عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
14886
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.67

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
08-17-2010, 09:23 PM
المشاركة 1
08-17-2010, 09:23 PM
المشاركة 1
افتراضي بوشكين أمير شعراء روسيا/ سالم سيف الجابر
بوشكين أمير شعراء روسيا/ الحلقة الأولى


الباحث : سالم سيف الجابر


ألكسندر بوشكين(1/2)

تعريف بأمير شعراء روسيا







في ليلة من ليالي يناير (كانون الثاني) سنة 1837

في مدينة سانت بطرسبرج (لينينجراد حاليا)

كان الهواء البارد يلفح الوجوه

وكانت النجوم تراقب الأرض

والإصرار يسيطر عليَّ بضرورة لقائه اليوم قبل الغد

لأني لا أعلم غدا أين أكون أو أين يكون ؟

بخطوات متثاقلة تقدمت إلى الباب ، وترددت هل أطرقه أم أعود أدراجي ؟

لا ... لن أعود بعد تكبدي عناء السفر ومشقة الطريق ولهفة اللقاء ..

ماذا انتظر وهذه الفرصة ربما لن تسنح فيما بعد ؟؟

ثم

كيف يمكنني أن أجري حوارا مع شخص لديه موعد ( رهيب / قريب ) ؟

فقد تحدد يوم 29/يناير/1837 موعدا للمبارزة مع غريمه ..

قال لي ( نيقولاي غوغول ) صاحب رواية (المفتش) وأحد كبار أدباء روسيا وصديق (بوشكين) ناصحا :

هو عنيد لا يهتم ... اذهب إليه .. فقد أخبرته بقدومك ..

طرقت الباب طرقات خفيفة ، انتظرت قليلا ، فتح لي الباب شاب قصير القامة ، أزرق العينين ، فيه بعضا من الملامح الإفريقية فهو ذو سحنة داكنة ، أجعد / كث الشعر لونه شبيه بلون الحبر الصيني ، غليظ الشفتين ، بارز الصدغين ، وجهه مشدود إلى أسفل ، قدرت عمره بـ(36) عاما ، كان يتنفس تنفس من يعاني من مرض زمين .

أيكون هو ؟!

سألته بشئ من اللهفة : هل يمكنني أن أقابل شاعر روسيا الكبير ، (ألكسندر بوشكين) ؟

ابتسامة رقيقة رسمت على شفتيه ، هز رأسه موافقا وقال بكل ثقة واعتداد : نعم ، تفضل فالبرد شديد بالخارج .. تقدمت بضع خطوات ، قال لي : تفضل بالجلوس ، فأنا (ألكسندر بوشكين) !! ، أخبرني (غوغول) بأنك تحمل في جعبتك بضعة أسئلة ...

قلت : أيها الشاعر الكبير .. بداية لا أعرف كيف أبدأ ؟

هل أقدم الشكر على قبولك لهذه المقابلة ؟

أم أقدم لك اعتذاري عن هذا اللقاء في هذا الوقت المتأخر ...

قال : لا عليك ..

قلت : لذا فإني لن أطيل اللقاء إن هي بضعة أسئلة أتمنى أن أحصل منكم على إجابة عليها ، لأني في الغد على وشك السفر و الطريق ليس سهلا كما تعرف ..

لنبدأ إذن ..جلس في مواجهتي مباشرة بيننا طاولة صغيرة عليها أوراق كتب فيها بعض القصائد ، بدأتُ الحديث:

( مؤسس الأدب الروسي المعاصر ) ، ( شاعر روسيا الأكبر) ، (شاعر روسيا العظيم ) ، ( شمس الشعر الروسي) ،

( أمير شعراء روسيا ) ، أيها الشاعر (بوشكين) ... هذه بعض ألقابك أتعلم أن (مكسيم جوركي) لقبك بـ( البداية لكل البدايات ) ؟ لذا فإن سؤالي عن بداية بداياتك ، من شجعك على التعلق بالأدب و متى نشرت أول مقالاتك ؟

