عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2011, 09:12 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





وقد جاء كتابه «قصائد من نثر» Poèmesenprose كما لو أنه تتمة لديوان «أزهار الشر»، متناغماً معه في النسق نفسه الذي أملته روح بودلير القلقة، ضمن رؤية مستجدة، تهمس فيها الأصوات وتتكلم الألوان وتتحدث الروائح، لتخلق الرعشة العجيبة، الحلوة، مفسحة آفاقاً رحيبة من الأفكار والخواطر الشفافة، وعلى نحو تلمح فيه وتوحي أكثر مما توضح وتفسر، إنها تلك الرعشة التي عناها هوغو، والتي عرف بودلير جيداً كيف يريقها في شرايين كلماته.



وقد كشف بودلير، مصادفة، بعض مؤلفات إدغار آلِن بو Edgar A . Poe رائد الحداثة الأمريكي، في القصة والشعر، وكان لاطلاعه عليها أثر كبير في منحى شعره نفسه، وعكف على نقل أقاصيصه الخارقة، وبعض قصائده إلى اللغة الفرنسية.



كان موقف بودلير من الإبداعية (الرومنسية) السائدة في عصره، يماثل موقف رائد البرناسية تيوفيل غوتييه Théophile Gautier ـ حتى لقد أهدى إليه ديوانه عاداً إياه معلمه الأول ـ وذلك برفضه العاطفة النَواحة، المتدفقة في الإبداعية.



وقد مال بودلير، في البدء، إلى مفهوم الفن من أجل الفن الذي رفعه البرناسيون، لأنه كان يميل إلى الأسلوب المحكم المصفى، مؤمناً بأن الشعر الحقيقي يتجلى بصياغته وموسيقاه اللفظية، وأن الجملة الشعرية تستطيع أن تنفض الإحساس بالرأفة أو المرارة أو الرهبة وغيرها، بإيرادها الألفاظ والمترادفات والحروف الملائمة في النسق المناسب، مما يخلق جو الإيحاء المبتغى المطلوب، وعلى نحو قد يتجاوز في دلالته المعاني التي تتضمنها الألفاظ وتحتويها. بيد أن بودلير ألفى، فيما بعد، أن مفهوم الفن من أجل الفن عقيم، جاف، خال من الحياة.



رأى بودلير أنه ينبغي للشاعر الملهم أن ينفذ إلى جميع العلاقات القائمة ما بين الإنسان والطبيعة، وأن عليه أن يضرب في غابات من الرموز الطيعة المنسجمة التي تفتح له آفاقاً من المعرفة لأسرار الكون، فيضحي شعره كما الموسيقى الهامسة قادراً على الإيحاء والإيماء، كما يتاح له أن يستجلي كل ما يتسق بين حواسه من تطابق وتراسل، فيما هو يرى إلى الأنغام والألوان والعطور تترقرق متناغمة متجاوبة بعضها يفضي إلى بعض متآلفاً منسجماً، وقد لخص نظريته الطريفة في قصيدته «التراسل» Correspondance. وعدّ كثير من النقاد هذه القصيدة مدخلاً إلى فهم شعر بودلير وتذوق جماله الآسر.



كان ديوان «أزهار الشر» تعبيراً عن ثورة في الشعر الفرنسي، بل في الشعر الأوربي كله، بعد أن ترجم إلى معظم اللغات، وقد أضحى عام 1857 استهلالاً لعصر جديد في الشعر، فقد تأثر به رائد الرمزية مالارميه في قصائده الأولى، كما تأثر به رامبو عاداً بودلير، الشاعر الأعظم والمتنبىء الملهم، وأشار فيرلين إلى بودلير أنه أول من استنزل لعنة الشعر، وذاق حلوه ومره.



أما بول فاليري فقد عدَه سيداً من سادة الكلمة التي تمتلك سيرورتها وتتضمن بقاءها دوماً، واعترف أندريه بروتون بأن السريالية، إنما تمتح من منهله السخيَ الثر. فقد تسنى لديوان «أزهار الشر»، أن يفرع الحدود ويتأثر بصوره الرائعة المستجدة الشائقة الفريدة جميع الشعراء الذين لمسوا ما فيه من جدة وسحر، وما تزال الدراسات النقدية تتوق حاسرة عما في شعر بودلير من رونق وأسر، وما تزال آثاره في النقد الفني، منفسحاً لكثير من الآراء والخواطر التي تفصح عن ذائقته الفنية الناضجة، الواعية، في استجلاء روائع اللوحات، وأطايب اللحن والنغم.




بديع حقي



- - - - - - -


مراجع:


ـ باسكال بيا، بودلير، ترجمة صلاح الدين برمدا (وزارة الثقافة، دمشق 1985).

ـ لوك ديكون، بودلير، ترجمة كميل داغر (المؤسسة العربية للدراسات والنشر1985).



-CHARLES BAUDELAIRE, Oeuvres Complètes, bibliothèque de la Pléiade, NRF (Gallimard, 1954).
- JEAN PAUL SARTRE, Baudelaire (Edition Gallimard, Paris 1947).
- PASCAL PIA, Baudelaire par lui-mème (Edition du Seuil, Paris 1954).



الموسوعة العربية




هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)