمائية.

وهل يرجع نجاح وخلود أفلامك المأخوذة عن أعمال يحيى حقى لتعاطفك المسبق معه كروائي؟ نريد أيضا أن نعرف قصة الاعتراض الوحيد ليحيى حقى على فيلم "البوسطجي"
يحيى حقى فنان مبدع ومجدد فى القصة والرواية وعلامة من علامات التجديد كطفرة إبداعية، بل وفى فنون الكتابة جميعاً وأعماله دائماً كانت طازجة ومغرية للسينما ربما لأنه كان كذلك محباً للسينما، ومطلعاً على أحدث تياراتها فى فرنسا، فلما كان رئيساً لمصلحة الفنون، ساعدنا على انشاء جمعية الفيلم، وساعدنا باستعارة أحدث الأفلام الأجنبية فى حينها من السفارات والمراكز الثقافية، ولقد تعلمنا فن السينما بفضل هذا الرجل وأتصور أن حبه للسينما كان وراء كتابة "دماء وطين" المأخوذ عنها "البوسطجي" بل إنه كتبها بالأسلوب السينمائى الذى كان سائداً فى حينها والمتمثل فى الموجة الجديدة فى فرنسا والواقعية الجديدة فى إيطاليا، ولذلك فقد استفاد من التقاليد السينمائية فى التقاليد الروائية وقد شكلت "دماء وطين" إغراء للكثير من السينمائيين وانتشرت الأخبار عن كتابة فيلم عن هذه الرواية ولكن لم تنجح كل المحاولات وانتهى الأمر بقرار يعتبر أدب يحيى حقى لا يصلح للسينما، وكأن هذا الموقف قد ألقى بالقفاز فى وجهى فقبلت التحدى وأعلنت أن الذين قالوا هذا الكلام لم يفهموا أدب يحيى حقي، أو لم يفهموا السينما لأن القاعدة التى تعلمناها أن كاتب السيناريو يستطيع أن يحول سطرين من جريدة يومية إلى حركة سينمائية، والكتّاب آنذاك للسينما لم يلحظوا الفلاش باك فى أدبه والذى لم تكن تعتاده السينما المصرية حينها، وكذلك المونولوج الداخلي، بل اعتاد جمهورها الحدوتة المتواترة الأحداث، أما اعتراض يحيى حقى الوحيد فكان على مشهد النهاية التى تفيد بأن تاجر العسل قد قتل ابنته الوحيدة ليغسل عاره، والتى عبر عنها حقى فى الرواية بانطلاق جرس الكنيسة، وأنا ترجمت هذا فى أكثر من لقطة، حيث الأب يطارد ابنته ثم يقتلها، ثم يحملها ويمر بين الناس الذين يشاهدون هذا المشهد باعتيادية باعتباره مبررا دائماً، وما جعل حقى يعترض هو رقته المفرطة التى لم تحتمل دموية هذا المشهد.

جائزة التفوق، كنت الحاصل الأول عليها، فى أول دوراتها، ثم اعقبتها التقديرية، فلنتحدث عن ترشيحك ودلالة حصولك عليها؟
بالفعل كنت أول الحاصلين على جائزة التفوق، وهذا تقدير أشرف وأسعد به فلما جاءت التقديرية رشحنى اتحاد الكتاب، ضمن اثنى عشر مرشحا، وتم التصويت السرى على هذا، إلى أن وقع الاختيار عليّ وبعد التصويت على التقديرية حصلت على 35 صوتا فيما حصل سليمان فياض علي32 صوتا رغم مجيء اسمى فى المقام الثالث فى الأخبار الصحافية، وهذه تفصيله صغيرة لم يلتفت إليها أحد وأقول إن فى مرحلتنا العمرية هذه أى تقدير يسعد الكاتب، ويشعر أن سيرته لم تكن حرثا فى ماء وتم تقديرها من متخصصين غير أن التقدير الأهم والذى يثير حماس المبدع اكثر هو تقدير القراء الذين نكتبهم ونكتب لهم وبالأخص حينما تنفد نسخ عمل من أعمال المبدع، ويجد من يتصل به ليسأله كيف ومن أين له أن يحصل على نسخة.



سمير الفيل
كاتب مصري
Samir_feel@yahoo.com