ابتسامة عريضة ملأت وجهه لم تلبث إلا قليلا ، أردفها بقوله : : حسنا .. ولد (ألكسندر سيرغييغيتش بوشكين) في موسكو في 6/6/ 1799 لأسرة ارستقراطية كبيرة ، وقد كانت أسرتنا أسرة من الأسر النبيلة تعيش حياة الترف واللهو ، لذا تركوا أمر رعايتي عندما كنت طفلا إلى الخدم والمربين الذين كانوا عرضة للتغيير الدائم ، ونظرا لعدم إتقانهم للغة الروسية إتقانا تاما ، فقد أُوكِلَ أمرُ تربيتي إلى (مربية روسية) كان لها دور بارز في حياتي حيث كانت تلقى إلى مسامعي الكثير من التراث الروسي ، وقد ذكرتها في كثير من أشعاري .. سكت قليلا ، ثم أكمل : كان أبي مثقفا كبيرا وشاعرا معروفا ، هو الذي زرع في نفسي حب الأدب الكلاسيكي الفرنسي الذي تعرَّفته منذ طفولتيفأصبحت مغرما به ومولعا لدرجة كبيرة ، لذا كانت تربيتي في خطين متوازيين هما خط ينفتح على الثقافة الأوروبية وبخاصة الفرنسية وخط يلتحم بالتراث القومي الروسي .

- أين درست ؟

- التحقت بالمدرسة القيصرية (الليسية) الواقعة على أراضي مقر القيصر الصيفي وكانت هذه المدرسة بمثابة معهد للنبلاء للتعليم الثانوي والعالي معا في سانت بطرسبورج وكنت في الثانية عشر من عمري حينذاك .

- أهي جميلة هذه المدينة تلك الأيام ؟

- مدينة رائعة ، محاطة بالمياه من كل الجهات تقريبا ، كانوا يشبهونها بالبندقية في ايطاليا .

- وكيف كانت الدراسة في هذا المعهد ؟

- لقد كانت الدراسة فيه لست سنوات ، وقد أنشأ هذا المعهد القيصر (ألكسندر الأول) لتجهيز شباب الأسر الروسية العريقة لتولي المناصب الهامة في الحكومة القيصرية ودرست في هذا المعهد الأدب الفرنسي حيث أفكار الحرية وحب الوطن ونظم الشعر ..

إذن .. هذا هو سبب معرفتك للأدب الفرنسي وتأثرك به ؟

- حسنا .. لقد كانت لدينا مكتبة كبيرة في البيت ، هي مكتبة والدي ، الذي حرص على أن يوفر فيها أفضل مؤلفات الكتاب الفرنسيين والروس لا أنكر إنني كنت نهما للقراءة والمطالعة ، لم أشبع من تلك الروائع ، لقد أطلعت على الأدب الفرنسي إطلاعا جيدا وبخاصة مؤلفات موليير وفولتير وسواهما ، كما أطلعت على الأدب الإنجليزي قصائد اللورد بايرون وأدب شكسبير ، وكان كثير من الشعراء الروس والفرنسيين يفدون إلى دارنا

لذا فلم تكن كلمة " شاعر " غريبة عليَّ ولم تكن كلمة مجردة ، لم أكن أقرأ فقط ، بل كنت أستمع وهم يقرأون الشعر بأنفسهم وكان لذلك تأثيره عليَّ بالإضافة إلى العامل الأساسي وهي الموهبة ، وفي المعهد نظمت مجموعة من القصائد مثل : ( أمنية ) ، (العلم) ، و(رسالة إلى بودين) .

- متى نشر أول مقال لك ؟

أتعلم ؟؟ .. لقد نشر لي أول مقال في مجلة ( مخبر أوروبا ) ، وقد كنت وقتها في الخامسة عشر من عمري وكان هذا المقال بعنوان (إلى الصديق الشاعر ) ..

صمت قليلا ثم أردف قائلا :

وكانت عائلتي تدهش من مقدرتي على حفظ أكبر قدر ممكن من القصائد وترديدها عن ظهر قلب ، لقد

تفتحت موهبتي الشعرية منذ الطفولة ، بدأت أكتب أشعاري وأنا في الثامنة من عمري وباللغة الفرنسية.

- لماذا لم تكن باللغة الروسية ؟

- في ذلك الوقت كانت العائلات النبيلة في روسيا تزدري اللغة الروسية الأم وتعطي الأفضلية للغة الفرنسية ،

لذلك كان الأطفال يسلمون إلى مربيات فرنسيات يشرفن على تربيتهم .

- كيف كانت ردود فعل النقاد حول ما تنشره من قصائد ؟

- أذكر جيدا ما قاله (بطريرك الشعر الروسي في ذلك الوقت : غافرين درجافين ) فقد أعلن حينما قرأ كتاباتي

( ذكرياتي في القرية القيصرية) عن مولد شاعر كبير في روسيا .

- لقد حدثت وقائع تاريخية أثناء دراستك في هذا المعهد .. ؟؟ .. ( لم أكمل فقد قاطع سؤالي )

- نعم ، منها مساهمة روسيا في السياسة الأوروبية ، وغزو نابليون لروسيا ، وحرق موسكو ، وزحف الجيوش

الروسية على أوروبا وسقوط باريس والقبض على نابليون ونفيه ، باختصار يمكنني القول نعم لقد عشنا أحداثا جسيمة طبعت في ذهني بشكل لا يمكن نسيانه ، لقد عشت المد الوطني الذي أثارته الحرب في بداية العقد الثاني للقرن الثامن عشر ، كما شهدت عودة المنتصرين الظافرة إلى أرض الوطن ، وفي بداية العشرينات من القرن التاسع عشر شهدت نهوض حركة التحرر الوطني في أوروبا (الغربية) , قد شاركت بأناشيد الحرية كما ذكرت لك قبل قليل ، لقد شاعت تلك الأشعار السياسية التي ناهضت فيها التحكم والطغيان .. لقد تبنيتُ الحقوق الإنسانية للشعب .. إقرأ قصيدة الحرية و القرية وإلى تشادايف وغيرها ..

- إذن هذا هو سبب عداء القيصر لك !!

- نعم .. بعد أن تخرجت في هذا المعهد أُسندت لي وظيفة في الخارجية الروسية بمرتب (700) روبل في الشهر ولم يكن المبلغ كافيا لما أتمناه فالحياة الاستقراطية تتطلب مبالغ أكبر مما دفعني إلى الاعتماد على النفس ولعلي أول كاتب روسي يعيش من قلمه ولو جزئيا عن طريق كتابة العديد من المقالات النقدية في الجرائد الكبري ، وما تكاد ساعات الدوام تنتهي حتى أتوجه إلى مجتمعات بطرسبورج حيث الأندية الأدبية والعلمية ولقد اشتركت سنة 1819 في جلسات جمعية ( المصباح الأخضر ) الأدبية التي كانت على اتصال بجماعة الديسمبريين السياسية (توضيح : جماعة الديسمبريين السياسية : هي جماعة من الثوريين النبلاء الذين كانوا يستهدفون ضرب الأتوقراطية القيصرية ونظام القنانة في الزراعة ، وإقامة نوع من حكم ديموقراطي في روسيا، وقد أعلنوا عصيانا في ديسمبر / 1825 م فعرفوا بالديسمبريين ، والذين قضى (القيصر نقولا الأول) على هذا العصيان ) لقد ألتقيت بالأديب والفيلسوف وعضو جماعة الديسمبريين (تشاداييف ) الذي لعب دورا كبيرا في تكوين مشاعري الوطنية فقد كنت معجبا به إعجابا كبيرا وكنت استمع إليه – عادة – بكل كياني ، فبدأت أكتب أناشيد الحرية ، ولقد وجد البوليس قصائدي بين أوراقهم ، لذا فقد أمر (القيصر الكسندر الأول) بنفيي قائلا:" إن (بوشكين) قد أغرق روسيا بالأشعار المثيرة التي تحفظها الشبيبة كلها عن ظهر قلب ".

- متى وإلى أين كان هذا النفي ؟

- في عام 1820 نفيت إلى طرف روسيا الجنوبي وبقيت هناك إلى عام 1824 .

- كيف أمضيت هذه السنوات الطويلة ؟

طويلة !! .. من قال ذلك ؟ لقد كانت فرصة عظيمة بالنسبة لي حيث تعرَّفتُ أشياء كثيرة ،كانت لي فرصة لأبدع كثيرا من الأشعار مثل: قصيدة روسلان ولودميلا ، أسير القفقاس (القوقاز) ، نافورة باخنشي سراي ، الغجر إلى جانب غيرها من قصائد .

- إذن وجدت فرصة للراحة !! ؟

- فرصة للراحة !! إنك لا تعرف قيصر ، لقد أدمنت الحكومة القيصرية مطاردتي إلىقرية نائية في ولاية (بسكوف) ، ووضعتني تحت الرقابة ... عشت في قرية (مخيائيلو فسكويه ) حياة منعزلة ، تفرغت فيها للقراءة والكتابة ، وتفاعلت بقوة مع الفلاحين لقد عرفت عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم بل ولقد تأثرت بها ... كنت استمع إلى حكاياتهم الشعبية واستلهمتها في رواياتي الشعبية ، أتعلم ؟ ما أكثر ما في هذه الحكايات من سحر ، إن كل واحدة منها قصيدة شعر ، نعم ... لقد تأثرت بهم لدرجة إنني تعرفت على الموسيقى وعلى الرقص الغجري فقد عشت فترة في تجمعات الغجر الرحل إلى (أوديسا) ، وبدأت أكتب ملحمة (يفجيني أونيجين) ، كما عشت بين الشعوب الإسلامية وقرأت القرآن واستمعت إليه مرتلا ، وعرفت سيرة نبي الإسلام فكتبت قصائدي (قبسات من القرآن) و ( الرسول) وتأثرت بالثقافة العربية وأطلعت على (ألف ليلة وليلة) ، لقد استفدت من ( ألف ليلة وليلة ) في كتابة (روسلان ولودميلا ) سنة 1920 .

- حقا ؟؟!!

- نعم .. لقد كان العرب والمسلمون بالنسبة لي أمة تبني مجدها على تراث عريق وتتمسك بعادات وأخلاق سامية تعارفت عليها منذ القدم ، لقد استلهمتُ عدة قصائد مثل (ليلى العربية) و(محاكاة العربي) من الشعر العربي القديم ..

- هل لي أن أسمعهما منك :

- من محاكاة العربي ( أو من وحي العربي )

فتى جذاب ، دمث الأخلاق ،
لا تخجل مني فنحن أهل ،
وبداخلنا لهب عاصف ،
ونعيش حياة واحدة
لقد تآلفنا معا :
تماما مثل جوزة مزدوجة
أسفل قشرة واحدة ...



وقلت في قصيدة ( ليلى العربية ) :

تركتني ليلى
مساء أمس دون اكتراث
قلت : توقفي ، إلى أين ؟
فعارضتني :
" رأسك أشيب " ( في بعض الترجمات : لقد شاب شعر رأسك )
قلت : للمتهمكة المتعالية
" لكل أوانه !
فالذي كان مسكا حالكا ،
صار الآن كافورا "
لكن ليلى سخرت
من الحديث الفاشل
وقال : " أنت تعلم :
أن المسك حلو لحديثي الزواج
أما الكافور فيلزم النعوش " .



ما رأيك ؟

- رااائع ومبدع ... إنك لا تحتاج إلى شهادة بذلك أيها الشاعر ، ماذا حدث بعد ذلك ؟

- تنقلت في جنوب روسيا ، في 1825 توفي (ألكسندر الأول) و تولى (قسطنطين) الحكم الذي تخلى عنه لأخيه (نقولا) الذي لم يكد يعتلى العرش حتى هبت ثورة (الديسمبريين ) في 14/12/1825 ، إنها أول حركة ديموقراطية منظمة في روسيا ، وكنت منحازا لهذه الثورة ، لقد قُتِلَ بعض زعمائها ونُفِيَ أخرون إلى مجاهيل سيبيريا .

- أين كنت وقتها ؟

- لقد أجبرتني أسرتي على البقاء في منزلي أثناء اندلاع تلك الثورة فقد كانت تعرف برغبتي في المشاركة فيها،و لم يستطع القيصر (نيقولا) أن يجد في مؤلفاتي ما يشير إليه أو إلى سياسته ، فنقلني من قرية (ميخايلوفسك)إلى موسكو لأكون شاعر البلاط والمؤرخ الرسمي للبلاط ، واستطعت فعلا التقرب من القيصر ، لكن العيون التي تراقبني جيدا عرفت أنني أنتقده وانتقد سياساته ، فبدأت مضايقات القيصر لي تتوالى .

- كيف ؟

- أما بنقلي من مدينة لأخرى أو بإعطائي بعض الوظائف التي لا تليق بي ، وها أنا أخيرا في سانت بطرسبورج.

لقد وضعت تحت الرقابة ... أتعلم أن أشعاري تعطي للتدقيق فيها لرئيس الشرطة (بيكيندروف) والذي تسبب لي بإهانات وعذابات غير قليلة ؟

- قال لي (غوغول) أنك أصدرت صحيفة أدبية ؟

- نعم .. هي صحيفة ( الجيل المعاصر ) أصدرتها العام الماضي 1836..

- يقال إن هناك علاقة بين الشعر والمجتمع وبين الفن والتعليم فما رأيك ؟

نظر إلي مستنكرا هذا السؤال وكأنه يقول في قرارة نفسه : أهذا سؤال .. ؟

- نعم فالأمر بدهي للغاية ، فالعلاقة عظيمة ، إن الفن يجب أن يكشف عن حقيقة الحياة وأن يمتلك علاقة قوية بإبداع الشعب وأن يكون له طابعه الوطني ، على الأديب أن يكون واقعيا والأدب يجب أن يكون واقعيا يقوم على وقائع الحياة البشرية ، الأدب للمجتمع من فلاحين وأشراف وصناع وحرفيين ونبلاء .